لا يخفي مأمون الجاسر، عضو الهيئة الإدارية لجمعية النخيل سابقا، أنه وصل لحالة من اليأس فيما يتعلق بجدية الجهات الرسمية في محاربة ظاهرة تهريب تمور المستوطنات إلى السوق الفلسطيني وتصديرها كذلك إلى الخارج على أنها فلسطينية المنشأ، وذلك لأنه أصبح على قناعة أن القضية ليست بالبساطة التي يتوقع.
يقول الجاسر في مقابلة مع الحدث إنه "خلال ثلاث سنوات وأنا رأس حربة في موضوع محاربة تهريب التمور، ووصل الأمر إلى حد التهديد، لكنني اصطدمت في النهاية بالتجار والأجهزة الأمنية ووزير الزراعة.. أنا لا أستطيع محاربة دولة كاملة، والقائمون على التهريب هم مافيا مقتدرة تحميها إسرائيل".
وأضاف: "القضية ليست بالجديدة ونحن نعاني منذ أول نخلة زرعت.. اليوم وصل حجم الإنتاج الفلسطيني من التمور إلى 15 ألف طن، وهذه كمية لا يمكن تسويقها بسهولة، والسؤال: لماذا نحاول تسويق تمور المستوطنات على أنها منتجات فلسطينية ونحن غير قادرين على تصدير تمورنا؟!.
ووفقا للعضو السابق في الهيئة الإدارية لجمعية النخيل، فإن "المافيا" التي تقوم بتهريب التمور مقتدرة ماليا وتقوم برشوة بعض الجهات بالإضافة إلى أنها متنفذة، مشيرا إلى أنه في إحدى المرات ضبط الأمن الوقائي شحنة خلال خروجها من إحدى المستوطنات، ولكن بعد أسبوعين تم الإفراج عنها "بهمة الأجاويد" على حد تعبيره. لافتا إلى أن هذه الشحنة تعود لمزارع يدّعي أنه من المدافعين والمقاتلين ضد تهريب تمور المستوطنات.
وأكد الجاسر على أنه سلم العام الماضي فيديوهات من داخل مصانع إسرائيلية خلال تبديل كراتين التمور لعدة جهات رسمية. وتابع: "في اجتماع مع الأجهزة الأمنية طالبناهم بحماية قطاع النخيل، ولكنني تفاجأت باتصال في اليوم التالي يفيد بأن الأجهزة الأمنية بدأت بالبحث والتحري عني بدل أن تبحث وتتحرى عن مهربي تمور المستوطنات".
وأشار إلى هناك شبهات تدور حول عمل مصانع فلسطينية بالشراكة مع الإسرائيليين في قطاع التمور.
تواصلنا مع مديرية زراعة أريحا لسؤالها حول جدية عمل الوزارة في محاربة تهريب تمور المستوطنات، والتي أكدت أنه "بشكل عام لا يوجد أي قطاع يخلو من التهريب. في قطاع التمور نحن نتحدث عن مزارع فلسطينية موجودة بجانب مزارع إسرائيلية وشركات فلسطينية موجودة بجانب شركات إسرائيلية، ونحن نحاول قدر الإمكان وضمن الإمكانات المتاحة لدينا، بالتعاون مع الأجهزة الأمنية والضابطة الجمركية والأجهزة الرقابية والخروج بجولات مشتركة لزيارة الشركات والمزارعين ونحاول حماية مزارعينا قدر الإمكان، المزارع نفسه يأتي أحيانا ويتذمر من أنه لم يبع شيئا من التمور بحجة وجود التهريب، مع العلم أن من يقوم بالتهريب هم مزارعون".
وتابعت: "نبذل جهودنا ضمن الإمكانات المتاحة، وأي خلل من أشخاص يتم تحويل المخالفة إلى النيابة العامة ويتم اتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم".
