الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

حوار مع الروائية المصرية سهيرالمصادفة

حوار / محمد القذافي

2019-10-21 11:38:15 AM
حوار مع الروائية المصرية سهيرالمصادفة
الروائية المصرية سهيرالمصادفة

الحدث الثقافي

الرواية هي فن السرد الأكثر انتشارا اليوم والأكبر جماهيرية؛ سواء في سوق الكتاب أوفي الإعلام بكل وسائله ومع سيادة الرواية في ا لسوق والمكتبات ظهرت أسماء عديدة على المستوى العربي والدولي،تميزت بأعمال روائية جديدة لها لمستها وخصوصيتها في التجربة وفي الطرح ومن هذه الأسماء الروائية

المصرية سهير المصادفة صدر لها مجموعة أعمال روائية كان آخرها " لعنة ميت"  توجهنا للحديث معها في حوار يكشف عن أهم قضايا الكتابة وحساسية تعاملا لكاتب مع مشاريعها الإبداعية ..بدأنا الحديث عن النشأة الأولى لها فقالت .

كانت النشأة الأولى في أسرة من الأسر المصرية التي كافحت طويلا لتعلم بناتها، كنت محظوظة بأب مستنير، صوفي وقارئ عظيم للتراث وأم غير متعلمة، ولكنها كانت تريد تحقيق أحلامها بأن تتعلم بناتها وتستقل ماديا وترى العالم ..

الموهبة كيف ظهرت وتشكلت؟

ـــ بالقراءة المبكرة، والتفوق الدراسي بمحبة الشعر في المدرسة الإعدادية، كانت المدرسة آنذاك وحتى أوائل الثمانينات تهتم بالفنون والمكتبة المدرسية، أتذكر أنني حلمت أن أتعلم بيانو وأغني، ثم اكتشفت أنني يأخذني كتابٌ لأغيب عن العالم وكل ما فيه، وأنني بالفعل أسمع موسيقى خاصة جدًّا بين السطور، ثم أصبحت أعزف بالكلمات موسيقاي الخاصة، كتبت الشعر في سن مبكرة وألقيته في الإذاعة المدرسية، ثم اكتشفت واكتشف مَن حولي أنني أبدل في نهايات الحكايات التي تُحكى لي أو الأفلام أو أؤلف أنا الحواديت قائلة إنني سمعتها هكذا وأندهش عندما تعجب أقراني الأطفال أو التلميذات فيما بعد، ثم بدأت من لحظتها أكتب بدون توقف.

فيما تتمثل هوية الكتابة عندك؟ في اللغة أو المكان...؟

ـــ كلاهما، اللغة والمكان، روايتي الجديدة التي أراجعها وسأدفع بها للنشر الشهر القادم تجيب عن هذا السؤال الذي أرقني أيضًا قبل كتابة "لعنة ميت رهينة". اللغة والمكان مرتبطان لتشكيل الهوية بطريقة تذهل المرء، تدور رأسي عندما أفكر في لغات الكرة الأرضية، لغات بلدانها، ثم لغات مناطقها المحلية النائية الدارجة، حاولت كل الدول قديمًا وحديثًّا الاكتفاء بالمكان كمحدد للهوية، حيث إن اللغات يسهل تعلمها، ولكن ظلت الحيرة تخيم على هذه المحاولات، مثلًا محاولة تذويب أمريكا لكل جنسيات الأرض في هوية جديدة، نعم، نجحت، ولكنك وأنت في أمريكا ستجد لغة الأفارقة الإنجليزية وإشاراتهم مختلفة تمامًا عن لغة البولنديين أو الجالية العربية، ولحظتها سيتبادر إلى ذهنك فورًا سؤال الهوية، وهل هم بالفعل أمريكان؟ أم أن هويتهم الأصلية تبحث عن مكانها لتنتفي هذه الحيرة؟!

يقول يوسف ادريس "توفيق الكاتب الحقيقي هو في قدرته على أن يجعل القارئ يرى المكان ويتجول فيه" ما هي نسبة حضور المكان في نصك؟

ــ المكان أساسي في نصوصي، حتى أنه هو البطل الرئيس في روايتي الخامسة: "لعنة ميت رهينة"، والكاتب العظيم "يوسف إدريس" محق، وأضيف أن الكاتب الحقيقي عليه أيضًا أن يخلق شخوصًا حقيقية تتجول مع القارئ في هذا المكان، وأحداثًا تجعله يلهث خلف مصائر أبطالها حتى النهاية.

