الحدث- جهاد الدين البدوي
يبدأ الكاتب مايكل بيك مقالته في مجلة "ناشيونال إنترست" بالسؤال عن إمكانية أن يكون البحر الأبيض المتوسط ملعب جديد للبحرية الروسية؟.
نقل بيك عن الخبير العسكري الروسي ديمتري غورنبرغ في تحليل نشره مركز جورج مارشال الأوروبي للدراسات الأمنية: "أن روسيا تقوم الآن بتوسيع تواجدها البحري في شرق البحر الأبيض المتوسط كونه أسهل محاولة للتنافس مع الولايات المتحدة الأمريكية عبر محيطات العالم".
ويرى غورينبورغ: "أن الحفاظ على الوجود البحري في البحر الأبيض المتوسط يعد استراتيجية أكثر فاعلية بالنسبة للبحرية الروسية من السعي وراء البحرية البحرية النشطة عالمياً لأن روسيا لا تملك الموارد ولا الطموحات العالمية لتحدي تفوق البحرية الأمريكية في جميع أنحاء العالم". ويضيف: "إن تركيز موسكو على تطوير وتوسيع اسطولها في البحر المتوسط هو بالتالي هدف محدود يمكن تحقيقه ويتوافق بشكل جيد مع أهداف السياسة الخارجية لروسيا في المنطقة".
ويشير الكاتب أنه خلال الحرب الباردة، كان مشهد السفن الحربية السوفيتية مألوفًا في البحر الأبيض المتوسط. ويضيف أن الاسطول الخامس السوفييتي في البحر الأبيض المتوسط الذي أنشئ عام 1967، كان مستعداً لضرب حاملات الطائرات الأمريكية بالصواريخ والطوربيدات وحتى بالأسلحة النووية في حال حدوث حرب، ولكن مع انهيار الاتحاد السوفييتي تم حل الاسطول عام 1992.
ويقول الكاتب أنه في عام 2013 تم إعادة الاسطول البحري في البحر المتوسط للخدمة العسكرية، الذي تم اختياره بشكل أساسي من سفن اسطول البحر الأسود، وقد تم تجهيزه بنفس العدد من الغواصات والسفن الحربية الجديدة. وفي هذه الأثناء أصبح ميناء طرطوس السوري محطة للحرب الباردة بسفن حربية تعمل بالطاقة النووية.
منذ إضافة ست غواصات من طراز " فارشافيانكا" إلى البحرية الروسية عام 2017، أرسلت القيادة الروسية غواصتين ن فئة "فارشافيانكا" إلى طرطوس السورية. وقد أطلقت هذه السفن والغواصات صواريخ من طراز "كاليبر" على أهداف في جميع الأراضي السورية، وبحسب مجلة "ناشيونال إنترست" فإن السفن الروسية قامت بتعقب السفن الأمريكية في شرق البحر الأبيض المتوسط ، كما تتبعت الغواصات الروسية المنتشرة في البحر الأبيض المتوسط غواصات الولايات المتحدة وحلف الناتو هناك أيضًا. وسهل الاسطول الروسي جهود الدبلوماسية البحرية الروسية، حيث استدعت سفن من الاسطول الروسي إلى الموانئ في قبرص ومصر ومالطا.
تشكل الطائرات الحربية الروسية المتواجدة في قاعدة حميميم في سوريا خطراً كبيراً على القوات البحرية الأمريكية، فضلاً عن مجموعة متنوعة من أنظمة الصواريخ، بما في ذلك الصواريخ المضادة للطائرات من طراز "S-400" و "S-300" بعيدة المدى. وأنظمة الصواريخ قصيرة المدى من طراز وبانتسير وغيرها من الأنظمة الساحلية المضادة للسفن.
ويضيف الكاتب أن وجود قوة دائمة في البحر المتوسط يعزز المكانة الروسية في المنطقة، ويردع العمليات العسكرية الغربية، ويوفر الأمن لروسيا من أي عدوان غربي منطلقه البحر الأبيض المتوسط.
يرى غورينبورغ أن موسكو تتجنب النمط الأمريكي من القوة البحرية كالاعتماد على حاملات الطائرات الكبيرة، لصالح قوة بحرية أكثر دفاعية كالطرادات الصغيرة المسلحة بالصواريخ، والفكرة هي أن البحرية الروسية يمكنها استخدام هذه السفن لإنشاء مناطق بحرية يصعب على قوات العدو اختراقها. هذه الأنظمة "A2 / AD" موجودة في البحر الأسود وشرق البحر المتوسط تشكل مجموعة من الدفاعات ذات الطبقات وموجات متعددة من الهجمات من خلال الجمع بين الصواريخ طويلة المدى التي تطلق من البحر والجو والأرض، مع تركيز أنظمة الدفاع الساحلي والجوي قصير المدى على المنطقة.
ويضيف غورنبرغ أن الطرادات والمدمرات من الحقبة السوفييتية ستستمر في القيام بمهامها، ولكن السفن الصغيرة والصواريخ ستشكل جوهر البحرية الروسية في البحر الأبيض المتوسط وفي أي مكان آخر. ويتوقع غورنبرغ أن يضم الاسطول في البحر المتوسط من 10-15 سفينة حربية وغواصتين.
ومع ذلك، تواجه روسيا تحديات قاسية في الحفاظ على وجود بحري ذي مغزى في البحر الأبيض المتوسط، كما يشير غورنبرغ. إن الاقتصاد الروسي يتعثر، وقد تعاني أحواض بناء السفن في البلاد من التأخير، وقد يمثل تزويد قواتها في البحر المتوسط عبر مضيق البوسفور في زمن الحرب من مشكلة حقيقية.
وبسبب هذه التحديات، سيتعين على القيادة الروسية، قبل أي توسع في شرق البحر المتوسط، أن تختار ما إذا كانت ستقاتل في البحر المتوسط أو ستعيد قواتها إلى البحر الأسود للدفاع عن حدود روسيا الجنوبية. إذا بقيت القوات الروسية في البحر الأبيض المتوسط ، فإنها ستشكل تهديدًا خطيرًا لقوات الولايات المتحدة وحلف الناتو من خلال خلق بيئة صاروخية كثيفة بالإضافة إلى نشر أنظمة الحرب الإلكترونية في أقصى شرق البحر الأبيض المتوسط. سيتعين على روسيا أن تتوقع أنها ستخسر هذه القوات في نهاية المطاف مقابل عدو متفوق عدداً ونوعاً، وإن كان ذلك بعد تكبدها "أمريكا" تكلفة عالية محتملة.