دمشق- غسان ناصر
أعلن منسقو مبادرة “تحييد مخيم اليرموك” أنه وبعد التوقيع على نص اتفاق يقضي بإنهاء أزمة مخيم اليرموك، عملت أطراف فلسطينية موالية للنظام السوري، على إعاقة تنفيذ المبادرة على الأرض، بعد اشتداد الأزمة وارتقاء عدد من الشهداء بفعل الحصار المتواصل والجوع. ودعا ممثل عن الجهات المسلحة داخل المخيم، تلك الأطراف – التي لم يسمها – إلى العمل على التسريع بتنفيذ بنود الاتفاق وملحقاته، بعد أن سقط نحو 40 شخصًا من المدنيين العزل – معظمهم أطفال ونساء– جوعًا، نتيجة الحصار الشديد لمداخل المخيم منذ 175 يومًا، نفذ خلالها الغذاء والدواء، وبات أكثر من 20 ألف فلسطيني، يأكلون لحوم القطط والكلاب – بعد أن أجيز لهم ذلك بفتوى شرعية -، كما انتشرت في المخيم أمراض الحصبة وشلل الأطفال التي كاد العالم أن ينساها.
وكانت مصادر إعلامية قد أعلنت أن مؤتمرًا صحفيًا سيعقد للإعلان عن ما تم التوافق عليه من قبل المجتمعين والمعنيين بإنهاء المأساة في مخيم اليرموك، ولوضع الاتفاق حيز التنفيذ، غير أن مصدرًا مقربًا من الوفد المفاوض كشف لـ “الحدث”، أن جهة أمنية سورية رفيعة المستوى، رفضت أن يعقد المؤتمر الصحفي لدواع أمنية، ولأن الاتفاق المبرم بين الأطراف الفلسطينية المفاوضة الرسمية والأهلية من جهة والمسلحين داخل المخيم من جهة ثانية بحاجة لدراسة أمنية، وهو ما يعني إمكانية العودة إلى نقطة الصفر.
في الأثناء وجه اللاجئون الفلسطينيون في مخيم اليرموك بسوريا، يوم الجمعة 2014/1/3، رسالةً للرد على تصريحات الوزير أحمد المجدلاني عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والتي أدلى بها لوسائل إعلام عربية، ومما جاء في الرسالة التي تسلمت “الحدث” نسخة منها: “الوزير أحمد المجدلاني (عضو تنفيذية منظمة التحرير) خلال مداخلته على قناة BBC يقــول: “مخيم اليرموك رهينة بيد المسلحين، حاولنا إدخال المساعدات إلى مخيم اليرموك إلا أنه بدأ إطلاق النار على القافلة من بعض الكمائن والحواجز التي كانت منتشرة داخل المخيم، ومنعت القوافل من الدخول للمخيم” .. حضــــرة الــوزيـــر: هل تعلم من قام بإطلاق النار على قافلة المساعدات، هل تعلم أن القافلة لم تدخل حينها لمخيم اليرموك، وتصريح المسؤول الأممي “فيلبو غراندي” قبل مدة يدل على ما نقول، حيث قال بأن “الحكومة السورية منعت القافلة من دخول المخيم عبر حاجز أول اليرموك”. وهل تعلم حينها أن مجموعات “شارع نسرين” – كتائب موالية للأسد، ويطلق عليهم هنا “شبيحة” - أعاقت وصول القافلة لبداية المخيم، وهددوا طواقم (الأونروا) بإطلاق النار عليهم إن لم يغادروا المنطقة وقال أحدهم حينها وبالحرف الواحد: “إذا بيجي بشار الأسد ما بخلي هالقافلة تمرق”.
وجاء في الرسالة أيضًا: “إلى الوزير المجدلاني الرجاء منك ومن جميع طاقم السلطة والمنظمة إن لم تتجرؤوا على نصرة المخيم بالحق فالرجاء ثم الرجاء (--) وعدم طعن أهالي المخيم مرة أخرى. الرجاء منكم جميعًا أن تكفوا ألسنتكم عن ذكر مخيمات سوريا”. على حد ما جاء في نص الرسالة.
