السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

لماذا اختفى مصطلح هجرة اليهود من الخطاب السياسي الإسرائيلي؟

2019-10-06 09:50:44 AM
لماذا اختفى مصطلح هجرة اليهود من الخطاب السياسي الإسرائيلي؟
يهود مهاجرون

 

الحدث ـ مادلين الحلبي

إن أحد الإشكاليات الأساسية في المشروع الصهيوني تتمثل في عدم القدرة على صياغة تعريف واضح وصريح للهوية اليهودية، ولعل هذه المشكلة تبرز في خلاف واضح له جذوره التاريخية ما بين الشتات اليهودي "الدياسبورا" أو الرجوع للأرض المقدسة فلسطين أو أن هذه الهوية قائمة على تعريف إثني أو قومي أو ديني يتعلق بالديانة اليهودية فقط.

الدياسبورا والصهيونية

تعود جذور مصطلح الدياسبورا إلى اللغة اليونانية وتعني الشتات والانتشار، وقد بدأ هذا الشتات عند اليهود، حينما حصل انقسام المملكة الموحدة لليهود وما حدث بعد ذلك من السبي وهجرتهم إلى بابل وشتاتهم ما بين بلاد فارس أو الجزيرة العربية أو أوروبا، لكن حسب الأدبيات الصهيونية فإن الدياسبورا تحمل معنى سلبيا يتنافى مع فكرة الصهيونية التي تحدثت بشكل أساسي عن فكرة عودة المخلص الماشيح من جبل صهيون الواقع غرب مدينة القدس، ولا بد من عودة الشعب اليهودي المتفرق في كافة أقطار الأرض لأرض الميعاد، ذلك لأن الشتات يفرق ويضعف الشعب اليهودي، ولعل أبرز تعليل لهذه الأفكار الصهيونية ما جرى في القرن التاسع عشر لليهود في أوروبا، وظهور مصطلح معاداة السامية وأيضاً حدوث مذبحة الهولوكوست على يد النازية.

وقد كان رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق يسحاق شامير يؤكد دائماً على أن المنفى والشتات سيء بالمطلق، وأنه لا بد من عودة جميع اليهود لدولة إسرائيل والعيش المشترك فيما بينهم، وقد أطلق أيضاً بن غوريون استراتيجية بوتقة الانصهار القائمة على العيش المشترك بين اليهود القادمين من مختلف أنحاء العالم، وهذا ما كان يلاحظ بشكل أساسي في خطابات القادة والسياسيين الإسرائيليين بشأن الهجرة والعودة إلى إسرائيل، خاصة وأن إسرائيل لديها مشكلة أساسية متمثلة في الخطر الديموغرافي أمام الفلسطينيين وهذا ما أكد عليه شامير في أحد خطاباته في 1990 حول ضرورة تواجد 10 ملايين يهودي في إسرائيل في فترة زمنية محددة حتى لا ينهار الحلم الصهيوني في دولة إسرائيل.

موجات الهجرة الصهيونية المنظمة

بما أن الصهيونية كانت عنصرية بحق يهود الدياسبورا، فإنها كانت دائماً تنفي حقهم في الانتماء والاندماج مع المجتمعات التي يعيشون معها، ولعبت الحركة الصهيونية نشاطاً كبيراً للتأثير في الوعي اليهودي وإقناعهم بالهجرة إلى فلسطين، وربط هذه الهجرة بمعتقد ديني توراتي قائم على فكرة عودة الماشيح لتعزيز المشروع الصهيوني الاستيطاني، فقد قطع عراب الصهيونية ثيودور هيرتزل على نفسه وعدا لمنع الاندماج اليهودي في المجتمعات التي يعيشون فيها، وبالفعل بدأت أولى موجات الهجرة إلى فلسطين ما بين 1882-1903، التي قامت بشكل أساسي على مبدأ التنظيم والبناء الاقتصادي، وقام هذا المبدأ على الزراعة بشكل أساسي وهذا ما برز في تأسيس الكيبوتسات الزراعية وبناء المستوطنات: ريشيون ليتسيون وبيتاح تكفا، ولم يتجاوز عدد اليهود وقتها سوى بضعة آلاف، لكن في موجة الهجرة الثانية ما بين 1904- 1914 بلغ عدد المهاجرين أكثر من 35 ألف مهاجر، وتوالت الموجات حتى قيام دولة إسرائيل التي أصبح عدد اليهود في فلسطين ما يقارب 4 ملايين يهودي، ليقر فيما بعد قانون العودة عام 1950 الذي يعطي حق الهجرة لكل يهودي يعيش في الشتات خارج فلسطين.

وتوالى نشاط الحركة الصهيونية في جذب اليهود من حول العالم بشكل منظم، ولعل أبرز هذا ملامح هذا النشاط ما مورس بحق يهود العراق لإجبارهم على الهجرة إلى إسرائيل وكذلك اليهود المغاربة وأيضاً موجات الهجرة الروسية التي كان أكبرها عودة مليون يهودي لإسرائيل عقب انهيار الاتحاد السوفيتي وأيضاً يهود إثيوبيا " يهود الفلاشا" في بداية الثمانينات وغيرها من الموجات.

تجاذبات سياسية وهجرة عكسية

مع مرور الوقت ووجود تجاذبات ومخاطر سياسية تلاحق إسرائيل من الساحة العربية والدولية فإن الخطاب والأولويات الإسرائيلية تغيرت، لتصبح قضية الهجرة ونفي الدياسبورا قضية هامشية، ففي 2011 أعلنت الوكالة اليهودية بزعامة ناتان شرانكسي عن التخلي بشكل رسمي عن مصطلح الهجرة، ليتبع في ذلك استراتيجية جديدة تقوم على تعزيز التعاون والعلاقات بين يهود الشتات ويهود المنفى، كما أنه يلاحظ ووسائل الإعلام والخطاب الإسرائيلي ما عادت تلقي بالاً للهجرة، فمثلاً في خطاب نتنياهو في انتخابات ابريل وسبتمبر 2019 شدد بشكل أساسي على مبدأ الترانسفير للعرب وضم مناطق الضفة الغربية ومواجهة الخطر الإيراني في المنطقة، وكذلك باقي الأحزاب الإسرائيلية، مقارنة مع الخطاب الإسرائيلي في السابق الذي كان يدعو بشكل واضح وصريح لتعزيز التواجد اليهودي وحل المشكلة الديموغرافية. 

وبالعكس بدأ يظهر مصطلح الهجرة العكسية والعيش خارج إسرائيل، وبحسب منظمة " نفيش بنفيش" فإنه غادر دولة إسرائيل أكثر من 720 ألف مهاجر حسب إحصاءات عام 2015، هذا إلى جانب أكثر من 593 إسرائيليا يعيشون خارج إسرائيل.