الحدث – رام الله
أطلقت الشاعرة هلا شروف في متحف محمود درويش ديوانها الأول "لم أقطع النهر" الصادر عن دار الأهلية للنشر والتوزيع، عمان. وجاء في 95 صفحة من الحجم المتوسط، شمل على ثلاثة وثلاثين قصيدة منوعة ما بين الحب والحياة.
وحضر حفل الاطلاق لفيف من المثقفين والمهتمين بالشعر من كافة مدن الضفة الغربية والقدس، حيث وقعت الشروف ديوانها الذي كتب تحت سطوة إهدائها المرسل لروح والدها الكاتب عبد الهادي الشروف: "أبي هذا ثمرة حزني عليك" عقب أمسية قدمها وأدارها الشاعر عامر بدران الذي استهل أمسية التوقيع متسائلاً: "لماذا يقدم شاعرٌ شاعراً؟ ألكي يصعد على اسمه؟ أم لكي يقول للناس انظروا لقد اختارني؟. وماذا يقول شاعر في تقديم شاعر؟
هو يشبهني، أم إن الشعر تشابه علينا، فإدعو رَبُك يبين لنا ما هو؟ ما هو الشعر إذن؟. أهو التسكع في القاموس بحثاً عن مفردة أخطأها الآخرون، لننتف حروفها ونقدمها شهية لقارئ غريب الذائقة؟ لا أعرف.
أهو اصطياد مفردة أم اصطياد معنى؟ وهل ثمة معنى يختبئ في مكان آخر بعيد عن مفردته الخاصة؟ وهنا، هنا بالذات تتجلى حرفية الشاعر، في أن يتعامل مع كل واحد منهما على حدة؟ أيضا لا أعرف.
أهو احتمالات الكلمة في جملة موسيقية؟ أم هو موسيقى أرواحنا ننفخها في طين الكلام فيطير ونطير معه؟ لا أعرف.
أهو غناءٌ يستدرج اللغة، أم غنائية تستدرجها اللغة؟ أم أن الغنائية تهمة لم تعد تليق به؟ لا أعرف.
ما هو الشِعر إذن؟.
أن تعرف حكمتك، أم أن تُعَرّفَ خطأك؟ أن تنجح في وصف الخطأ فتكتفي؟ أم أن تفشل في وصف الحكمة فتعيد الكرّة؟ أهو الخيال أم الشاعرية؟ الموهبة أم الحرفة؟ الجهل أم المعرفة؟ لا أعرف.! وليس انحيازاً للجهل، لا أعرف، فأنا أعرف كل ما هو ليس شعراً، أن تتكئ على اسم أضاء في لحظة جدارة أو حظ، ليس شعراً، فالشاعر لا يلتفت إلى ما كان، بل إلى ما سيكون، لا يدندن بما كتب، بل بما سيكتب، أن تنتمي إلى تيار أو تعريف ما، شعريّ أو سياسي وأن تنطق باسمه، ليس شعراً.
فالشاعر ابن لغته وحلمه لا أكثر، أن تقول إن الشجرة زرقاء، ليس شعراً، لوِّنها بِلُغتك، تصبح شاعراً.
أن تطلق أمامنا أو خلفنا سهمك، ليس شعراً، صف لنا توتر القوس تصبح شاعراً، أن تسكب علينا ما أثلج صدرك من ماء اللغة، ليس شعراً، دلنا على النهر الذي يفصل بيننا، تصبح شاعراً.
قبل وفاة عبد الهادي الشروف والد هلا، أصيب بمرضٍ غريبٍ ونادر، لقد أفاق يوماً وإذا بمركز النطق في دماغه قد تعطل، لقد فقد لغته دون مقدمات، فقد الأداة التي يسكب من خلالها حبه على المحيطين به، على الزوجة والأبناء، وعلى حوض النعناع الذي يرتجف برداً على الشرفة، على الأصدقاء الأوفياء، وعلى الأصدقاء الخونة، وعلى نبتة المديدة التي تلتف حول إطار النافذة مهددة بالخروج مع كل إهمال، على أوراقه القديمة التي كان يفخر أمامنا بامتلاكها فنحسده.
صمت عبد الهادي الشروف، فصمتت هلا، صمتت لأن أمام الصمت لا شعر أبلغ من الصمت، صمتت لأن الشعر يؤخذ أولاً ثم يُعطى، ولأن الشعر أداة الحالم المتأهب، أو لأن الشعر هو الأنا، "والأنا أوسع الطرقات إلى صحوة الذات" كما تقول هلا.
وحين توفي رحمه الله، انفجرت هلا شعراً وعذوبة، وما ستستمعون له الآن هو ثمرة حزنها عليه، كما تقول في إهدائها اللافت.
الشعر إذن، ثمرة أحزاننا الطويلة، هل هو فعلاً كذلك؟ أيضاً لا أعرف!! لكن التعرف أعجبني فتبنيته.
يتساءل محمود درويش "إن كان للشعر قدرة على إجراء تعديل في المصائر؟" وأنا بعد قرائتي هذا الديوان، أجيب: نعم، فلو لم يكن الشعر ثمرة بهذا الجمال، لما تحولت هلا الشروف من فتاة تلبس حباً إلى شجرة تطرح شعراً.
هلا الشروف الشاعرة الأنيقة الخجولة الهادئة، يشرفني اليوم بكل فخر أن ادعوا الناس للاستماع إليكِ."
وإستهلت الشروف قراءاتها الشعرية بقصيدة (لو كنت حيّاً) المهداة لروح والدها الراحل عبد الهادي الشروف، تبعتها بعدة قصائد منها ( ثنائيات – الولد – خذي البحر – لم أقطع النهر – أنا هنا الآن – هكذا أبدو – أنا المرأة الفاجعة – أرمم نفسي بنفسي).