الحدث- علا عطالله
على مساحة صغيرة من أرض فارغة، تجاور منزله الواقع شرق مدينة غزة يرسم الطفل الفلسطيني حمادة الظاظا على التراب شكلاً هندسيًا، عبارة عن مثلث تتساوى أضلاعه الثلاثة، وفي داخله يرمى كرات زجاجية صغيرة ملّونة.
هذه الكرات، التي لم تكن سوى "البنانير" أو ما تُعرف في غزة بـ"القلول"، كانت سببا في إسعاد الظاظا (12 عامًا)، الذي لم يجد كما يقول، أمامه سوى الألعاب الشعبية، يتغلب من خلالها على قلة وسائل الترفيه.
ويتجمع حول الظاظا عددًا من رفاقه، وهم يهللون فرحًا، فور أن تصيب "بنورة"، البنانير المصطفة داخل المثلث الرملي.
ويضيف الظاظا أنّ أطفال غزة وفي الإجازة النصفية، (انطلقت قبل أيام)، يجدون في الألعاب الشعبية متنفسا في ظل انقطاع التيار الكهربائي.
ويتابع بصوتٍ طفولي: "ألعاب الكمبيوتر بدها (تحتاج) كهرباء، وبتقطع كتير (تفصل كثيرا)، فش غير القلول.
ومنذ 8 سنوات يعاني سكان قطاع غزة، من أزمة كهرباء كبيرة، عقب قصف إسرائيل لمحطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع منتصف عام 2006، وهو ما دفع السكان إلى العيش وفقا لجدول توزيع يومي، بواقع 8 ساعات وصل للتيار الكهربائي و8 ساعات قطع، تزداد في ظل غياب السولار الصناعي اللازم لتشغيل المحطة.
وفي شوارع قطاع غزة، لا يكاد يخلو مشهد الأطفال وهم يلعبون "البنانير"، وهي إحدى أشهر الألعاب الشعبية الفلسطينية.
ويطلق عليها في قطاع غزة اسم "القلول" أو "البنانير"، ويقوم لاعبان أو أكثر بممارسة اللعبة التي تعتمد على مسك كل من اللاعبين بنورة، ويرسم شكلا هندسيا غالبا ما يكون مثلث أو دائرة، ويتم وضع عدد من البنانير داخل الشكل الهندسي.
ويرمي اللاعب "البنورة" بواسطة أصبعي "الإبهام" والسبابة" محاولا إصابة البنانبر، فإن نجح يفوز بـ "البنورة" التي أصابها، أو أكثر والتي خرجت من حيز الشكل الهندسي والذي يحمل اسم "المور" بحسب الأطفال، وتستمر اللعبة ليفوز بها من يربح أكبر عدد من "البنانير".
وفي شارعٍ مجاور، لعدد من المنازل التي لا تزال آثار تدميرها بفعل الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، ماثلة، كان الطفل عبيدة العجلة (9 أعوام)، يعرض عددًا من البنانير التي فاز فيها.
ويقول العجلة بمرح، إنه يتجمع برفقة أصحابه كل صباح، للعب البنانير، التي يقول إنها لعبتهم المفضلّة في الإجازة الشتوية.
ويضيف، وهو يشير بحسرة، إلى ركام المنازل، أن إسرائيل دمرت كل شيء، خلال حربها الأخيرة على غزة.
ويحاول العجلة أن يرمي إحدى البنانير، بمهارة، غير أن يده تخطئ الهدف، ما يدفع الصغار الآخرين، الطامحين بالفوز عليه بإطلاق "الضحكات".
وعلى مقربة من العجلة، يقول الطفل أنس حجازي (13 عامًا) إنهم يفضلون هذه اللعبة عن غيرها، لندرة الأنشطة الترفيهية في فصل الشتاء.
ويضيف حجازي: "الدنيا برد في الشتا، ومش ممكن نروح البحر( لا يمكن أن نذهب)، فش غير القلول (لا يوجد غير البنانير)، والكهربا دايما قاطعة فش (لا يوجد) تلفزيون، ولا جيم (ألعاب) على الكمبيوتر".
ويشعر حجازي بالسعادة لفوزه بـ50 بنورا، ويطمح للفوز بعدد كبير، ينافس من خلالها أصحابه كما يقول.
ولم تنجح صيحات أشقائه الأكبر سنا في ثني الطفل صلاح إسكافي (6 سنوات) من الاستمرار في لعب البنانير، إذ يصر على الإمساك بكومة من البنانير ورميّها داخل الشكل الهندسي المرسوم على التراب.
وفي وقت يتمتع فيه الأطفال الذكور بلعبتهم الشعبية "البنانير" فإن الأطفال من الإناث يفضلنّ لعب "الحجلة" إحدى الألعاب الشعبية الشهيرة.
والحجلة، عبارة عن مستطيل مرسوم على الأرض، مقسم إلى مربعات أو مستطيلات، وتقوم الفتيات، بدفع قطعة حجرية، بإحدى قدميها إلى داخل المستطيل، بينما تكون القدم الثانية مرفوعة عن الأرض، بحيث لا تلامسها أبداً، ثم تمررها داخل بقية المستطيلات دون أن تلامس الخط الفاصل بين المستطيلات، وإلا خسرت اللعبة وتابعت اللعبة إحدى صديقاتها.
وتقول بسملة عبد الرحمن، (9 أعوام)، وهي ترفع إحدى قدميها، بحذر، خوفًا من ملامسة الخط الفاصل بين المستطيلات، إنها تلعب برفقة بنات عمها الحجلة عصر كل يوم.
وتضيف عبد الرحمن، بعد أن احتلت مكانها ابنة عمها (سنابل 6 أعوام) عقب خسارتها، إن الحجلة لعبة جميلة جدًا، وتفضلها على كثير من الألعاب الشعبية.
وتعتبر الحجلة والبنانير من الألعاب الشعبية الفلسطينية التراثية التي تتوارثها وتتناقلها الأجيال رغم وسائل التكنولوجيا الحديثة والألعاب الإلكترونية.
ومؤخرًا، أصدر مركز "سنابل" للدراسات والتراث الشعبي الفلسطيني كتابا يحمل اسم (الألعاب الشعبية في فلسطين)، وصنّف البنانير والحجلة من أهم هذه الألعاب، إضافة إلى ألعاب أخرى تحمل اسم (حكم جلاد، سبع حجار، طاق طاقية).