وفي آخر تصريح لمسؤول أممي حذر الناطق باسم الوكالة الأممية “كريس غونيس”، الأسبوع الماضي، من تدهور الوضع في المخيم، حيث يحاصر نحو 20 ألف فلسطيني وسط محدودية في الطعام والإمدادات الطبية.
وقال غونيس: “نحن غير قادرين منذ أيلول/ سبتمبر الماضي على دخول المخيم لتقديم المساعدات الضرورية التي يحتاجها السكان”، مضيفًا أن: “استمرار وجود الجماعات المسلحة التي دخلت المخيم في نهاية عام 2012، ومحاصرتها من قبل القوات النظامية، أحبطا كل جهودنا الإنسانية”.
وكانت 16 هيئة أهلية فلسطينية عاملة في سوريا، من بينها: (“الهيئة الخيرية لإغاثة الشعب الفلسطيني”، و “جمعية فلسطين الخيرية”، و “مؤسسة بصمة الاجتماعية”، و “مؤسسة جفرا للإغاثة والتنمية الشبابية”)، قد وجهوا منذ أيام “نداء استغاثة”، لقادة الفصائل الفلسطينية، وللرئيس محمود عباس بصفته (رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية)، جاء فيه: “نتوجه لكم بندائنا هذا للتحرك العاجل لوضع حد للمأساة الإنسانية التي يعانيها شعبنا في سوريا في ظل الأزمة التي تعيشها، والتي باتت تهدد وجوده، وتتجلى في مخيم اليرموك، وذلك بعد فشل كل الجهود والمحاولات لوضع حد لتلك المأساة. مما يعني استمرار الحصار على المخيم مع من فيه من أهلنا، وبالتالي حرمانهم من المقومات الأساسية للحياة، من طعام ودواء”.
وأكدت الهيئات الأهلية في ندائها، على ضرورة: “عدم ربط (إخراج الجرحى وإدخال الطعام) بأي مبادرة أو تسوية أيًا كانت، سياسية أم أمنية، باعتبار هذا المطلب إنساني، وينبغي فصله عن ذلك، والتعامل معه على هذا الأساس”.
غير أن هذا النداء، كغيره من النداءات الأهلية السابقة، لم يجد آذانًا صاغية، لدى القيادات الفلسطينية في الداخل والشتات.
ويحمل أهالي اليرموك قيادة منظمة التحرير الفلسطينية مسؤولية المخيم واللاجئين كونها (الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني)، ويطالبونها بعدم الانجرار وراء مناكفات سياسية على حساب طرف دون آخر، والعمل على تحييد المخيم وإرساء الهدنة داخله، وتأمين احتياجات سكانه، بعد أن تمادت في تقصيرها المستمر تجاههم، ذلك أن كل ما قدمته قيادة منظمة التحرير لأبناء اليرموك منذ 33 شهرًا من عمر الحدث السوري المشتعل، و13 شهرًا من عمر “أزمة اليرموك” إثر تهجير أهله قسرًا، هو مبلغ 1500 ليرة سورية للفرد الواحد، أي ما يزيد قليلاً عن 6 دولارات – لم يتسلمها بعد عدد كبير منهم -، علمًا أن ثمن كيلو الرز أو السكر وصل داخل المخيم إلى 5000 ل.س أي ما يعادل الأربعين دولار.
وفي متابعة لتفاصيل مجريات الأحداث في مخيم اليرموك، أكدت شخصيات فلسطينية مستقلة لـ “الحدث” أن وفد المنظمة لم يقم بمهامه على أتم وجه، وأنه قصر في حق الأهالي بمخيم اليرموك، حيث لم يفكر أحد من أعضاء الوفد بزيارة المخيم والدخول إليه، مكتفين بما ينقل لهم على لسان أعضاء المبادرة الأهلية، والتي يغلب على تشكيلها فريق واحد عرف بمولاته للنظام، ويعتبره أهالي المخيم شريكًا في حصارهم وتجويعهم، وهو فصيل (القيادة العامة/ أحمد جبريل)، المتهم الرئيسي في تعطيل الاتفاق الأخير.
