الحدث – توفيق العيسى
"ما بين جارية وحرة، وقصر وزاوية، وسيد جائر وشيخ عاشق"، يسرد لنا الروائي باسم الخندقجي، حكاية الثورة المستحيلة، في روايته "خسوف بدر الدين" الصادرة حديثا عن دار الآداب في بيروت في قطعها المتوسط المكون من . وفي سرده يصور لنا الخندقجي (36 عاماً) المدينة وهي تنقسم لبياض الناس وسوادها، ذاهبا ببطله لمقارعة السلاطين ومثقفي السلطة، بالحجة تارة وأخرى بالسيف، متقلبا، " لا ينجوا من الانقلاب على نفسه" ململما شتاته في تحد لنفسه والعالم المظلم.
ويتزامن إطلاق الرواية مع دخول الخندقجي عامه السادس عشر على التوالي في السجن في الثاني من تشرين الثاني - نوفمبر منذ عام 2004
.
حفل الإطلاق
في مركز خليل السكاكيني نظم أصدقاء الروائي المعتقل باسم خندقجي، حفل إطلاق ومناقشة رواية "خسوف بدر الدين" مقدما لها الأديب الكبير محمود شقير، والشاعر الناقد د.عبد الرحيم الشيخ، والشاعرة ايمان زياد عريفة للأمسية التي بدأت بإطلالة غنائية سريعة للفنانة الجليلية سناء موسى.
وقدم شقيق باسم، يوسف خندقجي رسالة باسم التي بعث بها من معتقل "هداريم"، المعتقل فيه حيث يقضي عقوبة السجن مدى الحياة بثلاث مؤبدات إثر مشاركته في عملية سوق الكرمل الفدائية التي قتل فيها ثلاثة إسرائيليين.
الرسالة
"رواية تضج بالكتاب والأدباء والجلادين والضحايا، وبلمحة سريعة سترون ظلال محور علي باشا وماركس وفولتير والأفغاني". بهذه الكلمات يعرف باسم روايته عبر رسالة بعث بها إلى الحفل وأصدقائه قرأها "وكيل كلماته" يوسف الخندقجي كما يصفه باسم في الرسالة، والذي سيعينه على آداب وبروتوكولات حفلات وندوات الإطلاق، شاكر ومقدرا جهد كل من وقف إلى جانبه، مبرقا التحايا لعائلته وأصدقائه وقرائه. ولناقد يخبيء له سهام نقده مرتبكا وقلقا يرقب التعليقات، وهو الملتبس بعيني قارئة. الرسالة التي لم تخلو من السخرية والمفارقة، كونه معتقلا ومتقمصا بذات الوقت دور الكاتب الذي يغزو حفلات الإطلاق، بعدم اكتراث باحثا عن كاتب يلغي العلاقة بينه وبين القاريء، متمردا على عادات التقديم والسؤال والجواب، شارحا شكل كتابته واهتماماته وطريقته المثلى في الكتابة.
شخصية إشكالية وروائية لا تنسى
في معرض تقديمه للرواية وصاحبها تحدث الأديب والقاص محمود شقير عن إشكالية شخصية بدر الدين محمود في التاريخ - الذي لم يذكره إلا لماما أو هكذا نقل إلينا – ورأى أنه رغم قلة ما كتب عنه إلا أن هذه المعلومات على قلتها أطلقت العنان لباسم لينسج روايته وشخصية بطله.
مقاربا في اشكاليات هذه الشخصية بشخصية " الخيزران" أم الخليفة هارون الرشيد في رواية خندقجي السابقة "مسك الختام، ومقاربا بين بطلها بدر الدين وشخصيات من الأدب العالمي أرادت ان تحقق ثورة وانتصارا للفقراء والمظلومين بأدوات قاصرة، كشخصية " دونكيخوت" "لثيربانس" وشخصية الجندي الطيب " شفيك" الذي خلقه " ياروسلاف هاشيك" وسعيد أبو النحس المتشائل لإيميل حبيبي، على ان هذه الشخصيات مبتكرة وشخصية بدر الدين حقيقية كما وضح شقير.
ووصف شقير رواية خندقجي بأنها ملحمة روائية عن قائد ثورة اجتماعية لم يقيض لها النجاح مثل ثورات سابقة في تاريخ الاسلام والمسلمين حيث لم تكن الظروف الموضوعية ناضجة لنجاحها ولتحقيق أهدافها في نصرة المظلومين. واستعرض شقير أحداث ومفاصل الرواية وسير خط شخصية بدر الدين من رحلته في البحث والاكتشاف الى الثورة ومن ثم الاعدام شنقا واصفا اياها بشخصية اشكالية وروائية جميلة.