وحول طبيعة المخالفات التي يتم التحويل على أساسها للنيابة، قالت إن "هناك ما يسمى تصريح نقل المنتجات الزراعية وهو تصريح يثبت أن المنتج محلي وكل مزارع ينقل من مكان لآخر أو من محافظة لأخرى يجب أن يحمل هذا التصريح كوثيقة، فأي حمولة نضبطها ولم تكن تحمل هذا التصريح نعتبرها بضاعة مجهولة المصدر، يتم عمل محضر ضبط وتحويل ملفها إلى النيابة العامة".
وشددت على أنه "في حال رأينا وصورنا شاحنة وأثبتنا 100% أن هذه البضائع من المستوطنات يتم فورا تحويلها إلى القضاء ولكنها تأخذ مجرى مختلفا حسب قانون منتجات المستوطنات الذي عليه عقوبة أعلى، ويتم إتلاف المضبوطات، وما يتم ضبطه سنويا في محاضر الضبط يقارب من 50 إلى 100 طن سنويا (شامل البضائع غير الصالحة للاستهلاك)".
لكن هذه الإجراءات التي تحدثت عنها مديرية الزراعة في أريحا لحماية المزارع والمنتج الفلسطيني، لم تمنع ضيفنا صاحب البدلة السوداء من نقلنا إلى أكثر من مكان حتى يتأكد من مدى قوة "الإجراءات الأمنية" التي اتخذها قبل أن يتخذ قرارا نهائيا بالحديث عن الملاحقة والتهديد الذي تعرض له وعائلته، وصل حد التهديد بالقتل. تأكد بنفسه من أننا أوقفنا الكاميرا وأن أحدا لن يعرف اسمه مع السماح لنا بنشر فحوى حديثه. الحديث هنا لا يدور عن مطارد لقوات الاحتلال ولا مجرم فار من العدالة، بل عن مزارع تمور فلسطيني يعتقد بأن صوت المستوطنة بات أعلى من صوته في وقت يدّعي فيه الجميع إعلان الحرب على المستوطنة.
يقول المزارع الذي فضل عدم الكشف عن اسمه الحقيقي بعد كم التهديد الذي تعرض له، إن هناك شركات وتجار "بدون أدنى حس وطني" يقومون بمساعدة المستوطنين في تصدير بضاعتهم للخارج، بعدما تعرضت هذه البضاعة للمقاطعة، مضيفا "أن التصدير بشهادة منشأ فلسطينية بدأ حتى قبل بدء موسم القطف عندنا، وهو ما سيضعف قدراتنا على التصدير ويضعف كذلك المنتج الفلسطيني بكل الأحوال".
وكشف أن هناك شركات فلسطينية في شراكة واتفاقيات مع شركات إسرائيلية مهتمة بتسويق منتجات المستوطنات، حيث إن الشركات الإسرائيلية تقوم بشراء كميات من المنتج الفلسطيني من بعض الشركات الفلسطينية ضمن اتفاقيات تعاون أو شراكة في بعض الأحيان، وذلك للتغطية على كميات أخرى من تمور المستوطنات يتم تسويقها إلى جانب المنتج الفلسطيني، متسائلا: هل يعقل أن شركات المستوطنات تريد أن تدعم اقتصادنا وقطاع التمور لدينا؟.
حصلنا في صحيفة الحدث على وثيقة اتفاقية موقعة بتاريخ 13.8.2017 بين شركتي مهدرين الإسرائيلية وشركة "قطاف للاستثمارات والتسويق الزراعي"، وكذلك ملحق اتفاقية موقع في تاريخ 23.8.2018. الاتفاقية تقوم بالأساس على دفع شركة مهدرين لـ 220 ألف يورو مقابل تعهد من قطاف بتزويدها بتمور فلسطينية المنشأ، على أن تشرف مهدرين على الأساليب المستخدمة في الزراعة وإدارة المزارع من ناحية زراعية، على أن يكون التسويق فقط من خلال الشركة الإسرائيلية.
توجهنا إلى مدير عام شركة قطاف، معين اشتية، وسألناه عن حقيقة هذه الاتفاقية، فرد قائلا: "نحن لا نعمل مع شركة إسرائيلية. نحن نعمل مع شركة مهدارين التي مقرها في فرنسا، كشركة عالمية، ونحن لا نتعامل إلا مع شركات عالمية".
