الحدث - جهاد الدين البدوي
نشرت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية، مقالاً للصحفية "بيل ترو" تحلل فيه العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، معتبر ذلك مقامرة من قبل بنيامين نتنياهو من الممكن أن تنقذه سياسياً ولكنها قد تثير صراعًا معقدًا.
تعتقد "ترو" بأن فرصة نتنياهو في البقاء كرئيس للوزراء قد تحسنت مع العدوان الأخير على غزة، لكنه يلعب بالنار.
تلفت الصحفية "ترو" بأن توقيت الغارة الإسرائيلية التي أودت بحياة قائد الجهاد الإسلامي بها أبو العطا في غزة بدا مثالياً ومخطط للغاية، بحيث لم يكن من قبيل الصدفة.
وتوضح مراسلة "الإندبندنت" أنه حتى لو كانت تلك الغارة تستند فقط إلى الاستخبارات وليس إلى أجندة سياسية، كما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مراراً وتكراراً، فإن اغتيال أبو العطا يوم الثلاثاء ربما يكون قد أنقذ الحياة السياسية لنتنياهو.
وتضيف "ترو" بأنه لم يتبقَ لنتنياهو سوى بضع ساعات كوزير للدفاع: وبعد ظهر ذلك اليوم كان من المقرر أن يسلم الحقيبة إلى الحليف والبرلماني اليميني نفتالي بينيت.
كان نتنياهو متمسكاً برئاسة الوزراء بخيط رفيع
ترى "ترو" بأن بنيامين نتنياهو ترأس حكومة انتقالية بعد فشله مرتين في تشكيل ائتلاف حكومي في أعقاب انتخابات غير حاسمة، وفي غضون أسابيع قليلة، من المتوقع أن يوجه له المدعي العام اتهامات بالفساد.
وفي الوقت نفسه لم يتبقَ أمام منافسه الرئيس بيني غانتس سوى أسبوع واحد لمحاولة تشكيل الحكومة المقبلة. وفي ظل عدم وجود أغلبية ساحقة من مقاعد الكنيست، فإن أفضل فرصة له هي تشكيل ائتلاف وحدة وطنية مع حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو.
ومع ذلك قال حزب غانتس "أزرق أبيض" إنه لن يتعاون مع الليكود في ظل وجود نتنياهو على رأس الحزب، بسبب محاكمته المحتملة بتهمة الكسب غير المشروع.
ذكرت "ترو" بأن خيار غانتس الوحيد والذي نوقش بشكل متزايد في الأيام التي سبقت عملية الاغتيال الثلاثاء الماضي هو تشكيل حكومة أقلية بدعم من القائمة المشتركة ذات الغالبية العربية.
وقبل ساعات قليلة من قيام المقاتلات الإسرائيلية بتنفيذ الضربة الجوية "الجراحية" التي استهدفت منزل أبو العطا في غزة، لجأ نتنياهو إلى موقع التواصل الاجتماعي تويتر.
من المؤكد أن الضربة كانت وشيكة وأنها ستتسبب باطلاق صواريخ انتقامية من غزة، فقد نشر نتنياهو تغريدة مفادها: تشكيل حكومة أقليات مدعومة من الأحزاب العربية = خطر على الدولة، مع صورة لأحمد الطيبي عضو الكنيست الإسرائيلي عن القائمة المشتركة تجمعه بالرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.
تضيف "ترو" بعد فوات الأوان كان ذلك بمثابة تذكير للاسرائيليين تزامناً مع سقوط الصواريخ الفلسطينية على مناطق جنوب إسرائيل إلى تل أبيب، فإن فرص سكان إسرائيل اليمينيين الذين يدعمون حكومة أقلية يقودها غانيتس بدعم من السياسيين العرب تقترب من الصفر. وبدلاً من ذلك، ومع شبح الحرب في الأفق، سينظر كثيرون إلى دولة موحدة.
تنقل "ترو" عن عاموس هرئيل المراسل العسكري ومحلل شؤون الدفاع بصحيفة هآرتس الإسرائيلية قوله: "غانتس يتعرض الآن لضغوط علنية كبيرة لتشكيل حكومة وحدة وطنية مع حزب الليكود، ولكنه لا يستطيع أن يملي شروطه عليهم، وتابع: "سيكون هناك المزيد من السياسيين الذين سيخرجون، وهناك مقالات أخرى مكتوبة تطالبه بالكف عن هذا الهراء حول ادانة نتنياهو، ما نحتاج إليه هو إسرائيل موحدة قوية، الأمر الذي قد ينجح مع نتنياهو".
ومع ذلك، فإن هذه مقامرة خطيرة بالنسبة للزعيم الإسرائيلي، الذي قال مرارًا وتكرارًا إنه لا يريد حربًا مدمرة أخرى مع غزة، لا يمكن لأي طرف الانتصار فيها حقًا. في الوقت الحالي، لم يُقتل أي مواطن إسرائيلي أو يتعرض للإصابة بجروح خطيرة على الرغم من سقوط مئات الصواريخ على اسرائيل.
وتحدث هرئيل وخبراء آخرون لصحيفة "الإندبندنت" أن المواقف الإسرائيلية تجاه الحرب قد تتغير إذا كانت هناك خسائر إسرائيلية، أو إذا تم جر حماس، الجماعة المسلحة التي تدير غزة، إلى المعركة.
