الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

“التوك توك” في غزة... وسيلة نقل هامة للسلع والبضائع والأفراد يصل سعرها إلى 2000 دولار أمريكي

القطاع يحتاج 1000 “توك توك” سنوياً

2014-01-08 00:00:00
“التوك توك” في غزة... وسيلة نقل هامة للسلع والبضائع والأفراد يصل سعرها إلى 2000 دولار أمريكي
صورة ارشيفية

سعر نقلة “التوك توك” ما بين 20-5 شيكلاً

غزة- محاسن أُصرف

 

بُعيد اختراق الحدود البرية مع مصر من قبل الفلسطينيين في قطاع غزة نهاية 2008؛ غزت الدراجات النارية ذات العجلات الثلاث شوارع القطاع، في البداية كان شكلها غريبًا وهي تسير في الطرقات وتخترق الأحياء والمناطق الوعرة، فهي – بحسب بعض سائقيها- لم تكن مألوفة، وما لبثت بسبب الحصار وارتفاع أسعار قطع غيار السيارات أن أصبحت وسيلة نقل هامة للسلع والبضائع وأحياناً الأفراد، وباتت معروفة بين الناس باسم «التوك توك».

نقطة البداية لوجود «التوك توك» كانت في الأسواق لدى التجار الذين استعانوا به لنقل بضائعهم من العريش في مصر إلى مدينة رفح جنوب قطاع غزة عبر الأنفاق المنتشرة على الشريط الحدودي، ومن ثمَّ استخدموه في نقل بضائعهم بين مدن القطاع، ومع اتساع انتشاره اقتناه أيضاً الباعة المتجولون من الشباب، الذين أفقدتهم ظروف القطاع المُحاصر حق الحصول على فرصة عمل مناسبة في ظل انعدام الفرص وازدياد نسب الخريجين سنوياً، فقد استخدموه لعرض ما يبيعون من سلع ومستلزمات في الأسواق بعيداً عن أعين البلدية التي لا تسمح بفتح محل أو بسطة صغيرة إلا بترخيص.

«الحدث» تجوب شوارع القطاع تلتقي أصحاب «التكاتك» وتتعرف أكثر على جدواها الاقتصادية وأثرها على تحسين ظروف عيش الشباب الغزي وتكشف أهم العقبات التي يواجهونها.

موزع متجول

في سوق الزاوية كانت بداية جولتنا وسط شوارع غزة، وسط السوق كان أبو محمد سكيك (45 عامًا) يقف قبالة «توك توك» زينته لوحات إعلانية لأنواع عديدة من السموم الفتاكة بالقوارض والحشرات الضارة، يقول الرجل إنه: «يمتهن توزيع كميات السموم على أصحاب البقالات الصغيرة في السوق مقابل شواكل بسيطة هي مصدر رزقه اليومي». ويؤكد «سكيك» بعد أن ترجل من عربة «التوك توك» أنه يُنجز في اليوم من ثلاث إلى أربع عمليات نقل، تصل أجرته منها أحياناً إلى 50 شيكلاً يوميا، يوفر بها الاحتياجات الأساسية لأسرته، يقول لـ «الحدث»: «الآن العمل تراجع قليلاً»، والأسباب -كما أفادنا- لا تعدو شُح الوقود المهرب إلى القطاع بعد تدمير الأنفاق مع مصر، «الآن إذا توفرت لي نقلة أو اثنتان في الأسبوع فإن الوضع بالنسبة لي ممتاز، لكن الوضع الآن صعب للغاية»، قال «سكيك».

ويُعيل «سكيك» أسرة مكونة من سبعة أفراد ويعيش في بيت متواضع لا تتجاوز مساحته 100 متر، ويتمنى الرجل أن تتحسن الأوضاع في القطاع ويتمكن من تأمين احتياجات أسرته ليحظوا بعيشة كريمة.