ولكن ما الداعي أن تكتب باللغة العبرية إذا كانت الشركة فرنسية ومديرها عربي مغربي كما يقول اشتية. على هذا التساؤل رد بالقول إن "الاتفاقية كانت باللغة الفرنسية ولكننا ترجمناها للعبرية لأنه أسهل للفهم وترجمناها فيما بعد للعربية والإنجليزية".
مدير العلاقات العامة والإعلام في قطاف، توفيق الكيلاني، قال لـ"الحدث": "نحن نقاطع البضائع الإسرائيلية وبضائع المستوطنات 100% وشركة مهدارين انترناشيونال هي شركة فرنسية موجودة في فرنسا، ونصدر لها بموجب شهادات يورو ون فلسطيني وشهادات زراعية صحية".
وبالعودة إلى مأمون الجاسر عضو الهيئة الإدارية لجمعية النخيل سابقا، فقد أكد لنا أنه من الخطأ التركيز على شركة دون أخرى، مشيرا إلى أن عدة شركات متورطة في الأمور من بينها سنقرط للمنتوجات الغذائية وكذلك شركة حصاد فلسطين للاستثمار والتسويق الزراعي.
بدوره رفض مازن سنقرط الاتهامات الموجهة لشركته، قائلا إن الشركة ملتزمة أخلاقيا ووطنيا بكل المعايير الوطنية، مشددا على أنه هو من اقترح وطالب بتطبيق قانون المستوطنات، والذي يتضمن تأكيدا على ضرورة مقاطعة منتجات المستوطنات ومعاقبة من يتورط في تسويقها.
وأضاف في اتصال مع الحدث أن أجهزة أمن السلطة تتابع الشركات والأشخاص المتهمين بتهريب تمور المستوطنات، وبالنسبة لشركة سنقرط فهي معروفة لدى الأجهزة الأمنية والجهات الرسمية بمقاطعتها لبضائع المستوطنات واعتمادها على المنتجات الفلسطينية فقط.
وأكد سنقرط على أن شركته تمتلك من الأوراق ما يثبت عدم تورطها في عمليات التهريب، وعلى شهادات وأوراق ثبوتية من وزارة الزراعة وغيرها من الوزارات. مضيفا: "نحن لا نقبل أن يشكك أحد في أخلاقياتنا، ونحن نوجه الناس في موضوع مقاطعة منتجات المستوطنات".
ورفضت أيضا شركة حصاد على لسان مديرها العام نبيل عبد الرازق الاتهامات الموجهة لها، قائلا: تعمل حصاد مع وزارة الزراعة وحماية المستهلك وجمعية مزارعي النخيل واتحاد الصناعات الغذائية وبقية الجهات المختصة من أجل دعم المنتج الفلسطيني ومن أجل سد الطريق على أية محاولات لإدخال تمور المستوطنات وغيرها تحت شهادة المنشأ الفلسطينية، وقدمت الشركة اقتراحات إلى وزارة الزراعة من أجل إغلاق الباب أمام أية محاولات من هذا القبيل".
وأضاف عبد الرازق لـلحدث، أن المعركة التي يخوضها مزارعو النخيل في فلسطين من خلال جمعية مزارعي النخيل ومجلس التمور ووزارة الزراعة لحماية قطاع النخيل، هي معركة حاسمة وشركة حصاد في قلب هذة المعركة مع كل الجهات الحريصة على المنتج الوطني، "وبدون شك، إن محاولات الزج بأسماء شركات وطنية هي محاولات فاشلة ومفضوحة؛ لأن الأطراف المتورطة معروفة للجهات الرسمية وبدون شك سيبين التحقيق حقيقة هذا الأمر".
