صدق أو لا تصدق، إن الجملة هذه، التي تعتبر من أشهر الجمل في التاريخ؛ لم ينطق بها المرحوم يوليوس قيصر عندما طعنه بالسكين صديقه بروتوس الذي كان من آخر المتآمرين الثلاثة والعشرين من أعضاء مجلس شيوخ روما الذين غرزوا سكاكينهم في قلب وأحشاء يوليوس قيصر في الخامس عشر من شهر آذار من العام 44 ق.م.
وقد يكون شكسبير، اختار هذه الجملة الخبيثة ووضعها في مسرحيته الشهيرة "يوليوس قيصر"، التي كتبها عام 1599م؛ لما تحويه من معان جمعت بين الصداقة والخيانة والغدر والإخلاص. وقيل إن جملة قيصر الأخيرة كانت: حتى أنت يا صغيري"! وقيل بأن قيصر مات دون أن يتفوه بكلمة أو بحرف واحد، بعد أن غرِزت في أحشائه 23 سكينا مرة واحدة.
حكم يوليوس روما لمدة عامين فقط، 46-44 ق.م، كان قبلها قد غزا اليونان وإسبانيا وفرنسا وألمانيا. واستولى على مصر وتزوج من كليوباترا، بعد أن أخضعت جيوشه سوريا وبلاد الشام، وصار الرجل هو الأقوى في روما والعالم كله، وبدأ يستعد لغزو بلاد الهند والسند. ثم أعلن الرجل نفسه حاكمًا وديكتاتورا مطلقًا لروما مدى الحياة، وأصبح النظام الجمهوري في روما مهددا بالخطر. وبدأ قيصر يسعى لتخليد نفسه بالحصول على الألقاب، ويصك العملات النقدية بعد أن رسم صورته على وجهيها. وتجلى ذكاء قيصر بأنه كان أول من استخدم لغة الشيفرة في مخاطبة قواده العسكريين، وذلك بوضع الحرف الرابع في كل كلمة مكان الحرف الأول منها. وقيل بأنه ألف العديد من كتب الفلسفة والتاريخ.
واحتار قيصر في كيفية تخليد اسمه، وبنصيحة من عالم فلك مصري، أصدر قيصر مرسوما بترتيب التقويم الروماني القديم الذي تم تعديله في عهد الملك الروماني نوما بومبيليس 715-763 ق.م، الذي أصدر مرسوما بإضافة شهرين إلى السنة الشمسية التي كانت تتشكل من 10 أشهر فقط ( 304 أيام فقط)! وجاء في مرسومه إضافة شهر، 31 يوما، تيمنا بالآلهة "يانوس" (آلهة الشمس الحارسة لأبواب الدخول والخروج من السماء، وهو ما يعني الشهر الفاتح)، أسماه شهر "يناير" (كانون 2)، وجاء ترتيبه بعد الشهر العاشر، ديسمبر (ديسمبر- تعني باللغة اللاتينية رقم 10). ثم أضاف نوما شهرا آخر أسماه "فيبروس- فبراير، تيمنا بآلهة الغفران والنقاء والفضيلة، التي تعيش في مملكتها تحت الأرض. ووضعه بعد شهر يناير، وأصبح شهر فبراير- شباط، هو الشهر الثاني عشر والمتمم للسنة. وصارت السنة الشمسية تتألف من 12 شهرا، ومن 355 يوما، كالتالي:-
مارس 31 يوما (آذار، تيمنا باسم آلهة الحرب، ماريتيوس Marritius التي كانت تجلب النصر لمن يحارب خلال هذا الشهر).
أبريل 29 يوما (نيسان، ، ومعناه التفتح والازدهار)
ماي 31 يوما (مايو-أيار، وهي آلهة يونانية رومانية للخصب والنمو والتفتح والازدهار)
جون 29 يوما ( حزيران، وهي الآلهة التي تحمي النساء من المخاطر عند الولادة وعند المخاض).
