السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

خريجو مخيمات لبنان بين اليأس والرجاء

2014-01-08 00:00:00
خريجو مخيمات لبنان بين اليأس والرجاء
صورة ارشيفية

لبنان- مصطفى أبو حرب

يعيش الشباب الفلسطيني المتخرج اليوم حالة من اليأس الممزوج بالمرارة لما آلت إليه أوضاعهم في ظل حالة الإغلاق للسوق العربية بوجه أبناء مخيمات لبنان، وعدم السماح للفلسطيني بمزاولة 17 مهنة سيادية في لبنان.  

ولم يغير في الحال شيئاً إصدار وزير العمل اللبناني طراد حمادة يوم 2005/7/5 قراره التاريخي حيث سمح للفلسطينيين بحق العمل في مهن كانت حكراً على اللبنانيين، معللا ذلك بقوله بأن الموضوع إنساني بحت بعيداً عن أن يكون خبطة سياسية واصفاً قراره بالوطني بامتياز.

جاء هذا القرار بعد ما يزيد عن خمس وخمسين عاماً من حرمان الفلسطينيين من حق العمل في لبنان، إلا انه جاء ناقصاً لعدم شموله على المهن الرئيسية واقتصاره على مهن من الدرجة الثالثة.

وأمام واقع وجود ما يقارب 400 ألف لاجئ فلسطيني في لبنان بينهم %50 قادرين على العمل وأمام نحو 500 خريج فلسطيني سنوياً من الجامعات اللبنانية، هذا القرار اشتمل على الحدود الدنيا في مسألة حق الفلسطيني في العمل في لبنان ويعتبر خطوة على طريق زحزحة الصخرة الجاثمة على صدور الفلسطينيين في لبنان بالرغم من أنه لا يخول الفلسطيني الدخول إلى الدوائر الرسمية، كما لا يؤثر في مزاحمة اللبناني في المهن ذات الطبيعة الخاصة كالأطباء والمهندسين والمحامين ونقاباتها التي لها شروطها بالجنسية اللبنانية أو بدفع تأمينات مرتفعة جداً.

وهنا لا بد من الحديث عن الشريحة المغبونة من خريجي الجامعات من الفلسطينيين الذين يطالبون بمزاولة 17 مهنة محظورة عليهم بموجب نقابات هذه المهن لأنها مصنفة ضمن المهن الحرة، مما يجعل هذه الشريحة تحت دائرة الحرمان والمعاناة ويدفع بها للهجرة خارج لبنان بعيداً عن حدود فلسطين، أو يدفع بهم إلى ترك مقاعد الدراسة دون إتمام دراستهم.

وهناك ما يقارب 3400 طالب فلسطيني مسجلين في الجامعات للعام الدراسي الحالي غالبيتهم (الثلثين) في الجامعة اللبنانية وما يقارب 1100 طالب في الجامعة العربية والباقين في الجامعات الخاصة.

وتشير الإحصاءات إلى أن هناك 500 خريج فلسطيني سنوياً وتطغى على تخصصاتهم فروع الهندسة والطب وإدارة الأعمال. وتحظى الجامعات الخاصة بالحصة الأكبر منهم  (الأميركية، اللويزة، القديس يوسف، العربية المفتوحة، والعربية). ويصطدم هؤلاء الخريجين بجدار الواقع المؤلم (البطالة) من جهة وبقانون العمل اللبناني من  جهة أخرى.

وتصل نسبة البطالة لدى تلك المجموعات إلى %35 أو %45  لذا تتناقص الخيارات أمامهم فتكون الهجرة في اتجاهات مختلفة لم تعد نحو دول الخليج التي أغلقت أبوابها أمامهم فتراهم يهيمون على وجوهم يحاولون عبور البحار فإما توصلهم أقدارهم إلى بر آمن أو إلى قعر المحيط أو العمل كأجير أو مستخدم بأجر زهيد لا يكاد يغطي مصاريف المواصلات والحاجات الشخصية من دون أي ضمانات صحية أو اجتماعية.

ولا عجب أن تجد من حملة الليسانس يعملون باعة في محالات الألبسة والمهندسين يعملون كمدرسين لمادة العلوم أو الرياضيات أو سائقي تاكسي أو بائعي خضار وعمال زراعة في بساتين الليمون وهي مجالات لا تتناسب مع اختصاصاتهم ولا شهاداتهم.

وفي هذا الإطار بدأ يتراجع عدد الخريجيين الجامعيين لأسباب مادية واقتصادية وأخرى معنوية خوفاً من المستقبل والإحباط العام بسبب تكدس أعداد الخريجين نتيجة البطالة وإغلاق سوق العمل في دول الخليج بسبب تدفق العمالة الآسيوية. 

إن الأعباء الملقاة على عاتق الطالب الفلسطيني من مواصلات من المخيم إلى الجامعة إلى تصوير يومي للمقررات والكتب والمراجع تدفعه إلى الانتساب للجامعة والعمل من أجل تأمين الأقساط وبالتالي تراجع إنتاجيته العلمية بالإضافة إلى وضع عائلته الاقتصادي الصعب وإخوته الطلاب.