تحت تصنيفين أساسين تقع مجموعة من الشركات الإسرائيلية المرتبطة بالمستوطنات الموجودة في الضفة الغربية ولا تتواجد فيها. مجموعة تربطها علاقة مباشرة واضحة مع هذه المستوطنات، وهي شركات تتحرك بأيديولوجية سياسية تغلب على أهدافها الاقتصادية والاستثمارية وهي عرضة للمقاطعة، وشركات أخرى تتعامل على أساس رأسمالي ولكن بجوهر أيديولوجي سياسي، فهي من جهة تقوم بالتشويش على مصدر المنتج حتى لا يقع في دائرة المقاطعة وحتى تتمكن من تسويقه، ومن جهة أخرى تتخذ من عواصم أوروبية مقرا لها، وبكل الأحوال تدعم بكل قوة منتجات المستوطنات بمنطلقات سياسية أيديولوجية.
المجموعة الثانية من الشركات حسب التصنيف، تحاول من خلال عدة طرق إخفاء علاقة المنتج بالمستوطنات، فمثلا تعمل شركة "أدما" على تسويق منتجات شركة "أحدوت" المقامة على أراضي سلفيت، والمتخصصة في إنتاج الطحينية، ويتم إخفاء مكان الإنتاج ولا يظهر على المنتجات. المثال الآخر، شركة "شوفرسال" حيث تقوم بتسويق منتجات شركة "Mia Food Products" المقامة على أراضي المواطنين في القدس بالقرب من مستوطنة معاليه أدوميم، ويكتب فقط على علبة الحمص من فئة كيلو غرام "حمص كبير ذو جودة عالية تنتجه شركة Mia Food Products لصالح شركة Shufersal Ltd" بدون الإشارة إلى مكان تصنيع المنتج (المنشأ).
وعلى رأس قائمة الشركات الإسرائيلية التي تقوم بتسويق منتجات المستوطنات بطرق خفية، تتربع شركة "مهدرين" كواحدة من أهم الشركات التي تلعب دوراً هاماً في تسويق المنتجات الزراعية من المستوطنات، ولا سيما من غور الأردن، وغالباً ما تخفي المنشأ. وبحسب الموقع الإلكتروني للشركة، فإن الشركة تمتلك أكثر من 5000 هكتار من الأراضي الزراعية، وتعتبر أكبر مصدر للحمضيات في "إسرائيل" بالإضافة إلى الفواكه والخضروات الأخرى. وتبلغ مبيعات الشركة السنوية حوالي 300 مليون دولار، وحصتها من تصدير المنتجات الزراعية الإسرائيلية أكثر من 70 ٪.
في أبريل 2014، أعلنت شبكة التسويق البريطانية "كوب أب"، التي تعتبر واحدة من أكبر خمس شركات للتجارة والتسويق في بريطانيا، عن توسيع دائرة ونطاق المقاطعة لمنتجات المستوطنات الإسرائيلية، مع الإشارة إلى أنها كانت قد اتخذت قرارات مقاطعة بحق عدد من الشركات الإسرائيلية قبل هذا التاريخ. لكن القرار الجديد شمل مقاطعة أربع شركات إسرائيلية مهمة، وهي: "أجريسكو"، "العرباة للتسويق الزراعي"، "مهدرين" و"عادا فريش".
لكن "مهدرين" اتخذت طريقا أكثر ذكاء من نظيراتها الإسرائيليات، خاصة فيما يتعلق بتصدير التمور، وبدل أن تقوم بإخفاء المنشأ خاصة وأنه اسمها أصبح مرتبطا بمنتجات المستوطنات؛ ذهبت باتجاه تصدير تمور المستوطنات من خلال شركات فلسطينية، وهو ما يعني أن الشركة استطاعت أن تفك عن نفسها الطوق من خلال فلسطينيين، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
تواصلنا مرة أخرى مع المزارع المهدد، والذي طلب منا أن لا نتحدث بمزيد من التفاصيل عبر الهاتف، لأنه معتقد بما فيه الكفاية أنه واتصالاته مراقبون، فسألناه عن قوة هذه الجهات التي تمارس التهديدات بحق مزارعي التمور، فردّ غاضبا بالقول: "مدعومين يا عمي.. بصراحة إحنا بنواجه صعوبة شديدة في الكشف عن هذه القضية.. هناك من هو مستفيد من هذه الظاهرة".