كانتيلوس 31 يوما ( تعني رقم 5، وهو الشهر الذي ولد فيه قيصر)
سكستيليس 29 يوما ( تعني الرقم 6)
سبتمبر 29 يوما (تعني رقم 7)
أكتوبر 31 يوما ( تعني الرقم 8)
نوفمبر 29 يوما ( تعني رقم 9)
ديسمبر 29 يوما (تعني رقم 10) وسمي التقويم، بتقويم نوما.
وفي عام 46 ق.م، جعل قيصر الشهور الفردية الترتيب 31 يوماً، والزوجية 30 يوماً، عدا شهر فبراير فكان 29 يوماً، على أن يصبح شباط 30 يوماً مرة كل أربع سنوات سميت بالسنة الكبيسة . ثم جعل بداية السنة من شهر يناير (كانون 2)، وأصبح شهر فبراير (شباط) هو الشهر الثاني، وبالتالي أصبح شهر مارس (آذار)، هو الشهر الثالث وهكذا دواليك، وصار ترتيب الأشهر على ما نحن عليه حتى اليوم.
وبدأ الرجل يسعى لتأليه نفسه.
ولما كانت الأشهر الرومانية "الفضيلة"، تسمى بأسماء الآلهة؛ فقد قرر قيصر أن يخلد نفسه ويسمي شهرا باسمه!. فقام بتغيير اسم الشهر الخامس الذي ولد فيه، شهر كوينتيليز، (الذي أصبح الشهر رقم 7)، وسَمى الرجل الشهر "باسمه"، وصار الشهر الفردي والمكون من 31 يوما يسمى شهر يوليوس، يوليو. وصارت السنة تتكون من 365.25 يوماً.
وأصبح التقويم الجديد هذا، يعرف بالتقويم "اليولياني" نسبة إلى يوليوس قيصر!.
وفي العام 8 ق.م، أراد الإمبرطور الروماني أغسطس تخليد اسمه أيضا، فقام بتغيير اسم الشهر الثامن "سيكستيليس"، وأسماه باسمه!، ولكي لا يكون شهر أغسطس (30 يوما)، أقل مقاما من شهر يوليوس -31 يوما؛ قام الإمبراطور أغسطس، بسرقة يوم واحد من شهر فبراير ووضعه في شهره الجديد!، ليصبح فبراير المسكين 28 يوما في السنة البسيطة، و29 يوما في السنة الكبيسة.
وظلت حسابات السنين تسير حسب التقويم اليولياني، حتى جاء البابا جريجوري الثالث عشر عام 1582م. الذي كان مولعا بعلم الفلك. وبعملية حسابية، تبين أن السنة الشمسية تتكون من 365.242216 يوماً، أي أن التقويم اليولياني يزيد على التقويم الشمسي الصحيح 11 دقيقة و14 ثانية كل عام، وهو ما يعني أن هناك خطأ زمنيا تم تقديره بعشرة أيام، ولإصلاح هذا الخطأ، تم تعديل تاريخ يوم الجمعة 5 أكتوبر عام 1582م، ليصبح (يوم الجمعة) هو 15 أكتوبر من العام نفسه. وتبنت الدول الكاثوليكية، إسبانيا والبرتغال وفرنسا المرسوم البابوي فورا، أما بريطانيا البروتستانتية، فقد اعتمدت التقويم الجريجوري بعد مرور 170 عاما، تبعتها مملكة السويد بعد عام واحد. وكانت روسيا اللينينية، هي آخر الدول التي تبنت التقويم الجريجوري عام 1918.
ومع كل هذه الإصلاحات الفلكية، فإنه ما زال هناك خطأ، يقدر بيوم واحد يجب أن يضاف في نهاية الألفية الثالثة، وهو ما يعني أن شهر شباط في العام 4000 ميلادي سيصبح 30 يوما.