وفي تصريح خاص لـ “الحدث”، قال الكاتب الصحفي خليل الصمادي: “ بوركت الجهود المخلصة التي يقدمها المعنيون بأمر المصالحة ومن أجل فك الحصار عن المخيم، ولكن يجب الانتباه بأن هناك من لا يروق له الهدنة ومن الطرفين بسبب الأموال الطائلة التي تزيد كلما اشتد الحصار. وقد أصبحت هذه العصابات تملك أبواقًا إعلامية تنشر أخبارًا كاذبة الغرض منها عرقلة أي تقدم في المصالحة فعلى سبيل المثال عندما أعلن عن توقيع المصالحة باشرت هذه الجهات بتلفيق الأخبار ومنها أن عضو اللجنة التنفيذية في (م ت ف) “المجدلاني” أمهل القوات المحاصرة ٤٨ ساعة لفك الحصار! وهو ما نفاه “المجدلاني” لاحقًا. وغير ذلك من أخبار قد تؤثر على مجريات الأمور وربما تعرقل المصالحة، لذا لا بد من كشف المستفيدين من الحصار والتجار الذين يكسبون الأموال لا من عرق جبينهم بل من دماء المساكين المشحرين الذين ينتظرون الموت جوعًا وقهراً”.
وبعيدًا عن التجاذبات السياسية يأمل العديد من المتابعين للمبادرة الأهلية الوصول إلى قرار – أمني سوري بالدرجة الأولى – لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه من مبادئ وآلية تنفيذ.
وفيما يلي تنفرد “الحدث” بنشر نص الاتفاق كاملاً، مع أسماء الموقعين عليه من الجهتين، كما وردها من مصدر موثوق.
المبادئ الأساسية للاتفاق على المبادرة لحل أزمة مخيم اليرموك وتحييده عن الحرب في سوريا: (أولاً: خروج المسلحين نهائيًا من المخيم وضمان عدم عودتهم. ثانيًا: تموضع المسلحين الفلسطينيين والفصائل الفلسطينية الموافقة على هذه المبادرة على محيط مخيم اليرموك لمنع دخول السلاح والمسلحين. ثالثًا: تشكيل هيئة شعبية موسعة تضم الفعاليات والوجهاء وفلسطينيين وسوريون والفصائل الفلسطينية الموافقة على هذه المبادرة لتقود المرحلة المؤقتة إلى حين عودة أجهزة ومؤسسات الدولة، وينبثق عن هذه الهيئة مجموعة لجان فرعية ذات حصانة.
رابعًا: بعد التأكد من خلو المخيم من السلاح والمسلحين وإغلاق كل الطرق الرئيسية والفرعية بين المخيم وجواره تقوم الجهات المعنية والرسمية (بلدية - محافظة) على إعادة تأهيل المخيم وإزالة الحواجز الداخلية وكذلك الركام الموجود والبدء بصيانة وترميم البنية التحتية (ماء- كهرباء – هاتف..). خامسًا: عودة أهالي المخيم إلى منازلهم وممتلكاتهم وفتح الطرق لإمدادها بالأغذية والمواد الأساسية. سادسًا: تسوية أوضاع من يرغب من المسلحين وتنظيم كشوفات بالأسماء. سابعًا: يحق لمكاتب الفصائل الفلسطينية المتواجدة في المخيم بوجود من (3 إلى 5) بنادق فيها للحراسة، بعد إخلاء المخيم من كافة المظاهر المسلحة).