ويمكن الاطلاع على النص الكامل لمداخلة شقير عبر الرابط التالي والتي حملت عنوان: الشخصية الإشكالية في رواية خسوف بدر الدين.
الثورة المستحيلة وتحليل الأسئلة
الشاعر والناقد عبدالرحيم الشيخ بدوره قدم تحليلا لعدة أسئلة حول الرواية ولمضمونها ومدى التماهي بين فكرة الثورة المستحيلة ودروسها وحتمية انتصارها لاحقا، لروائي معتقل وماركسي أيضا.
فما الذي يدفع أسيرا فلسطينيا أن يكتب رواية تاريخية عن القرن الخامس عشر في القرن الواحد والعشرين؟
وسؤال حول كيفية يمكن أن تتحول شخصية صوفية إلى شخصية ثورية تؤمن بأن "خمر السلطة يمكن أن يوضع في أكواب العدل"؟ كما نقل الشيخ عن الكاتب اقتباسه.
وكيف يمكن المزاوجة بين العنف الرمزي للغة والمعرفة والسيف في القرن الخامس عشر؟
وقدم الشيخ عرضا لمستويات التحليل في الرواية والتي تتضمن أربع مستويات، الكتابي والفني، مارس فيهما الخندقجي العنف الجمالي فيما يتعلق بخيار الشكل والمضمون والتفاصيل واللغة.
والمستوى الفردي الذي مارس فيه عنفا رغبويا ضد نفسه، في حين أن هذا المستوى عادة يمارس فيه الروائي العنف على بطل روايته.
أما المستوى الثقافي عن أهمية اختيار بطلا صفيا خارجا عن كل أنساق الشخصية الصوفية، باستثناء اللغة.
وعن المستوى السياسي أو الجماعي الذي تحققت فيه الثورة ضمن أحداث الرواية والتي وصفها الشيخ بتحقيق "كومونة أدرنة" نسبة للمدينة التي قامت فيها الثورة في الرواية.
يُشار إلى أن الحدث في عددها الورقي الصادر في 19-11-2019 ستنشر مداخلة الشيخ كاملة حول الرواية
.
الحفل شمل تسجيلا مصورا لكل من الروائي الجزائري واسيني الأعرج الذي تحدث بشكل مقتضب عن الرواية والرواي، التي أثارته كونها رواية تاريخية تعتمد على النص التاريخي أولا، تنسج أحداثها بالعودة الى العصر المملوكي من خلالها مبينا رحلة شخصية في البحث عن هويته الداخلية، ورأى أن من رسائل العمل الروائي هي أن يبين حجم البشاعة عندما تضرب المصالح الشخصية للحاكم وأن لا قاع لهذه البشاعة.
كما شمل العرض على تسجيل للأستاذ ناجي ناجي مستشار الشؤون الثقافية في السفارة الفلسطينية في القاهرة، الذي عبر عن اعجابه بالرواية ورسائلها، مقدما عرضا لتعرفه على باسم عبر القراءة له، مقاربا بين باسم المعتقل في وطنه وبينه الذي يعيش قسرا خارجه. ورأى ناجي أن السجان الاسرائيلي يقع الآن في ورطة أمام باسم، فهو ان ظل معتقلا سيتيح له المزيد من الكتابة والابداع واذا اطلق سراحه سيمتلك فضاء أوسع.
وفي تقديمه للرواية، كتب الشاعر والروائي ابراهيم نصر الله على غلاف رواية الخندقجي، بأن باسم يتأمل في هذه الرواية التاريخية معنى القوة في معادلة الحب، ومعنى النصر في ظل الدمار وسفك الدماء، وحال البشر في تنوع أجناسهم وأحلامهم وأديانهم، وطموحات تلتهم أصحابها كما يلتهمون أعداءهم.
وأردف نصر الله: " أن يذهب شاعر وروائي فلسطيني مثل باسم على الرغم من ظلمة زنزانته، لعناق النور في روح متصوفة، وعناق التسامح والحب والجمال الذي يملأ قلب بدر الدين وقلوب مريديه، فإن ذلك يعني أن السجان لن ينتصر، على الرغم من كل الوحشية"، وأضاف أن باسم بهذا، صورة لروح بطله، وشوق هذه الروح الى كل ما هو جميل وحر.
وفي نهاية الأمسية قدم الحضور مداخلات وأسئلة حول الرواية ودار نقاش حول التاريخ والعمل الفني وأدب المعتقلين ودوره ومراحل تطوره.