ويضيف هرئيل في غزة، حيث ارتفع عدد القتلى من الضربات الإسرائيلية إلى 24، بينهم ثلاثة أطفال، فإن الخلاف المتزايد بين الفصائل المسلحة يشكل ضغطاً على الوضع المتفجر.
توضح "ترو" أنه لا يبدو أن حركة حماس حالياً تقوم باطلاق صواريخ على إسرائيل، ولكن اطلاق الصواريخ يأتي حصراً من سرايا القدس التابعة لحركة الجهاد الإسلامي،
يقول الخبراء إن حركة حماس لا يمكنها تحمل مخاطر أن تبدو وكأنها تتجاهل الجماعات المسلحة الأخرى، ولكن مع وجود مليوني من سكان غزة على شفا كارثة إنسانية، فإن حركة حماس لن ترغب في محاربة اسرائيل في ظل استمرار الحصار الخانع على قطاع غزة والذي استمر لاكثر من 12 عام.
ترى "ترو" أنه خلال الأشهر القليلة الماضية، كانت هناك بالفعل فجوة آخذة في الاتساع بين حماس والجهاد الإسلامي المدعومة من إيران، مع تميز الأخيرة بوجود هيكل قيادي أكثر مرونة، تأخذ الأمور بنفسها بشكل متزايد.
وتعتقد "ترو" أن أبو العطا، الذي كان يقود المقاتلين شمال قطاع غزة، قد نفذ عدة هجمات ضد إسرائيل، ربما لم توافق عليها غرفة العمليات العليا.
على النقيض من تهديدات حركة الجهاد الإسلامي السابقة بالحرب، قال حازم قاسم، الناطق باسم حركة حماس ، لصحيفة "الإندبندنت": "إن الفصائل المسلحة في غزة لا تريد صراعاً طويلاً مع إسرائيل. وأضاف: أن المقاومة لم تبدأ بالتصعيد ولا تريده، وان إسرائيل هي التي فرضت التصعيد علينا... الفصائل لا تريد حرباً أو أي مواجهات أخرى. فهي ترد فقط على العدوان، والحرب لن تحدث إلا إذا أرادت إسرائيل ذلك".
توضح "ترو" بأن قاسم تهرب مراراً وتكراراً من الأسئلة حول ما إذا كان مقاتلو حماس يطلقون صواريخ على إسرائيل، إلى جانب سرايا القدس. ولكنه أكد أن هناك تنسيق بين الجميع على الأرض.
تقول مراسلة صحيفة "الإندبندنت" بأن الخطاب الصادر عن حركة الجهاد الإسلامي هو الأكثر جرأة، فقد قال قادتها إنه تم تجاوز الخطوط الحمراء وإن مقاتليها ذاهبون للحرب. وتضيف أن قادة الحركة بحاجة لأن يثبتوا للقاعدة الداعمة لهم أنهم نجحوا في الثأر ليس فقط من مقتل أبو العطا بل أيضًا من ضربة جوية نفذتها إسرائيل استهدفت قياديًا بارزاً بحركة الجهاد الإسلامي في العاصمة السورية دمشق.
توضح "ترو" بأن هذه الضربة التي استهدفت منزل أكرم العجوري، الذي لا يُعتقد أنه قتله، تمثل طفرة جديدة في الحرب المفتوحة بين إسرائيل ووكلاء إيران في المنطقة.
يتحدث هرئيل: "لا تتجاهلوا ما حدث في دمشق، بافتراض أنه عمل إسرائيلي، فستكون هذه رسالة قوية للإيرانيين. إيران جزء من الصورة-الأمر لا يتعلق بمواجهة بين إسرائيل وحركة الجهاد الإسلامي أو إسرائيل ضد غزة فقط".
ويعتقد العميد يتسان نورييل الخبير الإسرائيلي والباحث في المعهد الدولي لمكافحة الإرهاب أن إيران تختبر قدرات إسرائيل الدفاعية والقبة الحديدية الشهيرة من خلال وابل من الصواريخ يطلقها مقاتلو حركة الجهاد الإسلامي في غزة، وذلك لاستكشاف تنفيذ هجمات بواسطة طائرات مسيرة أو صواريخ على إسرائيل، وذلك على غرار الضربات المزعومة التي نفذتها طهران ضد المملكة العربية السعودية.
ويتسائل العقيد الإسرائيلي: " كيف تدرس نظام الدفاع الصاروخي؟ أنت تصنع سيناريوهات حيث يمكنك إطلاق النار في مناطق مختلفة وتشاهد ما سيحدث".
تضيف "برو" أنه في الوقت الحالي، ليس من الواضح كيف ستنتهي نوبة العنف هذه. يقوم المسؤولون المصريون مرة أخرى بوساطة "غاضبة" بين جميع الأطراف، بدعم من حركة حماس، التي يبدو أنها تريد أيضًا أن تتخلص بسرعة من التصعيد.
في هذه الأثناء، سافر نيكولاي ملادينوف، مبعوث الأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط إلى القاهرة في محاولة لتهدئة التوترات، وتتابع برو بأن هذه المهمة شاقة حيث يتمسك كل طرف بموقفه. ولا توجد صورة واضحة عن شكل النصر.
وخلص العميد نورييل إلى أن الطرفين لن يرفعا الراية البيضاء، فالكل سيبحث عن رواية ليسوّقها لشعبه. ولا يوجد صورة لمنتصر.