الحدث - رام الله
نشرت منظمة أطباء لحقوق الإنسان، مساء اليوم الثلاثاء، تقرير 'لا مكان آمن'، هو الأوّل بعد الحرب الأخيرة على غزّة.
وقالت المنظمة، في بيان لها، إن التقرير الذي طلبته، أعدّه ثمانية مختصّين دوليين مرموقين في مجالهم، للوقوف عند حجم الدمار الذي خلّفته العمليّة، جسديًا ونفسيًا، وهو الوحيد الذي وضعته أطراف دوليّة غير منحازة، سُمح لها بالدخول إلى قطاع غزة من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيليّ خلال الحرب.
ويرتكز التقرير، وفق بيان المنظمة، على 68 شهادة أدلى بها مصابون من قطاع غزّة خلال مكوثهم في غزّة أو في مستشفيات الضفّة الغربيّة، إسرائيل والأردن، كما يعتمد على تحليل لـ370 تصويرا لجثامين شهداء، ومقابلات مع 9 عاملين فلسطينيين في مجال الصحّة، وتمحيص في عشرات الملفّات الطبيّة.
وأشارت إلى أن أعضاء البعثة عقدوا ثلاث زيارات للقطاع، زيارة واحدة خلال الحرب، وزيارتين بعد انتهائها، كما ساعدت ثلاث من المؤسسات الحقوقيّة الفلسطينيّة في قطاع غزّة في تنسيق عمل البعثة ورافقتهم خلال العمل.
وبينت أن 'أعضاء البعثة التقوا، كذلك، مع ثلاثة أطباء إسرائيليين اشتركوا بعلاج الجرحى من المقاتلين الإسرائيليين وسكّان جنوبيّ البلاد خلال الحرب'.
ومما جاء في التقرير:
إخفاقات وغياب التناسق في تنبيه المواطنين من الضربات (نظام الإنذار)
لا وجود لقنوات الهروب: إحدى استنتاجات التقرير ترى أن إنذارات الجيش التي تضمّنت مكالمة هاتفيّة، مناشير أو نظام التحذير 'أنقر السقف- هكيش بجاج'، لم تكن إنذارات ناجعة. نظام الإنذار هذا كان نظامًا معدوم التناسق. من بين 68 مصابا تمّت مقابلتهم، 7% فقط (5 أشخاص) قالوا أنهم تلقّوا انذارًا مسبقًا من الجيش؛ في شهادتين إضافيتين تحدّث الشاهدان عن إنذارات لم يتم بعدها أي هجوم. في حالات تحدّث فيها الشهود عن تلقّي إنذار قبل الهجوم، لم يتم اتخاذ أي من إجراءات الحذر المطلوبة من أجل تمكينهم من إخلاء المكان بأمان، بما في ذلك الإبقاء على مناطق وطرق آمنة خالية من القصف.
قصف المنازل: بحسب شهادات أخرى، فإن جزءًا كبيرًا ممن فرّوا من بيوتهم لقوا حتفهم في بيوت أقاربهم أو في مدارس الأونروا. من بين الجرحى الذين تمت مقابلتهم، 49% (33) أصيبوا في بيوتهم أو بجانب بيوتهم، 14% (10) في بيوت أقرباء أو أثناء بحثهم عن ملجأ، 7% (5) خلال إخلائهم المنزل و 3% (2) أصيبوا داخل منشآت الأونروا.
القصف دون تمييز: يعرض التقرير شهادات كثيرة على حالات موت في مناطق سكنيّة كان سببها استخدام كميّات كبيرة من المواد شديدة الانفجار دون تمييز بين الأهداف. بالفعل، 57% من المصابين (39) قالوا أن شخصًا واحدًا من عائلتهم على الأقل أصيب أو قُتل في الحدث الذي أصيبوا هم به؛ 60% منهم (4) قالوا إن في هذا الحدث أصيب شخص على الأقل وحتّى 30 شخصًا آخر.
كذلك، فإن الأغلبيّة من بين المصابين الـ 68 الذين تمت مقابلتهم، تمّ علاجهم على أثر إصابات مصدرها السحق تحت أجسام ثقيلة أو مصدرها ارتدادات الانفجارات الهائلة. هكذا مثلًا، نجد أن نصفهم عانوا من جسم غريب دخل جسمهم (شظايا على الأغلب)، 40% (27) تلقوا علاجًا لكسور بالأطراف، 26% (18) تم علاجهم بسبب حروق بالغة، 23% (16) عانوا من إصابات بالرأس وأضرار في الدماغ، 6% (4) عانوا من إصابة بالعمود الفقري. 44% (30) من بين من تمّت مقابلتهم، عانوا من إصابات عديدة وينطبق عليهم أكثر من نوع إصابة من بين الإصابات المعروضة.
شهادة الممرض الرئيسي في طوارئ مستشفى الشفاء، غزة، تفسّر أنماط الإصابات التي تلقّاها: 'جمع بين حروق، شظايا، إصابات عميقة وبتر في نفس المصاب؛ إصابات سحق جرّاء انهيار البيوت على سكّانها؛ جروح تمزّقات وبتر مرتفع جدًا؛ وحروق صعبة'.
