يرتبط مفهوم التطبيع بالتواصل مع الكيان الصهيوني من قِبل دول، أو مجموعات اقتصادية، أو سياسية أو ثقافية وأكاديمية، وهذا التواصل يعطي وضعًا طبيعيًا لوجود الكيان على أرض فلسطين، حيث يتم التعامل معه معاملة دولة طبيعية ذات سيادة، وفيها يتم تمييع الحدود الأخلاقية والإنسانية للمجازر الّتي أحدثها هذا الكيان في فلسطين وفي الدول العربية المجاورة لها أيضًا.
لا يمكن أنّ يكون التواصل مع الكيان الصهيوني تواصلًا غير مشروط؛ لأنّنا لا نتحدث عن جدلية العلاقة بين أنداد يتساوون في القوى، فالكيان الصهيوني يُدعم من قٍبل الرأسمال العالمي المتركز بالأساس بأيدي الصهاينة في أمريكا وبريطانيا وألمانيا وغيرها، أي قوى الاستعمار العالمية الكبرى.
والشرط الأساسي لمبدأ التطبيع هو الاستسلام السياسي بالأحقية والرواية التاريخية الصهيونية بارتباطها وحقها بأرض فلسطين، وهذا يترتب عليه نفي أو التصالح مع المجازر الّتي ارتكبت على أرض فلسطين منذ إعلان الكيان كدولة عام 1948 حتى يومنا هذا.
في بداية التطبيع مع الكيان الصهيوني كانت هنالك حاجة "إسرائيلية" لهذا النوع من بناء العلاقات مع الدول العربية، لمصالح اقتصادية بالأساس، وهي ليست مصالح اقتصادية تشاركية، وإنَّما كانت تُريد أسواق لمنتجاتها سواء المواد الخام أو المواد التصيعية، أو التقنية، وكذلك الأكاديمية والثقافية.
فلم يكن يُنظر إلى الدول العربية منذ اتفاقية كامب ديفيد في السبعينيات بين الكيان الصهيوني ومصر، على أنَّها شريكًا في العملية الاقتصادية أو السياسية في المنطقة العربية، بل كانت ورقة ومحطة للعبور لبناء جسور "سلام" مع الدول العربية الأخرى، وذلك ليبني المستعمِر الصهيوني حدودًا آمنة إلى حد ما.
بعد عام 1994 كانت اتفاقيات ما يُعرف بالسلام قد بدأت تأخذ مجراها، أي أنَّ اتفاقية أوسلو فتحت الباب أمام تسابق الدول العربية الآخرى لتشبيك علاقات اقتصادية بالأساس مع الكيان الصهيوني، ولكن هذا التطبيع لم يُعط النتائج المتوقعة للدول العربية، حيث تحول التطبيع إلى تبعية ليست فقط على المستوى الاقتصادي، بل أيضًا تبعية سياسية.
هذه التبعية بالتأكيد انعكست على ثقافة ووعي الشعوب وممارستها، وهذا بالأساس الهدف من تمييع الحدود بين من يمتلك القوة والسلطة ويستخدمها دون روادع وبين الفلسطينيين والشعوب العربية، فالتطبيع مع الفلسطينيين والعرب طريق لعدم مناهضة الاستعمار عالميًا واعتبار وجوده طبيعيًا.
لا يوجد مبرر بالمطلق لعملية ومبدأ التطبيع مع الكيان الصهيوني، سواء أكان هذا التطبيع يتبعه تنازل حول الحقوق الأساسية أو يكتفي على حقوق الآخر الصهيوني، لأنَّ الصهيوني لا يتعامل بشروط التطبيع كما يتعامل مع الآخر العربي أو الفلسطيني، بل إنَّ حقوقه السياسية والاقتصادية يتم اقتصاصها ومصادرتها حسب الحاجة الأمنية والمتطلبات النفسية لمجتمع المستعمِرين.