"على حجر ينام البحر"، وينتظر عودة أبيه ناقصا من الظهيرة، ذلك الشغف الطفولي بشخصية الأب الذي جسده الشاعر زهير أبو شايب في أكثر من قصيدة له، يراه ويرى العالم بتناص ديني لا يخلو من فلسفة تبعد كل البعد عن المشقة في التفسير إلا أنها تتأمل كثيرا وتذهب إلى العمق.
في متحف محمود درويش في مدينة رام الله وضمن برنامج "مبدع في حضرة درويش" استضاف المتحف الشاعر زهير أبو شايب الذي قرأ من دواوينه الثلاثة "مطر سري، وظل الليل، وسيرة العشب" مقدما له الناقد السوري صبحي الحديدي الذي منح الحضور إضاءات حول تجربة أبو شايب الشعرية، بينما أدار الشاعر فارس سباعنة جلسة حوار في نهاية الأمسية بين الضيفين والحضور وانتهت بتوقيع أبو شايب ديوانيه "ظل الليل" و" مطر سري" لجمهوره ممن حضروا الأمسية.
الخيارات الشكلية والبصمات المتعددة
في تقديمه للشاعر اعتبر الناقد صبحي الحديدي أن زهير من القلة الذين لهم بصمة مميزة وليست قائمة على سمات تلاحظ فورا، وإنما تحتاج إلى معالجة ومشقة، فبصمته الأسلوبية تأتي من إصراره على شكل التفعيلة، وهو لم يعد شكلا نادرا فحسب بل يستوجب قدرا كبيرا من الاجتهاد لتتميز التفعيلة عن سواها.
ورأى الحديدي أن خيار التفعيلة يحتم على شعرائها أن " يقتلوا" أسلوب محمود درويش فيهم، وهو مطلوب منهم من قبل القارىء الحصيف والمتوسط أيضا بمعنى أن يكونوا قادرين على تجاوز "هذه القامة الشعرية العالية" في مسألة الشكل لتصل إلى قارىء لا يضل طريقه إلى بصمات درويش.
وأضاف أن إصرار أبو شايب على التفعيلة والتنويع في هذا الشكل الذي هو شاق وجميل أيضاً، لم يمنعه من التجريب في قصيدة النثر، ولم يكن هذا التجريب سهلا لأنه، وغالباً، حين يُلح الشكل طويلا على الشاعر، يكون الانتقال من شكل إلى آخر ليس بالأمر اليسير، وليس خاليا من المشاق والطرق الوعرة، وتلك من أسرار الابداع الإنساني، ولكنه في مجال قصدية النثر تميز أيضا وأثبت أن بصمته متعددة.
وفيما يخص المحتوى يرى الحديدي أن لزهير بصمة خاصة، ويعتقد أن الأكثر اشتباكا بالنسبة له هو غلبة الموضوع الفلسفي دون إغراق أو محاولة التفلسف في الشعر، بل اتصال بهواجس الوجود والعلاقة مع عناصر الوجود، سواء كانت هذه العناصر مادية تخص الطبيعة والكون، أو عناصر أكثر شموليةً أو نفسية أو تلك الصيغة الخاصة من التأمل الذي لا يُشق كثيرا ولا يذهب كثيرا إلى التفلسف والذي يفسد الكثير من فطرية القصيدة المدروسة، وهي ليست فطرية ملقاة على عواهنها.
وأضاف الحديدي أن من ضمن هذا التوجه الفلسفي سيرى القارىء أن هناك سلسة من الانزياحات نحو التصوف وحالات من التأمل في الحلول وتأمل يحيلنا إلى الوجد الصوفي، خاصة عندما يذهب الشاعر إلى العلاقة مع الآخر في بعده الإنساني والآخر الأنثى، فقصيدة الحب التي يكتبها زهير تقيم علاقة جديدة بين التصوف والغزل الحسي وهذه ليست مسالة سهلة على حد قول الحديدي.
والحديدي منجذب إلى مسألة التجربة الشعرية الفلسطينية ما بعد درويش أو الشعر الذي عاصر درويش واستطاع الإفلات منه، ويراها موجودة عند زهير، متمثلةً في أن فلسطين ليست حاضرة بمستويات مباشرة أو حتى بمستويات رمزية أ ملحمية بل هي حاضرة بقوة من خلال قيم الحياة الانسانية ومن خلال القيم الحضارية والانسانية الأعمق التي تجسدها فلسطين، كما أنها حاضرة من خلال التأمل العميق والخاص لفلسطين الطبيعة ولفلسطين التاريخ والبشر وفي هذا الإطار تبدو قضية الالتزام بحس المقاومة مسألة وجودية أكثر من كونها نضالية بحتة وهنا يرتقي النص الفلسطيني النضالي إلى مصاف النصوص الدولية ويبقى البعد الكوني منسحبا قليلا.
وفي معرض حديثه رأى الحديدي أن زهير أبو شايب شاعر مقل، وأعماله أشبه بتقطير التجربة وحصارها أكثر فأكثر، وينطبق عليه مفهوم إدوارد سعيد: "المطحنة الأسلوبية" أو مفهوم "الأسلوب المتأخر" وهي اللحظة التي تتجمع فيها أساليب المبدع داخل هذه المطحنة حيث ليست الأساليب القديمة وليست جديدة تماما بل هي استجماع الاساليب والتي تمثل درجة عالية من النضوج.
رابط صور الفعالية الثقافية كاملة