الحدث-غزة
كانت المسيرة التي نظمها أنصار الجماعات "السلفية الجهادية"، الاثنين، تنديدا بنشر صحيفة "شارلي إيبدو" الفرنسية لرسوم كاريكاتورية مسيئة للرسول محمد، خاتم النبيين، هي الأولى التي تسمح الأجهزة الأمنية (التابعة لحكومة حماس السابقة) بتنظيمها لأنصار تلك الجماعات في خطوة طرحت تساؤلات كثيرة على الساحة الفلسطينية.
ويستبعد مراقبان للشأن الفلسطيني أن يكون سماح حركة "حماس" لأنصار "السلفية الجهادية" بالتظاهر وراءه تقارب بين الجانبين، أو إرسال رسائل سياسية للسلطة الفلسطينية أو لأي أطراف إقليمية أو دولية.
وطوال الأعوام التي كانت فيها حركة "حماس" تدير حكومة غزة السابقة كانت تمنع أي نشاط للجماعات "السلفية الجهادية" بالقطاع، واشتدت حدة الصدام بين الحركة وهذه الجماعات إلى أن وصلت في العام 2009 إلى مواجهة مسلحة دامية وقعت في مدينة رفح جنوبي القطاع، فيما عرف لاحقا باسم "أحداث مسجد ابن تيمية".
ويقول وسام عفيفة، رئيس تحرير صحيفة "الرسالة" نصف الأسبوعية (مقربة من حماس): إن "سماح الأجهزة الأمنية في القطاع بخروج هذه المسيرة يعود إلى أن سببها مرتبط بالاعتراض والاحتجاج على الإساءة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ومنع هذه المسيرة لا ينسجم مع فكر حماس الإسلامي".
ويوضح عفيفة في حديثه لمراسل "الأناضول" أنه لو كانت المناسبة التي خرجت فيها المسيرة مختلفة عن التضامن مع الرسول محمد خاتم النبيين، لكان قرار الأجهزة الأمنية في غزة مختلفا، وربما تم منعها.
ويتوقع عفيفة أن تراجع وزارة الداخلية في غزة قرارها بالسماح لأنصار التنظيمات "السلفية الجهادية" بالتظاهر مرة أخرى.
ويشير إلى أن حركة "حماس" غير معنية في أن تثبت النظرية التي تروج لها إسرائيل حول وجود تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في قطاع غزة لأن ذلك قد يضر بها خاصة في مثل هذه الظروف السياسية التي تعيشها حاليا والتي من أهمها قرار محكمة الاتحاد الأوروبي الأخير شطبها من لائحة التنظيمات الإرهابية.
وكانت محكمة أوروبية (المحكمة العامة للاتحاد الأوروبي، ثاني أعلى محكمة في الاتحاد) قضت خلال ديسمبر/كانون أول من العام الماضي بضرورة رفع اسم حماس من قائمة الارهاب، وقالت إن قرار إدراجها عام 2003 في القائمة استند إلى تقارير إعلامية لا إلى تحليل مدروس.
وحول تواجد التنظيمات ذات الفكر "السلفي الجهادي" بغزة، يقول عفيفة "ربما بعض الأطراف الدولية والإقليمية قرأت المسيرة على أنها إشارة لوجود تنظيم سلفي جهادي مثل داعش في القطاع، ولكن الحقيقة هي أنه لا وجود لمثل هذه التنظيمات في غزة، وإن كان لها بعض المؤيدين المتعاطفين معها وهم متواجدون في كل مكان حول العالم".
ويضيف الكاتب السياسي: "إذا شعرت حركة حماس والأجهزة الأمنية بغزة أن الجماعات السلفية الجهادية أو أي أطراف أخرى تجاوزت الحد المسموح لها فإنها ستتعامل معها بقبضة قوية وهذا حدث قبل سنوات في أحداث مسجد ابن تيمية".