يتخيل لك خلال المقابلة أن مزارعي التمور في فلسطين يعلمون تحت ظروف تشبه الظروف التي يمر بها الملاحقون من المافيا. وهنا كان من المنطقي السؤال عن دور الجهات الأمنية والمؤسسات الرسمية في حماية المزارعين والحد من هذه الظاهرة ومحاربتها، فكان رد المزراع: "ما حدا سائل.. ما في جدية بالتعاطي".
التقينا مزارعا آخر رفض الكشف عن هويته، في مكان عام في رام الله، لم يأخذنا الأخير إلى أكثر من مكان ولم نلاحظ عليه اتخاذه لذات الإجراءات التي اتخذها سلفه. لكنه كان مهووسا في نوع آخر من الحذر. خلال المقابلة، حملت علبة سجائر حديدية وقعت تحت نظري وبدأت أحاول فتحها فضولا. أثارت المحاولة غضبه معاتبا: "أنا عندي حس أمني.. لا يمكن أن يحدث ذلك، لقد طلبت عدم التصوير". لكنه تفاجأ جدا عندما اكتشف أنها ليست أكثر من علبة سجائر، فيا ترى ما الذي يجبر المزارعين على كل هذا الحس الأمني؟
يقول إن بعض الشركات الفلسطينية تدّعي أنها تقوم بشراء التمور من مزارعين فلسطينيين صغار، لكن في الحقيقة تتم عملية الشراء من المزارعين الصغار للتغطية على الكميات الكبيرة التي يتم تصديرها من تمور المستوطنات من خلال هذه الشركات بشهادة منشأ فلسطينية. مؤكدا أن "تمور المستوطنات لا تقارن بالتمور الفلسطينية بسبب اعتمادها على مياه المجاري المكررة، وعندما يتم تصدير تمور المستوطنات على أنها تمور فلسطينية، فإن هذا من شأنه أن يسيء إلى سمعة التمور الفلسطينية بالإضافة لإضعاف التسويق الفلسطيني إلى الخارج".
خلال عملنا على هذا التحقيق. أثار رجل الأعمال الفلسطيني ومزارع التمور، سمير حليلة، قضية تمور المستوطنات من خلال منشور كتبه على صفحته على الفيسبوك: "على الرغم من الإجماع الفلسطيني والدولي على مقاطعة بضائع المستوطنات ودعم الشعارات والمواقف الحكومية للمزارع في هذا المجال.. يأتي هذا الموسم لنكتشف أن آلاف الأطنان من التمر الإسرائيلي تأخذ شهادة منشأ فلسطينية. إذ يتم تعبئة وتغليف التمر من إنتاج المستوطنات في مصانع فلسطينية قبل بدء الموسم الزراعي الفلسطيني… بل ولنتفاجأ أيضا أن هناك عددا هاما من الفلسطينيين الرسميين العاملين في أجهزة السلطة الرقابية والإشرافية، هم شركاء مستفيدون من هذه العملية المدمرة لاقتصادنا الوطني".
وقال حليلة في مقابلة مع الحدث، إن بعض مصانع تعبئة التمور غير موجودة، ويتم تعبئة التمور بأسماء عربية في مصانع إسرائيلية بشهادة منشأ فلسطينية، ويكون الفلسطيني في هذه الحالة وسيطا في تسويق تمور المستوطنات، مؤكدا أن وزارة الاقتصاد والضابطة الجمركية يستطيعون التحقق من حقيقة أسماء هذه المصانع وترخيصها".
وأشار حليلة إلى تخوف بعض المزارعين من طرح الموضوع، مؤكدا على ضرورة أن تقوم الحكومة بدورها في معالجة القضية، مشددا على أن الذين يقومون بـ"تبييض تمور المستوطنات" سيصبحون هم الأقوى ما دامت الإجراءات الفلسطينية في هذا الاتجاه ضعيفة.