إطلاق نارٍ مزدوج: يمكن أن يُنسب ارتفاع عدد المصابين إلى استخدام 'إطلاق النار المزدوج' – إطلاق النار الأوليّ الذي يجتمع بعده الأقارب، من يتقدّمون بالمساعدة، طواقم الإنقاذ حول المصابين، ومن ثم يتم الإطلاق الثاني مخلفًا إصابات في صفوف المجتمعين. 14% (10) من المصابين الذي تمّت مقابلتهم قالوا إنهم أصيبوا بإطلاق النار الثاني.
المسّ بالطواقم الطبيّة
بحسب التقرير، رغم استحقاق الطواقم والمنشآت الطبيّة حمايةً خاصة في زمن القتال، إلا أن شهادات كثيرة توثّق المسّ بهذه الطواقم والمنشآت خلال عملهم بإخلاء الجرحى وعلاجهم. ذلك رغم أن الشهادات تدل على أن إشارات سيارات الإسعاف والطواقم الطبيّة، وخرائط المنشآت الطبيّة في قطاع غزّة نُقلت مسبقًا للجيش من قبل أطراف في وزارة الصحّة الفلسطينيّة، من أجل منع المسّ بها. معطيات منظمة الصحة العالميّة بالتعاون من وزارة الصحة الفلسطينيّة تفيد أن 23 فلسطينيًا من الطواقم الطبيّة قتلوا إبان العمليّات (16 خلال أداء عملهم)، 83 منهم جُرحوا، 45 سيارة إسعاف تضررت أو دمرت، 17 مستشفى و 56 منشأة طبيّة تضررت أو دُمرت خلال الحرب.
شهادة أحد رجال الإسعاف، تعرّض لإطلاق النار خلال الإخلاء في الشجاعيّة:' الساعة 6:15 تقدّمت سيارة الإسعاف نحو 50 مترًا، حينها تفاجأنا بقذيفة سقطت أمام سيارة الاسعاف مباشرة. كنا نقود بسرعة كبيرة. كان علينا أن نتوقف. فجأة شعرت بصدمة تشبه الهزة الأرضيّة، وفهمت أن سيارة الاسعاف أصيبت. عندما نظرت حولي، كان السائق قد فقد وعيه، وأنا بنفسي كنت أشعر بالدوار وقد أصبت بالرأس. ثلاثون ثانية بعدها أصابنا صاروخ آخر أصاب سيارة الإسعاف إصابةً مباشرة. السائق أُلقي خارج السيارة، سمعت فؤاد والمصوّر ينادونني: 'أنت بخير؟' قلت لهم: 'أخرجوا واهربوا، إنهم يصوّبون نحونا!!!'.
فشل منظومة إخلاء الجرحى
تم خلال العمليّات القتالية تفعيل منظومة التنسيق بين الجيش الإسرائيلي، والصليب الأحمر والهلال الأحمر الفلسطيني. في حالات كثيرة من حالات إخلاء الجرحى لم تتمكن الطواقم الطبيّة من إخلائهم بتاتًا، وفي أحيان أخرى استمرّ الإخلاء لساعات طويلة مكلفًا خسائر بشريّة أو مطولاً زمن معاناة الجرحى. في الشهادات التي جمعتها البعثة يظهر أنه خلال القتال احتاجت الطواقم الطبيّة 10 ساعات بالمعدّل للتنسيق مع الجيش الإسرائيلي من أجل إخلاء الجرحى، في حالات قصوى- مثلًا، أثناء الهجوم على بلدة خزاعة في خان يونس- استمر التنسيق من 7 إلى 8 أيّام بسبب الحصار العسكري الذي فرضه الجيش على الحيّ.
من شهادة المُسعف يوسف الكحلوت: 'انتظرنا دقائق طويلة، وساعات أحيانًا للحصول على تنسيق، كانوا يتّصلون ويتوسّلون؛ كنا نسمعهم يصرخون طلبًا للمساعدة. كنا نعرف أنهم ينزفون، أنهم يموتون... لذلك في الكثير من الأحيان لم نتمكّن من الانتظار وانطلقنا نحوهم [لكي نساعدهم]'.
جزء من الشهادات توثّق إطلاق النار صوب طواقم الانقاذ حتّى في حالات تمّ فيها التنسيق مع الجانب الإسرائيلي. شهادات أخرى تدلّ على غارتين بفارق زمنيّ قصير، هكذا تعرّضت طواقم الانقاذ التي وصلت لتساعد المصابين بالغارة الأولى، لإصابات جرّاء غارة ثانية (إطلاق نار مزدوج).