روايتك "لعنة ميت رهينة ” التي صدرت مؤخراً تدور أحداثها على أرض كانت أوَّل عاصمة في مصر القديمة بعد وحدة الشمال والجنوب. هل هي عودة لتاريخ منسي أم هو نبش في أسرار التاريخ؟

ـــ  لا، الرواية هربت من فخ أن تكون رواية تاريخية كما كتبوا عنها، زمن "لعنة ميت رهينة" يدور في اللحظة المعاصرة من تاريخ مصر، ولأنها رواية أجيال فقد امتدت الأحداث منذ سبعينيات القرن العشرين وحتى عام 2017، حضرت قرية "ميت رهينة" الأثرية في الرواية كبطل لسُكانها الحائرين بين لحظتهم الحاضرة المشوشة وماضيهم الذهبي الأسطوري الذي يحاولون دائمًا سرقة آثاره، فيقعون في فوهة الزمان اللامحدد...

امتداد التاريخ في الحاضر ماذا يضيف؟

ـــ تكون عقدة الرواية أحيانًا أن التاريخ غير ممتد في الحاضر، ففي مصر مثلًا أو اليونان، كأصحاب حضارات عريقة ومدهشة حدث انقطاع في امتداد التاريخ، وتعثرت كلاهما الآن في اللحظة المعاصرة، مثلًا أنظر إلى مصر صاحبة معجزة الهرم الأكبر الهندسية، وانظر إلى عماراتها الآن! أتأمل منحوتاتها الحضارية مثل رمسيس الأوّل وأقارنه على الرغم مني بميادينها الراهنة، في "لعنة ميت رهينة" يريدون نهب تراث أجدادهم، وهم يتساءلون مثلي تمامًا: لماذا لم نكن امتدادًا لهذا الجمال؟!

الرواية من حكاية تتشكل في خيال الكاتب إلى حياة كاملة على الورق...بينها يعيش الكاتب حياة أخرى بتفاصيلها الخاصة أثناء هذه الرحلة ولا تظهر للقارئ..؟

ــ نعم، وتتأثر حياته الخاصة بهذه الرحلة كثيرًا، فلكي يحافظ على هذه الحدود الصارمة هو يشبه كثيرًا مريض السوزفيرينيا، حيث تعيش روحه حياتين بكل ما تعني الكلمة من معانٍ، أتذكر أنني وأنا أكتب روايتي: "رحلة الضباع"، وأثناء كتابة جزء تقع أحداثه في القرن الأوَّل الهجري، كنت أعاني من تذكر في أي الأيام نحن الآن، وظللت أسأل هذا السؤال كل يوم، وكانوا يذكرونني بالتاريخ حتى أوقع على بعض العقود أو الأوراق...

أدق أو أصعب سر في حياتك هل يمكن أن تبوحي به في عمل روائي؟

ــ ما زلت أصدق كثيرًا الشاعر الروسي الكبير رسول حمزاتوف حين قال: "إذا لم نر المؤلف في أثره الأدبي فكأننا نرى حصانًا يعدو دون فارس"، نعم ظلال حياتي في أعمالي الإبداعية، ولكن ليست حياتي نفسها، وأظن أن الروايات التي قرأتها مؤخرًا وكانت معنية بفضح حيوات أصحابها السرّية لم تكن جيدة ولم تعجبني، فحياة الكُتاب إذا لم تكن صالحة للكتابة لفقر أحداثها تكون بالفعل كارثية، أظن أيضا أن الرواية أكبر من مجموعة أسرار أو بوح أو حتى عدد من الحكايات، الرواية خلق عالم كامل موازي لهذا العالم.

"وسيركز السرد على تألق الجسد وقياماته المتكررة وعذاباته المشبعة بالمتعة والأنين، بالاطمئنان والقلق، بما يشبه الحب الصاعد إلى حدود الذوبان فى المحبوب، وإلى حدود أخرى تهبط به إلى حالة الاستغناء عنه،" هذا مايقوله أمجد محمد سعيد في قراءته لرواية لهو الأبالسة..الى أي حد يكون الجسد موضوع بحث أو رحلة؟

ـــ الجسد هو الموضوع وهو الرحلة وهو مفجر الأحداث لأنه ببساطة هو مرآة الروح الوحيدة التي نعرف أثناء حياتنا، بالجسد نكتب ونصلي ونحب ونكره ونثور ونحارب ونعاني إذا ما فقدنا منه ساقًا أو ذراعًا أثناء حروبنا، الجسد أيضا التجلي الأكثر وضوحًا للنفس البشرية الشائكة والمركبة والمعقدة والغامضة، في بعض الثقافات ومنها بعض الثقافات الشرقية يتم تحقير الجسد وإهانته في سبيل الإعلاء من الروح، وفي بعضها الآخر يتم الاحتفاء بالجسد والصعود به إلى مراتب عليا بناء على فكرة أنه هو السكن الوحيد للروح ولن تسكن الروح سواه، وهذه الثقافات والتجليات المتنوعة للتعامل مع الجسد تظهر كلها في رواياتي.