وبدأت أنشطة الجماعات السلفية الجهادية تظهر للعلن في عامي 2006 و2007، وتحديدًا عندما اختطفت جماعة سلفية البريطاني ألان جونستون، الصحفي في هيئة الإذاعة البريطانية في 12 مارس/آذار 2007، لكنها اضطرت للإفراج عنه تحت ضغوط أمنية شديدة من حركة حماس في 4 يوليو/تموز 2007.
وظهر الوجود الجهادي في أبرز صوره حينما أعلن قائد جماعة "جند أنصار الله في أكناف بيت المقدس" الشيخ عبد اللطيف موسي ولادة "الإمارة الإسلامية" في آب/ نيسان 2009م، من مسجد ابن تيمية في مدينة رفح جنوب القطاع.
وقد انتهى الحادث بصورة دامية، حيث اصطدمت الأجهزة الأمنية مع عناصر الجماعة، ما أدى إلى مقتل نحو 17 عنصرًا واعتقال العشرات.
ويتوقع عفيفة أن تستغل إسرائيل هذه المسيرة للترويج لروايتها الإعلامية التي تربط فيها حركة "حماس" بتنظيم الدولة الإسلامية والإرهاب.
وبخصوص العلاقة بين "حماس" والتنظيمات السلفية الجهادية، يقول المختص السياسي: إن" العلاقة بين الجانبين تتراوح ما بين التهدئة أحينا والصدام أحيانا أخرى كما حصل بالعام 2009 في أحداث مسجد ابن تيمية"، مشيرا إلى أن الاختلاف بين "حماس" والحركات السلفية وصل لدرجة تكفير بعض هذه الحركات لـ"حماس".
ويرجع عفيفة الخلاف بين الجانبين إلى خلافات فكرية، بالإضافة لرفض "حماس" ربط غزة بأبعاد إقليمية مرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية، موضحا أن "حماس" تدرك جيدا أن وجود هذه التنظيمات بالقطاع لن يكون بمعزل عن التمحور الإقليمي الذي قد يتسبب بخسائر كبيرة لها وللفلسطينيين بالقطاع.
وفي السياق، يقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الإسلامية بغزة هاني البسوس: إن "سماح حركة حماس لمسيرة أنصار الحركات السلفية الجهادية يعود لكونها خرجت للاحتجاج على الإساءة للرسول محمد، لا أكثر".
ولا يتوقع البسوس في حديثه لمراسل "الأناضول"، أن تسمح "حماس" في المستقبل لأنصار "السلفية الجهادية" بالتظاهر بالقطاع، في حال كانت تظاهراتهم مرتبطة بقضايا سياسية سواء فلسطينية أو إقليمية.
وحول تداعيات المسيرة، يقول المحلل السياسي، إنها لن تتجاوز بعض التحريض من وسائل إعلام غربية ضد قطاع غزة وحركة "حماس"، متوقعا أن تحاول إسرائيل استغلال المسيرة لتربط بين "حماس" وتنظيم الدولة الإسلامية، وإظهار الحركة على أنها تتحالف مع هذا التنظيم وتتعاون معه وتسمح لأنصاره بالتظاهر.
ويضيف أن "السماح بتنظيم المسيرة سيكون مأخذا سلبيا على حماس قد يتم استخدامه للترويج لحملة ضد ها على الصعيد الدولي يتم اتهامها فيها بالتعاون والتحالف مع تنظيم الدولة الإسلامية ما قد يوقع حماس في حرج".
ويشير البسوس إلى أن حركة "حماس" تختلف تماما مع التيارات السلفية الجهادية في العمل والمنهج الفكري، وهي لم تسمح لهم بإنشاء تنظيم في القطاع خلال فترة حكمها، لافتا إلى أن تواجد الحركات السلفية الجهادية بغزة يقتصر على بعض المناصرين والمتعاطفين مع هذه التنظيمات فقط، دون أن يكون وجود حقيقي منظم لها.
*الاناضول