الحدث- محمد بدر
قبل عدة أيام أصيب ضابط كبير من جيش الاحتلال الإسرائيلي بجراح طفيفة بعد رشقه بالحجارة من قبل مجموعة من النشطاء اليهود قرب مستوطنة يتسهار المقامة على أراضي المواطنين في نابلس. أثار الحادث حفيظة التيارات السياسية الإسرائيلية بيمينها ويسارها وأصبح خبرا رئيسيا للسرد والتعليق والاتهام بين مختلف هذه التيارات.
في ذات الوقت، حاول المجلس الاستيطاني في نابلس ـ على الأقل إعلاميا ـ تصوير هؤلاء النشطاء على أنهم مجموعة خارجة عن نطاق أفكار وسلوك مجتمع المستوطنة. إلا أن هذه الإدانات الكبيرة والواسعة لا تنسجم في الواقع مع التعامل الأمني والسياسي والقضائي الإسرائيلي مع هذه المجموعات التي بدأت تنشط بشكل كبير في الضفة الغربية.
في 31 يوليو 2015، ألقى مجموعة من المستوطنين زجاجتي مولوتوف على منزل عائلة دوابشة في قرية دوما القريبة من نابلس. أحرقت زجاجات المستوطنين "علي" ابن العام الواحد وأمه ووالده، ونجا شقيقه أحمد من الموت لا من الحريق.
وفي 3 يناير، تم توجيه لائحة اتهام إلى مجموعة من المستوطنين تضمنت بنودا تتعلق بحرق عائلة دوابشة وأخرى ذات صلة بمجموعة من الهجمات ضد الكنائس والرموز المسيحية وكذلك المساجد والبيوت والمركبات في منطقة نابلس. لكن هذه الأفعال على خطورتها وبشاعتها لم تستدعي حتى توقيف مرتكبيها لفترة طويلة في الاعتقال، وانتهت المسرحية القضائية الإسرائيلية بقرارات إفراج عن المتهمين.
إلا أن "إسرائيل" وأجهزتها السياسية والأمنية بدأت تشعر مؤخرا أن هذه المجموعات قد تشكل خطرا حتى على ما يسمى بـ "المجتمع الإسرائيلي" وعلى وجه التحديد مجتمع المستوطنات داخل الضفة الغربية.
فقد أثبتت الأحداث أن هذه المجموعات والتي أشهرها مجموعة "فتية التلال" تتحرك بمنطلقات أيديولوجية تؤسس لحالة من العنف الداخلي وعدم تقبل الآخر. ومع ذلك، ظل الخطاب الإسرائيلي العام يركز بشكل أساسي على الجوانب السياسية لهذه الظاهرة، متجاهلا الجوانب الثقافية التي تتقاطع مع الفكر الصهيوني والفكر الديني الصهيوني على وجه الخصوص. وحاولت المؤسسات الإسرائيلية الاستثمار وتوجيه عنف هذه المجموعات باتجاه الفلسطينيين من خلال معالجة أمنية، ولكن ذلك لم يكن مجديا في ظل عدم قدرة المؤسسة الأمنية الإسرائيلية على فهم الطبيعة الأعمق الكاملة والكامنة في النظام الثقافي الذي يتشكل على أساسه سلوك هذه المجموعات.
وحتى عند دراسة علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا الإسرائيليين للظاهرة، فإنهم يحاولون الابتعاد قدر الإمكان عن دراستها من المنطلقات الاستعمارية الإحلالية الصهيونية، فيركزون على المناطق والطبيعة الخاصة، ويخترعون تقسيمات هلامية بين البيئات الاستيطانية المختلفة وذلك بهدفين رئيسيين: الأول هو نفي صفة التوحش والإرهاب عن الفكر الصهيوني بشكل عام وعن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وسكانها بشكل خاص على اعتبار أن هذه المجموعات على هامش المشروع الاستيطاني وآثار جانبية له، أما الثاني فهو التركيز على التحليل القائم على المبادئ الطبيعية في تفسير الظاهرة السياسية وكأن المفكرين اليهود قد أدمنوا استدعاء التيس عبر التاريخ لتبرير ما لا يمكن تبريره بالعقل البشري.
إن الحديث عن البناء التنظيمي لـ"فتية التلال" مهم دون إغفال الأصول الفكرية لهذه الظاهرة الممتدة والمؤسس لها. ففي عام 2003 أصبح "فتية التلال" ظاهرة أكثر تنظيما من الناحية السياسية والإدارية، وقد ساهم في ذلك تهاون أو حتى مساعدة الحكومات الإسرائيلية للمستوطنين بالتوسع بشكل أفقي أو على التلال القريبة حتى لا يكون هناك نقد لهذه الحكومات من قبل الإدارة الأمريكية، فولد مصطلح "البؤر الاستيطانية" في عام 1996، مع عملية تنفيذ اتفاق أوسلو، وفيما بعد تزايدت ظاهرة قيام مجموعات من المستوطنين بإنشاء بؤر استيطانية على قمم التلال بدون موافقة الحكومة الإسرائيلية ولكن تحت حمايتها وبدون أي معارضة.