الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

المغفلون!/ بقلم: سامر العاصي

2019-10-16 09:41:03 AM
المغفلون!/ بقلم: سامر العاصي
د. سامر العاصي

 

إذا قام طرف ما أو شخص ذكي بالتظاهر بالغباء أمام خصمه، فاعلم أن في ذلك مكيدة، وهو ما حصل قبل 150 عاما في ولاية "واي مينج" الأميركية، عندما وصلت برقية إلى الملياردير روتشيلد، من صديقه المليونير الأميركي آيزبري، يعلمه فيها باكتشاف حقل ألماس في تلك الولاية. وعلمت الصحافة بالخبر وانتشر الخبر في أميركا وأوروبا كالنار في الهشيم. وكتبت الصحافة أن المنجم الذي اكتشفه اثنان من الفلاحين البسطاء لا يقدر بثمن. وقرر المليونير السفر فورا للقاء الرجلين وإقناعهما بالمشاركة أو ببيع المنجم، طالبا منهما السماح بإرسال خبير الماس لمعاينة المنجم. ولم يعارض الرجلان ذلك. وبالفعل سافر الفلاحان ومعهما الخبير، متخذين طريقا متعرجا، كي لا يستطيع الخبير تحديد المكان أبدا. وبعد أن نقب وحفر وعثر الخبير على قطع ألماس في ذاك المنجم، عاد الرجال الثلاثة وقد اقتنع أصحاب رؤوس الأموال بضرورة شراء المنجم والخلاص من أصحابه مهما كان الثمن. 

واقترح السيد آيزبري على الرجلين، السفر معه إلى نيويورك لتأسيس شركة كبرى للبحث والتنقيب عن الألماس. وخاف الفلاحان أن يكون في ذلك خدعة، فكيف يمكنهما الوثوق بهؤلاء الأغنياء وأصحاب السلطة والملايين، وهما لا يملكان سوى السر في موقع المنجم!. ولكي يثق الرجلان بالسيد آيزبري، قام الأخير بإعطائهما مبلغ 100 ألف دولار نقدا، إضافة إلى إيداعه مبلغ 300 ألف دولار في حسابهما لدى طرف ثالث.

وسافر البائعون بصحبة المشتري إلى نيويورك، وانشغل الفلاحان بالتنزه في شوارع وحدائق نيويورك، وعلامات الذهول تشع من أعينهما أينما ذهبوا. وقبل أن يتم إبرام عقد تأسيس الشركة التي قيد رأسمالها ب 10 ملايين دولار، اشترط المساهمون للمرة الأخيرة أن يذهب خبير آخر لمعاينة المنجم. وسافر الفلاحان والخبير الجديد إلى الموقع بعد أن سلكا الكثير من الأودية والطرق الالتفافية حوله. وعاد الخبير لزبائنه بتقرير يدعم عملية الشراء والاستثمار. وبدأ أصحاب رؤوس الأموال باستخدام كل الحيل التجارية والوسائل الدبلوماسية وغير الدبلوماسية، والضغط على الفلاحين الساذجين ببيع حصصهما بمليون دولار، وهو مبلغ هائل في تلك السنيين. وفي النهاية رضخ الاثنان وقبضا المبلغ عدا ونقدا، ثم انصرف كل إلى سبيله.

وتأسست الشركة، وتم تعيين مجلس الإدارة ورؤساء الأقسام والأجهزة والمدراء والمدراء العامين والموظفين، بعد أن اشترت الآف المعدات ووسائل النقل والبحث والتنقيب، وافتتحت المكاتب في كل من نيويورك وسان فرانسيسكو، ولوس أنجلوس، وصار الاعتقاد بأن الشركة سوف تجلب السعادة والراحة لكل المساهمين والعاملين. وبعد أشهر ليست بالطوال، اكتشف الجميع أن الفلاحين الساذجين ما هما إلا نصابان بارعان، استطاعا شراء ذمم كل الخبراء والصحفيين، وأن الأمر كله كان خدعة كبرى، لم تنجح إلا بعد أن انطلت الفكرة أن الرجلين مغفلان وساذجان.

ترى، هل كان خصمنا في مباحثات أوسلو، قبل 26 عاما، مغفلا وساذجا، أم أننا كنا نبحث عن منجم كملجأ؟