أحداث خطيرة في الهجوم على خزاعة (استخدام دروع بشريّة وإطلاق نار نحو مواطنين يرفعون راية بيضاء):
شددت بعثة المختصّين بشكلٍ خاص على أحداث خزاعة خلال الحرب بين 21 و 25 من تمّوز. تروي الشهادات عن مجموعات كبيرة من الأهالي، أحيانًا من نفس العائلة، الذين اضطروا للانتقال من بيتٍ لآخر، بعد أن تمّ قصف الأوّل، وفشلت محاولاتهم للخروج من الحيّ الذي يتعرّض للقصف. تضمّنت الشهادات إطلاق نار نحو مواطنين يحملون الأعلام البيضاء، وإطلاق النار على مواطنين من مسافة قصيرة، وإهانات وتنكيل خلال السيطرة على مبانٍ سكنيّة، بما في ذلك استخدام الدروع البشريّة، وتأخير ومنع العلاج الطبّي للجرحى.
د. كمال قديح، طبيب من سكّان خزاعة، يصف محاولته الخروج من الحيّ: 'كنّا على مسافة 5 حتّى 10 أمتار من الجنود وكنّا نرفع أيدينا. ابنتي لوّحت بقميصٍ أبيض وكلنا كنا نصرخ 'نحن مدنيون'. كان هناك نحو 500 جنديّ وبلدوزرات و10 دبابات كل 10 أمتار بينما مدافع الدبابات موجّهة إلينا مباشرة. قالوا لنا أن نجلس في أماكننا. الدبابات ترتبت بحيث صنعت ممرًا بينها، وطلبوا منّا أن نمشي في هذا الممر ببطء، وفي حين كنّا نمشي في هذا الممر، سمعنا انفجارًا هائلًا؛ الدبابة أطلقت النار على دراجة ناريّة، وقتل ركابها كما قتل 3 أشخاص آخرين من مجموعتنا. بعد ذلك استطعنا أن نترك المدينة. في اليوم الأخير، كلنا، من طفل ابن يوم واحد، وحتّى المسنّين وعجزه يبلغون من العمر 100 عام، مشينا 3 كيلومترات خروجًا'.
استخدام أسلحة غير عاديّة
استمعت بعثة المختصّين إلى شهادات تدلّ على شبهات استخدام أسلحة غير تقليديّة، مثل: قذائف مسماريّة، وحروق متفحّمة، وبتور نظيفة، وإصابات شظايا بشكل 'شرائح الكترونيّة' مع علامات كلمة SONY، وحروق جلد مكشوف وعلامات تنفّس شاذّة. رغم ذلك، وبما أن أعضاء البعثة لم يتمكّنوا من فحص هذه الادعاءات عن طريق فحص السموم، فحصا بيلوجيا أو كيميائيا من أجل تعزيز هذه الادعاءات أو ضحدها، واكتفوا بعرضها في التقرير كما جاءت على لسان الشهود.
يجدر التنبيه إلى أن البعثة تكوّنت بهدف جمع المعلومات حول إسقاطات القتال على الجانب الطبّي والصحّي، من أجل المساهمة في صورة أشمل للمواد والمعلومات التي تجمع من قبل جهات أخرى. لم يطّلع المختصّون على إجراءات اتخاذ القرارات على مستوى القيادة، ولم يتسنّ لهم فحص الادعاءات الإسرائيليّة بشأن إطلاق حماس للنار من مبان طبيّة أو مدنيّة. رغم هذه العوائق، تمكّنت البعثة من استخلاص صورة مهنيّة عن الوضع في المجالات التي تم فحصها. منظمة أطباء لحقوق الإنسان تتمنى أن يتلقّى الجمهور في إسرائيل معلومات كاملة حول ممارسات إسرائيل، قبل وخلال الحرب في قطاع غزة، وحول نتائج هذه الحرب، من قبل أطراف تتحمّل مسؤوليّة قرار الخروج للحرب ومسؤولية إدارة الحرب.
وجاء من منظّمة أطباء لحقوق الإنسان أنّ 'التقرير يشير إلى فجوة بين الالتزامات التي يصرّح بها من قبل الجيش بالحفاظ على حياة الإنسان، وبين الممارسات خلال القتال، وهي ممارسات أدّت لمقتل الآلاف وجرحهم، وعدم وجود أي منطقة آمنة لأهالي غزّة يمكنهم فيها أن يجدوا ملجأً'.
وأضافت أن الفشل المتواصل لأجهزة التحقيق العسكريّة، والتناقض البنيوي الواضح في هيئة تحقق مع نفسها، كما جاء في تقرير تيركل، يستوجب أيضًا تحقيقا من قبل أطراف مستقلّة وموثوقة.
'نحن نؤمن' جاء من أطباء لحقوق الإنسان 'أن حكومة إسرائيل لا بدّ أن تصدر تعليمات بإقامة لجنة تحقيق رسميّة. وعلى لجنة التحقيق هذه أن تحقق بشكلٍ مستقل بالأحداث والأوامر التي أعطيت خلال العمليات القتاليّة، وتفحص ما الذي تم فعله بين الحروب من أجل محاولة منع الحرب القادمة – لكي نستطيع أن نعيش في منطقة تكون آمنة للجميع'.