كما تضمن الاتفاق نصًا خاصًا بآلية تنفيذ بنود المبادرة أعلاه الموقعة من الفصائل الفلسطينية والجماعات المسلحة، وهي على النحو التالي: (-1 التأكد من خروج كافة المسلحين من المخيم. 2 - تموضع مسلحي الفصائل الفلسطينية على محيط مخيم اليرموك، ويكون هذا التموضع المشترك على الصف الأول والثاني من الأبنية بدءًا من غربي المحكمة حتى شارع الثلاثين. 3 - دخول لجنة شعبية فلسطينية وسورية من سكان المخيم مكونة من 50 شخصية للتأكد من خلو منطقة اليرموك من السلاح والمسلحين. 4 - أثناء قيام اللجنة الشعبية بمهمتها تقوم لجنة فنية (وحدات هندسية) للكشف عن العبوات والمتفجرات والألغام في منطقة اليرموك. 5 - يتم دخول مجموعات من الفصائل الفلسطينية التي توافق على هذه المبادرة للانتشار على محيط المخيم في منطقة اليرموك لمنع دخول السلاح والمسلحين من خارج المخيم والتعاون في الحماية المشتركة للمخيم وتحييده. 6 - تقوم الجرافات بفتح الطرق الضرورية واللازمة للإغاثة ودخول المدنيين. 7 - تقوم اللجنة بإحصاء مخيم اليرموك وتسجيل قوائم اسمية وفق نموذج موحد للعائلات الموجودة وذلك لسهولة توزيع السلات الغذائية. 8 - التأكد من إغلاق كافة الطرق والجادات المؤدية إلى منطقة اليرموك لمنع وصول أي سيارة تحمل السلاح والمسلحين من الجوار إلى المخيم. 9 - عدم السماح لأي مسلح في محيط المخيم من الدخول أو التجوال في المخيم بسلاحه. 10 - من الضروري أن تكون مجموعات الفصائل المشتركة المسلحة التي تتموضع في مداخل اليرموك، وكذلك في الشوارع الرئيسية معروفة بتأييدها للمبادرة حفظًا لنجاح هذه المرحلة. 11 - عند التأكد من خلو منطقة اليرموك من السلاح والمسلحين والتموضع على محيط مخيم اليرموك وكذلك إغلاق الطرق المؤدية للمخيم من نفس الاتجاه يتم التواصل مع الجهات الشعبية لإدخال المواد الغذائية والطبية لمنطقة اليرموك وتوزيعها وفق الكشوفات التي كانت قد أعدت. 12 - عندما يتم تنفيذ المرحلة الأولى في منطقة شارع اليرموك بنجاح ينتقل العمل مباشرةً لتنفيذ المرحلة الثانية في منطقة شارع فلسطين .
وقد وقع مبادئ وآلية التنفيذ المبادرة من الفصائل، كل من: (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين/ القيادة العامة، وحركة فتح الانتفاضة، وجبهة النضال الشعبي، وطلائع حرب التحرير الشعبية - قوات الصاعقة، وحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وجبهة التحرير الفلسطينية، وحزب الشعب الفلسطيني، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين، وحركة التحرير الوطني الفلسطيني – فتح)، فيما غابت حركة المقاومة الإسلامية - حماس عن حضور هذه الاجتماعات والتوقيع على نص الاتفاق، باعتبارها – من وجهة نظر النظام – تشارك إلى جانب مجموعات المعارضة المسلحة في القتال ضد قوات الجيش النظامي، وبالتالي، تعدّ طرفًا غير مرغوب فيه. ومن الموقعين على الاتفاق من الجانب الثاني (كتائب مسلحة وأشخاص)، كل من (أبو هاشم الزغموت، والعقيد الركن خالد الحسن (من قوات جيش التحرير الفلسطيني)، أبو هاني شموط (عن لواء العهدة العمرية)، وخليل أبو سلمى (عن المؤسسات الإغاثية في اليرموك)، وإسماعيل أحمد (عن الحراك الشعبي)، وأبو توفيق السوري (عن الفرقة الثانية)، ومنسق “شبكة دعم المخيمات”، وأبو تمام، وأبو صالح فتيان وكتيبة “أحرار اليرموك”)