“التوك توك” لنقل مساعدات الأونروا

وبالاتجاه جنوبًا إلى مدينة خان يونس، استوقفنا مشهد عشرات «التكاتك» المنتظرة على أبواب مخازن توزيع مساعدات الأونروا، هناك كان منصور البيوك (32 عاماً)، اقتربنا منه ليُفسر حاله وحال العشرات مثله ليقول: «استبدلت حماري منذ عام بهذا «التوك توك»، من أجل إيصال المساعدات التي توزعها الأونروا على أصحابها». ويُضيف الرجل بعد أن مسح حبات العرق المتساقطة من على جبينه: «الأمر شاقٌ، ولكنه كان مجدياً في بداية الأمر ويوفر الكثير من الوقت والجهد». وسابقًا كان يعتمد البيوك وزملاؤه من أصحاب «التوك توك» على الوقود المصري المهرب عبر الأنفاق مع القطاع لتشغيل عربات «التوك توك» خاصتهم، يقول: «الوقود المصري رخيص مقارنةً بالوقود الإسرائيلي الذي يصل سعره إلى الضعف بقيمة 7 شواكل للتر». ومنذ اندلاع أحداث 30 يونيو في مصر أصبح من الصعب تهريب الوقود إلى القطاع نظراً لهدم الأنفاق وملاحقة القوات المسلحة للمهربين في سيناء، الأمر الذي انعكس سلباً على شُح الوقود في القطاع، حيث عجز العديد من أصحاب عربات «التوك توك» عن العمل، لأن ما يجنونه من مال زهيد لا يفي بحاجة العربة من الوقود ولا باحتياجات الأسر الأساسية. وفي هذا السياق يوضح «البيوك» أنه كان يقف على رأس عمله منذ السابعة صباحا وحتى العاشرة مساءً يوزع المعونات على أصحابها الذين أوكلوه أمر استلامها ونقلها إليهم، لكنه الآن وبسبب ندرة الوقود المهرب وعدم قدرته المالية على شراء الوقود الإسرائيلي قلص ساعات عمله إلى النصف، ويُطالب «البيوك» المواطنين بزيادة أجرة النقل ليتمكن من الاستمرار في العمل، إلا أن الكثيرين رفضوا مطلبه متعللين بأوضاعهم الاقتصادية التي لا تقل سوءا عن وضعه ودليلهم تلقيهم المساعدات التي توزعها الأونروا على فقراء القطاع دوريا كل ثلاثة أشهر.

فرصة عمل للشباب

ووفر «التوك توك» لـلشاب محمد قديح (28عاماً)، فرصة عمل ذهبية بعد أن حصل على شهادة البكالوريوس من إحدى الجامعات الفلسطينية ورزح على قائمة البطالة، يقول الشاب الذي يقطن جنوب قطاع غزة: «بمساعدة عائلتي والاستدانة من المعارف استطعت شراء «توك توك» بقيمة 2000 دولار. ويتابع أنه وجد في «التوك توك» استثماراً جيداً، خاصة وأن إقبال الناس أصبح كبيراً على استخدامه في نقل بضائعهم وحاجياتهم، وأحيانا تنقلهم للمنتزهات على طول الشريط الساحلي للقطاع، يقول: «أتوجه للزبائن حسب الطلب»، مؤكدا أن ذلك يجعله يوفر في الوقود.

ويجني قديح على كل عملية نقل مبلغاً يترواح ما بين 10-5 شواكل وفقاً للمسافة المقطوعة وكمية البضائع، لافتاً إلى أن المبلغ يزيد أحياناً إلى 20 شيكلاً.

من ناحية أخرى، يلفت «قديح» أن عمله على «التوك توك» لا يقف عند عمليات النقل الخفيف بل إنه، وطلباً في زيادة الرزق ليفي باحتياجاته وأسرته المكونة من 7 أفراد، يعمد إلى التنقل ليلاً – خاصة في فصل الصيف- على الاستراحات المنتشرة على طول ساحل البحر لقطاع غزة، يقول: «ندرة السيارات وأحياناً ارتفاع أجرتها مقارنة بأجرة «التوك توك» تجعل بعض المصطافين يُفضلون الإياب إلى بيوتهم على متنه لأن قدرتهم المالية تعجز عن تسديد تكاليف السيارة التي قد يطلب صاحبها 50-30 شيكلاً أجرة».

وقد فتح «التوك توك» آفاقاً جديدة للعمل أمام الشباب الذين عانوا لسنواتٍ عديدة من البطالة في ظل انقسام فلسطيني وحكومتين في غزة ورام الله لم تستطيعا الاهتمام باحتياجات الناس وتوفيرها وفق الإمكانيات المتاحة.

صعوبة الصيانة

ويواجه أصحاب «التكاتك» في غزة صعوبة في صيانتها وتوفير قطع غيار لها بأسعار مناسبة، يقول أبو مجاهد أبو حطب الذي يملك «توك توكا» لتوزيع المواد الغذائية والخضراوات والفاكهة: «على الرغم من مميزات «التوك توك» في صغر حجمه واستهلاكه المنخفض للوقود، إلا أنه كثير الأعطال ويحتاج لصيانة دورية، مكلفة أحياناً تفوق قدرتي  المالية».

