الحدث ـ محمد بدر
انتهت جولة التصعيد الأخيرة التي بدأت بالاغتيال المفاجئ وغير المفاجئ للقائد الفعلي لسرايا القدس في قطاع غزة بهاء أبو العطا. وكما كل جولة فإنه لا بدّ من دراسة بيئة العدو التي قادت لهذا العدوان على غزة والبيئة التي تحرك فيها المقاومون على امتداد أيام العدوان والتي كان لها أثر كبير في تحديد النهايات. أبو العطا الذي ظل الاسم الأكثر تداولا منذ 6 أشهر في الإعلام الإسرائيلي؛ تمكن على مدار أكثر من سنة من إحباط عدة مشاريع وصفقات كانت تقدمها مصر والأمم المتحدة. لم يكن أبو العطا يعمل منفردا وضمن رؤيته الخاصة كما سوقت "إسرائيل" وبعض الأطراف الداخلية؛ وإنما ضمن رؤية استراتيجية لحركة الجهاد الإسلامي بتعطيل أي صفقة من الممكن أن تلزم الفلسطيني بعدم الرد على جرائم الاحتلال، وهذا ما أكده الأمين العام للحركة زياد النخالة للقاهرة عندما حاول المصريون فتح نقاشات شبه منفصلة مع قادة سرايا القدس الذين رافقوا وفد الجهاد.
جاءت عملية اغتيال الشهيد أبو العطا بعد أسابيع من زيارته للقاهرة، ومن المهم الإشارة إلى أن الزيارة لم تكن في إطار جهد مصري خالص، بل إن المصريين في هذه المباحثات تحديدا كانوا نسبيا واجهة أو ناقل رسائل للأمم المتحدة وبعض الدول الغربية والعربية وبكل تأكيد "إسرائيل"، وعندما تعذر إقناع وفد الجهاد الإسلامي ببعض النقاط التي قد تشكل خارطة حل في غزة، وضعت الجهاد الإسلامي نفسها ضمنا في دائرة الاستهداف الإسرائيلي، حيث رأى المستوى السياسي والعسكري الإسرائيلي في أن جولة قتال مكلفة للحركة قد تدفع الحركة لتغيير مواقفها وتخلق حالة من النقاش داخل الساحة الفلسطينية ككل وبشكل خاص في قطاع غزة وكذلك داخل الأطر الحركية والشورية لحركة الجهاد.
إن النقاش الداخلي كان من الممكن أن يتم بعد الجولة، وكان أيضا من الممكن وضع نقاط ارتكاز للعمل المشترك لو شاركت جميع الفصائل في القتال، مع التأكيد أن الجبهة الشعبية ولجان المقاومة وكتائب الأقصى والمقاومة الوطنية كانوا جزءا من القتال، ولكن غياب حماس عن القتال يؤكد أن الحركة لم تلتقط اللحظة التاريخية لكي تفرض نقاشا مهما على الجهاد ما بعد الجولة، وهذا كان من الممكن أن يكون تكتيكا سياسيا حمساويا مهما. ولكن حماس وقد نأت بنفسها عن المواجهة فإنها فرضت ورسخت سياسة التعامل المنفرد مع الجرائم الإسرائيلية وكذلك المقترحات السياسية الخاصة بقطاع غزة، رغم ظنها أنها بحيادها الأخير كانت عمليا تعالج الظاهرة التي ارتبطت بالشهيد أبو العطا (الرد على الجرائم الإسرائيلية ولو بشكل منفرد).
المعطيات تشير بوضوح إلى أن الجهاد الإسلامي ستتعامل بمنطق "إسرائيل" من حيث الارتكاز إلى عنصر المفاجأة، مع العلم أن الشهيد أبو العطا قد فاجأ رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو بالصواريخ قبل الانتخابات بأسبوع، وكما يبدو فإن لعبة المفاجآت هي التي ستحكم العلاقة بين الجهاد و"إسرائيل" ولعل المفاجأة القادمة للجهاد. هذا يعني بصورة أخرى أن حماس فقدت عنصرا وحليفا مهما لدرجة أن هذا الحليف لم يتورع عن الحديث في الإعلام عن حياد حماس في الجولة الأخيرة منتقدا ومعترضا، وأكبر ضابط لسلوك الجهاد على مدار سنوات في غزة كان حميمية العلاقة مع حماس، واليوم وقد بردت هذه العلاقة، فإن شحنات النار ستشعر فيها "إسرائيل" وحدها.
يدرك نتنياهو أن انتقام الجهاد الإسلامي سيكون في ظل لحظة سياسية مفصلية بالنسبة له، فليس من مصلحته بتاتا أن يذهب لانتخابات جديدة، لأن ذلك يعني أنه منح الجهاد فرصة تقويضه وتحطيم أسطورته السياسية، والبديل الأفضل له هو الذهاب لحكومة وحدة بشروط تخدمه لأنه الآن صاحب مبادرة بالنسبة للإسرائيليين. وحتى لحظة الانتقام التالية، فإن قيادة الجهاد الإسلامي ككل ستبقى تحت أعين الشاباك والموساد لأن نتنياهو سيرد على أي مفاجأة بضربة ترمم صورته بشكل سريع وتلقائي. وبالنسبة لحماس، فإنها الخاسر الوحيد في الجولة، فحتى حيادها يستخدمه الإسرائيليون في اليوم التالي للجولة على أنه مصلحة إسرائيلية تحققت بطرق سياسية وعسكرية.