توجهنا إلى إبراهيم عياش مدير العلاقات العامة والإعلام في جهاز الضابطة الجمركية، والذي أكد بدوره عدم يوجد أي تهاون في موضوع ضبط التمور المهربة من المستوطنات. مضيفا "أي معلومة تصلنا نتحرك ونتعامل معها فورا، وطواقمنا أحيانا تتعرض للخطر خاصة بسبب مواجهتنا لبعض الصعوبات في العمل بسبب كبر مساحة منطقة أريحا التي تكثر فيها منتجات التمور".
ولكن عياش أشار إلى أن "لا أحد حول العالم قادر على ضبط التهريب بشكل تام ومطلق ولكننا نحاول السيطرة على هذه الآفة والتعامل معها ولكننا بحاجة للشراكة مع هؤلاء المزارعين والتجار ونحن مستعدون للتعامل معهم".
لفت انتباهنا أن كثيرا من التمور الموجودة في الأسواق معبئة في بلدة الرام القريبة من القدس في مصنع "تمور الرحمن". توجهنا إلى هناك وسألنا عن المصنع. قالوا لنا إن المصنع هو عبارة عن بيت لا يتواجد فيه صاحبه بالعادة وهو مغلق في العادة ولكن يتم فتحه فقط عندما تجري عملية بيع. اشترينا علبة مكتوب عليها "تمور الرحمن" واتصلنا بأرقام المصنع المفترض. على واحد من الأرقام ردت فتاة باللغة العبرية وقالت إنها لا تجيد اللغة العربية. حاولنا التواصل مع مسؤول في المصنع لسؤاله عن حقيقة عدم وجود مصنع تعبئة بهذا الاسم وماذا تعمل موظفة إسرائيلية لا تجيد اللغة العربية في مصنع يفترض أنه في منطقة الرام، ولكن لم نتلق ردا.
شركة صالح خلف للعطارة والبهارات ومقرها رام الله، واحدة من الشركات التي تتعامل مع "تمور الرحمن"، ومن أكثر مسوقي هذا التمر؛ حيث إن علب التمر التي تحمل اسم شركة خلف، تحمل كذلك إشارة بأن التعبئة كانت في مصنع "تمور الرحمن".. تواصلنا مع المدير العام للشركة إياد خلف ولكنه رفض الحديث عن كل ما يتعلق بالشركة، مؤكدا أنه يرفض الحديث للإعلام.
تواصلنا مع مراقب الشركات في وزارة الاقتصاد طارق المصري، معقبا بأنه لا يملك أي فكرة حول هذا المصنع وسيقوم بفحص الأمر، وعد بالرد بعد فحص الأمر وحددنا معه موعدا للرد. ومن ثم حاولنا التواصل معه في الموعد لكنه لم يرد.
إن كم الملاحظات المنتظمة فيما يتعلق بقطاع التمور، والسلوك الإسرائيلي تجاه قطاع التمور الفلسطيني، يكشف أن "إسرائيل" تعمل ضمن خطة ممنهجة لإضعاف هذا القطاع الفلسطيني الناشئ. وتتمثل الخطة الإسرائيلية في السيطرة على الأراضي الفلسطينية ومنع استخدام المياه، ومنح المستوطنين امتيازات مهمة فيما يتعلق بزراعة التمور، بالإضافة إلى سعي الشركات الإسرائيلية وخاصة "مهدرين" إلى الحفاظ على السيطرة على السوق العالمية وعدم السماح للشركات الفلسطينية بأخذ دورها في الأسواق العالمية، من خلال استكمال السيطرة على السوق واستخدام شهادات منشأ فلسطينية لتجاوز مسألة المقاطعة. كما وتقوم الشركات الإسرائيلية ببيع تمور المستوطنات ذات الجودة السيئة على أنها فلسطينية المنشأ ما يؤدي لضرب سمعة التمور الفلسطينية في الأسواق العالمية.
وعلمت الحدث من مصادر خاصة أن هيئة مكافحة الفساد بدأت يوم الأربعاء 9.10.2019 تحقيقا في قضية "تمور المستوطنات"، وحتى الانتهاء من التحقيقات تبقى الأسئلة الأكثر أهمية تدور في فلك مساءلة الجهات والمؤسسات التي كان يجب وما زال يجب أن تضبط هذه الحالة.