واشترى أبو مجاهد «التوك توك» قبل عام بألفي دولار استطاع أن يدخرها من عمله في توزيع الخضروات والمواد الغذائية على المحال التجارية والأسواق، يقول لنا: «قبل أسابيع اضطررت لتغيير الماتور بمبلغ 1500 شيكل»، ويُتابع حديثه بمرارة: «باب الصيانة إذا فُتح لا يُغلق، أخشى أن تكون بداية النهاية».

وحول إذا ما كان المال الذي يجنيه أبو مجاهد من عمل «التوك توك» كاف لأعمال الصيانة والوفاء بالتزامات الأسرة والأطفال قال: «عملياً «التوك توك» مربح فهو سريع الأداء وقليل في استهلاك الوقود.» وأكد أنه يجني مقابل عمليات النقل الخفيف التي يقوم بها (20-10) شيكلا للمرة الواحدة، ويضيف: «أحياناً يكون الربح وفيراً، ويفي بالاحتياجات وأحياناً أخرى مثل هذه الأيام قد لا يفي بثمن البنزين خاصة بعد منع تهريبه إلى القطاع عبر الأنفاق مع مصر».

ترخيص باهظ

شكا أبو محمود أبو العيش (37عاماً) من منطقة «الهوجا» شمال قطاع غزة من إصرار سلطة الترخيص في قطاع غزة على منع أي دراجة نارية من السير في شوارع القطاع دون الحصول على ترخيص، لكن الرجل يتفق أن الإجراء يُحافظ على سلامة المواطنين من جهة لكنه يرهق جيوب أصحاب «التكاتك» من جهة أخرى، ويُتابع قائلًا لـ “الحدث”: «قبل أشهر كنت في طريقي لشراء بعض الحاجيات للمنزل فأوقفتني دورية شرطة المرور، وبعد التأكد من عدم حصولي على الترخيص اللازم لقيادة «التوك توك» تم سحبه مني».

يُشير أبو محمود إلى أنه اضطر لدفع مبلغ 1200 شيكل للحصول على ترخيص «التوك توك»، مبدياً استهجانه من ارتفاع رسوم الترخيص، يقول: «لم يكن باستطاعتي توفير المبلغ واضطررت لاستدانته فقط من أجل استرجاع عربة «التوك توك» التي أعيش وأسرتي منها».

يُشار إلى أن سلطة التراخيص في غزة أقدمت على تشديد إجراءاتها بشأن السماح لسائقي «التوك توك» بالعمل بعدما ازدادت أعداد ضحايا حوادث السير بسبب الدرجات النارية عموماً، وبحسب تقرير صادر عن قسم الحوادث المرورية في الشرطة الفلسطينية بغزة فقد وصل عدد ضحاياها والدراجات النارية على اختلاف أنواعها إلى قرابة 88 حالة وفاة و154 إصابة خطيرة (تشمل حالات البتر)، خلال 3 سنوات فقط، ولفت التقرير أن العام 2012 شهد 5 وفيات و24 إصابة خطيرة. وشدد التقرير أن انتشار الدراجات النارية بشكل عام بات يُشكل خطراً كبيراً على حياة المواطنين وخاصةً الشبان لأسباب أهمها عدم حصول السائقين على رخصة قيادة من قبل وزارة المواصلات، والسرعة الفائقة في قيادتها وعدم الالتزام بكمية التحميل التي تُقرها وزارة النقل والمواصلات والبالغة 60 كيلو جرام فقط لا غير.

رسوم بمتناول الجميع

من ناحيته أكد محمد العامودي، مدير عام سلطة الترخيص بوزارة النقل والمواصلات بغزة، أن سلطة الترخيص وبالتعاون مع الشرطة الفلسطينية التابعة لوزارة الداخلية، تعمد إلى تنفيذ حملات مرورية لضمان سير السائقين وفقا للقانون، وقال في حديثه لـ “الحدث”: «إن الحملات تشمل كافة أنواع المركبات بما فيها «التوك توك» الذي بات وسيلة هامة للنقل الخفيف في قطاع غزة خلال السنوات الأخيرة»، لافتاً أن الحملة قامت بسحب رخص بعض السائقين المخالفين بهدف ضبط حركة السير وفق القانون.