"ويتألق السرد هنا عبر لغة رمزية مفتوحة، مشحونة باستخدامات بلاغية رفيعة المستوى. إن هذه المقاطع القصيرة أشبه ما تكون بمقاطع لقصيدة متتابعة تكون البطلة الأنثى "مها السويفي" هي الشخصية المعنية بها" كيف تنظرين للغة الرواية..؟ عبر كل عمل جديد..؟ أو المكان من يفرض لغته بزمنه وشخوصه ووو؟

ــ كل رواية تفرض عليّ أسلوبها بناء على مكانها وزمانها وشخوصها، اللغة جزء لا يتجزأ من الأسلوب والأجواء، وفضاء الرواية يقترح اللغة،أظل أتأمل أوّل جملة من عملي الجديد طويلا، أهرب منها وأحاول إعادة كتابتها بأكثر من طريقة، ولكنني في النهاية أرضخ لسطوتها حين أعرف أنها مفتاح الرواية وملهمتي، وأنه لا سبيل إلى تغييرها، هذه الجملة / المفتاح تفرض لغة الرواية كلها فيما بعد

هل يعطل الرقيب الذاتي عملية الإبداع عند المبدع؟

ــبالنسبة إليَّ، لا أظن، فأنا اعتدت الصراع مع هذا الرقيب منذ سن مبكرة، نعم كنت أخفي أوراقي لأكتب بحرية كاملة، ونعم تعذبت كثيرًا وأنا أعيش في زحام عائلة كبيرة، ولكنني كنت أنجح، كانت عائلتي عادة تفاجأ بأعمالي مطبوعة، لم يكن أمامي وسيلة أخرى، ولكن وبعد نشر روايتي الأولى: "لهو الأبالسة"، واجهني أبي بعد قراءتها بدهشة حقيقية: "أنتِ الهادئة الخجول يخرج منكِ كل ذلك"؟ ولكنني لمحت أيضًا على وجهه ابتسامة فخر يحاول إخفاءها، ومن يومها وأنا أحاول التملص من الرقيب الداخلي بالطريقة نفسها.

ما هي مساحة الإجابات والبدائل المطروحة لما هو سائد وموجود في الواقع أمامّ كم من الأسئلة في الرواية؟

ـــــ بدائل الواقع وإجاباته ليس من المفترض أن تجيب عن أسئلة الرواية، فالرواية بذاتها عالم مخلوق قد يكون بطينة الواقع ولكنه مختلف عنه وسابق له، الروايات الكبرى الجيدة هي التي تلهم الواقع وليس العكس، هي التي تفتح له آفاقًا ليفكر ويتحرك بطريقة مختلفة وبشكل أسرع، عندما نتأمل المنجز الروائي المكتوب عن فترة الأبارتيد، نندهش أنه لم ينطلق من أسئلة الواقع ولا من إمكانية طرح الواقع لبدائل، وإنما انطلق في معظمه من حقيقة أن الزنوج بشر ولديهم مشاعر وبواطن عبقرية ربما تفوق العرق الأبيض الذي يتاجر فيهم بيعًا وشراء، كان الواقع يطرح الأمر كأحد المستحيلات السبع، فالاقتصاد والبنية الاجتماعية آنذاك ورأي أكثرية من العبيد أنفسهم لا توافق على هذا التحرر حيث إنهم لم يعرفوا حياة سوى الحياة التي عاشوها، ولكن الأدب والفلسفة اقترحوا بدائل وأوصلوها إلى أن يحكم أمريكا نفسها رئيسًا من أصل إفريقي، وقد كان...

هاجس البحث عن هوية الرواية التي يكتبها كُتاب عرب كيف ترينه؟

ــــ معجزة الرواية أن هويتها إنسانية، فلا توجد هوية عربية أو إسبانية أو إنجليزية، بل يوجد أسلوب ومرجعيات سردية كبرى وأسماء تشير إلى موقع أحداث الرواية، والقارئ بعد عدّة سطور ينسى كل شيء عن الأسماء والمرجعيات التي تصير يومًا بعد يوم عالمية ولا تخص هوية بعينها، ويحب شخوص الرواية ويهيأ له أنها تشبهه، فماركيز مثلًا الكاتب الكولومبي يكتشف باحثو ونقاد الأدب أن مرجعيته الأولى في السرد هي الحكايات العربية ألف ليلة وليلة، كما أن شاعر روسيا الأشهر بوشكين نكتشف أنه تأثر كثيرًا بلغة وأسلوب التراث الديني الإسلامي، وتستطيع أن تجد كذلك أصداء كافكا وتشيخوف في عدد غير قليل من القصص القصيرة المصرية والعربية، أظن أن الرواية الجيدة والكبرى هويتها إنسانية.