هذا بالرغم من أن صندوق الرئيس أبو مازن  يقوم بتغطية ما يزيد عن %50 من مصاريف الجامعة للطالب الفلسطيني في لبنان منذ العام  2009  مما أدى إلى تخفيف الأعباء عن كاهل الطلاب وذويهم ولكن يأمل هؤلاء الطلاب أن يجدوا فرص عمل عند تخرجهم من خلال هذا الصندوق بعد عام.

الاستاذة منى أبو حرب  (ماجستير في علم الاجتماع ) تقول: “إنه من الطبيعي أن اتجه إلى سوق التدريس، تعمدت تقديم العديد من طلبات التوظيف في مدارس طرابلس وضواحيها إلا انها قوبلت بالرفض وأخيراً قبلته مدرسة بشروط ينطبق عليها القول بأن “شيئاً أفضل من لا شيء” لأن عملي فيها غير قانوني لذا فأنا مضطرة أن أتقاضى نصف راتب المدرس اللبناني في المرحلة المتوسطة ولمدة 9 شهور بدل 12 شهراً ولا يوجد قانون يحميني في حال رفض مدير المدرسة إعطائي معاشي وأنا أقوم بإعطاء 30 ساعة تدريس خلال الأسبوع بمعدل 6 ساعات في اليوم الواحد، وأدفع بدل المواصلات من مرتب لا يتجاوز 400 دولار شهريا وإن قبلت بهذا العمل لأني لم أجد فرصتي كي اعمل في مدارس الأونروا وكل ذلك فقط لأني أحمل الجنسية الفلسطينية بكل فخر واعتزاز.

تبدو الرؤية أكثر سوداوية لدى الأستاذة فداء علوش فبعد تخرجها ونيلها شهادة الحقوق من سوريا صدمت عندما جاءت إلى لبنان بعد تهجير عائلتها من الكويت إثر حرب الخليج ولم تجد وظيفة في مجال تخصصها “لا في أرض ولا سماء”، وقانون العمل اللبناني يحرمها الانتساب إلى نقابة المحامين لأنه يشترط أن يكون المنتسب حاملا للجنسية البنانية أو من دولة تعامل اللبناني بالمثل  فهي عندما درست في سوريا  كانت ترى الفلسطيني هناك يعامل أسوة بالمواطن السوري وهي أحبت هذه المهنة لأنها مهنة علية القوم وبإمكانها أن تعمل بها في الكويت حيث ولدت وعاشت وتعتبر فداء أن  الحظ ابتسم لها عندما وجدت وظيفة لدى محام ليس كسكرتيرة بل كأجير بلا أجر وتقوم بكل أعباء المكتب من كتابة المرافعات والاستدعاءات واللوائح وبعد ذلك تأتي الحسرة حين يذهب زملائي للمرافعة باللوائح التي أعددتها أنا ولكن بأسمائهم في المحاكم. تضيف فداء بأنها تعمل اليوم مديرة روضة مع الأطفال وتقدم الاستشارات القضائية للاهل والاصحاب مجانا بانتظار ان تفتح امامها افاق جديدة لمزاولة مهنتها التي أحبت والتي تقف جنسيتها الفلسطينية التي أحبت أيضا عائقاً أمام ممارستها لمهنتها في لبنان فقط.

 الأستاذ خالد محمد الحاج خريج الجامعة اللبنانية (ليسانس تاريخ)  يقول: سبع سنوات  على تخرجي وما تركت باباً إلا وطرقته من أجل أن أحصل على وظيفة في الأونروا او أي من المدارس الخاصة اللبنانية إلاّ أنني لم أوفق في ذلك  فعملت في مؤسسات  (N G O) كمتطوع في خدمة مجتمعي المحلي وخاصة أثناء حرب البارد،  ولأنني مسؤول عن إعالة إخوتي ولأنني فاقد لوالدي فأنا مضطر كي أعمل وأنا آمل أن أحصل على وظيفة تليق بما درست ولكنني لم أوفق بذلك وأنا اليوم أعمل سائق سيارة في المؤسسة النروجية، ولكنني رغم اعتزازي بنفسي إلا أنني أخجل من العمل بغير مهنتي التي درستها وكانت محل رجاء لي ولأهلي. 

لقد باتت أعداد الطلاب الخريجين تتزايد متكدسة في المخيمات الفلسطينية وبدأ يلوح في أفق هذه المخيمات ملامح ظهور تنظيم فلسطيني جديد هو تنظيم الخريجين العاطلين عن العمل، ويعتقد المتابعون بأنه سوف يكون التنظيم الأكبر في ساحة مخيمات الشتات إن لم تبادر الجهات الفلسطينية المعنية بأخذ الأمر على محمل الجد والبحث عن عمل لهؤلاء الخريجين في دول لها علاقاتها الجيدة مع الدولة الفلسطينية لأن هؤلاء الشباب يراهنون على تغيير في أوضاع عائلاتهم من خلال العمل الذي سوف يقومون به في مجال اختصاصاتهم العلمية، فهل من مستفيد من خبرات الشباب الفلسطيني علميا وتقنيا وفنيا لتطوير مرافق بلاده والسمو بها