ونقلت «الحدث» تذمر بعض أصحاب «التوك توك» من ارتفاع أسعار الترخيص وتأكيدهم أن المبالغ المطلوبة للترخيص تفوق قدراتهم المالية، خاصة وأنهم لجؤوا إلى «التوك توك» هرباً من التكاليف الباهظة للسيارات، فما كان من العامودي إلا أن أكد أن الترخيص يُدفع لمرة واحدة في العام وقيمته لا تتجاوز 1200 شيكل أي ما يُعادل 350 دولارا أمريكياً، وقال: «التكلفة في متناول الجميع وهناك تسهيلات من خلال التقسيط وغيرها»، وتابع أن «الهدف من الترخيص هو حفظ أمن وسلامة المواطن وسائق «التوك توك»، وضمان ضبط حركة السير للمركبات بأنواعها وفقاً للقانون.»

وقال بعض مالكي «التوك توك» في قطاع غزة أن ثمن «التوك توك» ارتفع مؤخراً بسبب الإقبال المتزايد من قبل المواطنين على شرائه، لكنهم تذمروا من ارتفاع بدل الجمارك والتراخيص اللازمة لسيره قانونياً في شوارع القطاع إلى 2000 شيكل بفارق 800 شيكل عن الرسوم الأولى.

مصنع لتصنيع «التوك توك»

وأدت زيادة الأعطال التي يُعاني منها أصحاب «التكاتك» في قطاع غزة بالمواطن الفلسطيني خالد أبو بكر إلى التفكير جدياً بتأسيس مصنع لتصنيع «التوك توك» بمواصفات عالية الدقة والجودة وتتوافق مع البيئة الفلسطينية، يقول الرجل الذي يقطن غرب خان يونس جنوب قطاع غزة : “كنت أعمل على صيانة «التكاتك» القادمة من الأنفاق مع مصر”، ويُتابع حديثه لـ “الحدث”، ولكن نظرا لوجود عمر افتراضي «للتوك توك» الصيني، وعدم جدوى إصلاحه بعد انتهاء ذلك العمر، بدأت أفكر في إنتاج «توك توك» صناعة محلية وطنية أقوى وأفضل وبمميزات أعلى من «التوك توك» المستورد.

ويُشير أبو بكر أنهم يعمدون إلى تصنيع الإطار الحديدي الخارجي «للتوك توك» ومن ثمَّ يتم تركيبه على الدراجة النارية المستوردة من الصين يقول: «نستورد الماتور مع الاستيرينغ والعجلات والكارونة».

وبعد انتشار «التوك توك» واستخدامه من قبل شرائح كبيرة في القطاع لنقل البضائع وتسويق السلع وحتى نقل الأفراد ازداد الطلب عليه وبات قطاع غزة يحتاج إلى قرابة 1000 «توك توك» سنوياً وفق تقديرات أبو بكر.

أثر اقتصادي محدود

ويلفت الخبير الاقتصادي محسن أبو رمضان إلى أن ازدياد نسب الفقر والبطالة وخاصة بين الشباب الفلسطيني التي وصلت إلى %75 هي التي أدت إلى تزايد الإقبال على « التكاتك»، وقال في حديث خاص مع “الحدث”: «لقد وجد الشباب الفلسطيني في وسيلة «التوك توك» فرصة لمحاربة الفقر والبطالة»، وأضاف «إن انخفاض ثمن الوسيلة بالإضافة إلى قلة استهلاكها للوقود ناهيك عن صغر حجمها وقدرتها على الوصول إلى الأماكن الوعرة والضيقة وغير المرصوفة كانت مميزات ساهمت في إقبال العديد من العاطلين عن العمل عليها لتنفيذ مشاريعهم الصغيرة والبسيطة»، وأكد أن الشباب من خلال استخدام عربة «التوك توك» في عمليات النقل الخفيف وعرض البضائع وبيعها بالتنقل بين الأماكن والمدن الفلسطينية يُمكنهم من الحصول على مردود مالي مناسب يُحقق لهم الكفاية في احتياجاتهم الأساسية وأسرهم.

ويؤكد الخبير الاقتصادي أبو رمضان أن مشاريع «التوك توك» الخاصة بالشباب على الرغم من تواضعها اقتصاديا إلا أنها تُحقق أرباحاً تُشكل رافعة لاقتصاد أسرهم الفقيرة والمعوزة داعياً الجهات المعنية في القطاع إلى تسهيل حصولهم على التراخيص اللازمة والسماح لهم بممارسة أعمالهم البسيطة لحين إيجاد البدائل الدائمة التي تُحقق لهم فرص عمل كريمة تتوافق مع مؤهلاتهم وشهاداتهم العلمية التي أفقدتها البطالة قيمتها