ما رأيك في هذا الاحتفاء المبالغ فيه بالكم اللامحدود من الإنتاج الروائي الأسبوعي والشهري والنصف سنوي وربما يصبح يوميا بعد هذا؟

ـــ ظاهرة صحية للرواية، ومع ذلك العرب يصدرون أقل عدد ممكن من الروايات سنويًّا، فأقل دولة غربية تصدر روايات أكثر كثيرًا من العالم العربي مجتمعًا، ولكن ولأن الغرب يسبقنا في صناعة الكتاب والصناعات الثقافية بشكل عام، ومنها صناعة شهرة الكاتب بآليات حفلات التوقيع والأكثر مبيعًا والجوائز، فهو منتبه أن تكون صناعته حقيقية وذات جودة عالية، وبناء عليه وكما في ماراثون العداء هو لا يحتفي بالكاتب الكسيح الأقل موهبة ليمنحه الجوائز ويصدره إلى الخارج، بل هي محطات شديدة التعقيد لتصعيد كاتب يستطيعون المراهنة عليه في المشهد الأدبي العالمي، ويدفعون غاليًّا حتى يكون موجودًا ومعبرًا عن صوتهم، وبقية الروايات التي تصدر كل عام تمثل نهر متدفق يجب السير فيه من أجل الوصول، أما نحن فلقد أفسد أداؤنا وفهمنا للأمر هذه الآليات.

 

ما رأيك في الجوائز التي تقدم للرواية بشكل خاص وانتشارها بشكل لافت..؟ ماذا أضافت؟

الجوائز الأدبية مهمة جدًّا للكاتب أولا وللقارئ ثانية، فهي تؤدي في الغرب إلى احتراف الروائي للكتابة، وتفرغه التام لها، كما أنها دليل للقارئ ليتعرف إلى الأهم في الإصدارات الجديدة، بشرط أن تكون هذه الجوائز ذات مصداقية كبرى، وسمعة طيبة، كما أنه من الطبيعي أيضا أن يكون نصيب الجوائز للرواية كبيرا، فهي على أي حال الأغزر إنتاجًا في العالم كله، والأكثر مقرؤية، ولذلك تعتبر جزءًا من صناعة النشر الثقيل.

 

بطاقة / سهير المصادفة

روائية ومترجمة مصرية من أعمالها في الرواية 

مجموعة "هجوم وديع" 1997، الطبعة الأولى: الهيئة المصرية العامة للكتاب.

مجموعة "فتاة تجرب حتفها" 1999، الطبعة الأولى: دار المسار بالشارقة.

رواية "لهو الأبالسة" 2003، الطبعة الأولى: دار ميريت للنشر والمعلومات.

رواية "ميس إيجيبت" 2008، الطبعة الأولى: دار الدار للنشر والتوزيع.

رواية "رحلة الضباع" 2013، الطبعة الأولى: المجلس الأعلى للثقافة.

رواية "بياض ساخن" 2015، الطبعة الأولى: الدار المصرية اللبنانية.

رواية "لعنة ميت رهينة" 2017، الطبعة الأولى: الدار المصرية اللبنانية.

العديد من قصص الأطفال – دار أطلس / المركز القومي للترجمة / دار الطلائع / الهيئة المصرية العامة للكتاب.

وقد ترجمت عن الروسية مباشرة، ومن أهم أعمالها: رواية "توت عنخ آمون" لباخيش بابايف، وكل حكايات الأطفال التي ألفها شاعر روسيا الأشهر "بوشكين"، وحكايات كاتب الأطفال الروسي الكبير "أفاناسيف"، بالإضافة إلى عدد كبير من الحكايات الشعبية الروسية.

حصلت على العديد من الجوائز أهمها:

جائزة أندية فتيات الشارقة للشعر من الشارقة عن مجموعتها: "فتاة تجرّب حتفها" عام 1999.

أفضل رواية عن روايتها: "لهو الأبالسة" من اتحاد كتاب مصر عام 2005.

جائزة التميز عن عملها في مشروع مكتبة الأسرة عام 1997.

تمت مناقشة أعمالها في رسائل الماجستير والدكتوراه في الجامعات المصرية، منها جامعة القاهرة وجامعة سوهاج وجامعة المنيا وجامعة السادس من أكتوبر وجامعة السلطان مولاي سليمان – بني ملال بالمغرب.

تم تحويل رواياتها إلى مشروعات تخرج سينمائية لخريجي الجامعات، وتم التعاقد على تحويل رواية: "ميس إيجيبت" إلى فيلم سينمائي، ورواية: "لعنة ميت رهينة" إلى مسلسل تليفزيوني.