الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

اغتيال أبو العطا وكمائن الإعلام الإسرائيلي

2019-11-24 07:20:04 AM
اغتيال أبو العطا وكمائن الإعلام الإسرائيلي
بهاء أبو العطا

الحدث ـ محمد بدر

انتهى العدوان الأخير على قطاع غزة والذي كان قد بدأ باغتيال القيادي في حركة الجهاد الإسلامي بهاء أبو العطا بتاريخ 12 نوفمبر الجاري. لكن المواجهة التي اندلعت في أعقاب الاغتيال واستمرت 48 ساعة أثارت أسئلة مهمة في السياق الإعلامي الإسرائيلي والفلسطيني.

 الصحفي الإسرائيلي.. كمين من نوع آخر

منذ مايو الماضي بدأ الإعلام الإسرائيلي بالتركيز على شخصية الشهيد أبو العطا بوصفه الرجل القوي الذي يفرض أجندته الخاصة على "إسرائيل" وقطاع غزة وأحيانا المنطقة. وكان التقرير الأول عن الشهيد أبو العطا من إعداد الصحفي الإسرائيلي جال بيرغر العامل في شبكة هيئة البث الإسرائيلية "كان".

الصحفي الإسرائيلي يحاول بناء علاقات مع صحفيين في قطاع غزة والضفة الغربية وفتح "نقاشات" حول الأوضاع الأمنية والسياسية

صحيح أن بيرغر وغيره من الصحفيين الإسرائيليين لا يستطيعون نشر أي معلومة متعلقة بالأمن الإسرائيلي إلا بموافقة المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، إلا أن بيرغر نفسه يحاول بناء علاقات مع صحفيين في قطاع غزة والضفة الغربية وفتح "نقاشات" حول الأوضاع الأمنية والسياسية، ويشترك مع بعضهم في مجموعات واتس أب، ومع أن هذا الحديث يأخذ طابع النقاش العام إلا أن بيرغر ذكي في طرح أسئلته وإدارة النقاش ويجتهد في الوصول إلى معلومات من هؤلاء الصحفيين لبناء تصور قابل للتحليل والارتكاز، وهذا الافتراض من خلال اطلاع مباشر على بعض اتصالاته.

في الفترة التي نشر فيها الصحفي بيرغر تقريره حول الشهيد أبو العطا كان هناك بالفعل نقاش فلسطيني داخلي حول شخصية الشهيد أبو العطا، فبينما كان يرى مريدوه ومؤيدوه بأنه الحارس الاستراتيجي لدماء الشهداء، كان البعض يرى أنه يتعامل مع الاحتلال بمنطق الند بالند بعيدا عن أي اعتبارات سياسية وبعيدا عن المعطى السياسي. العبرة في ذلك، أن بيرغر كما يبدو لمس واستشعر هذا النقاش.

على المؤسسات الصحفية الفلسطينية تحديد وصياغة مفاهيم جديدة للعلاقة مع ممثلي الإعلام الإسرائيلي، تقوم على المقاطعة التامة غير الانتقائية.

وسواء كان طرح اسم أبو العطا من خلال توصيات من المستوى الأمني الإسرائيلي أو من خلال اقتراحات من قبل الصحفيين الإسرائيليين وفيما بعد تم الاستثمار أمنيا في هذه الحالة الإعلامية، إلا أن بعض التصورات والانطباعات التي نقلها الصحفيون الإسرائيليون كانت نتيجة النقاشات التي استشعرها هؤلاء الصحفيون، مع الإشارة إلى أن الصحفي الإسرائيلي يحاول أنسنة هذا التواصل وتصويره على أنه تواصل مهني بين صحفيين خارج دائرة الصراع، وهذا يتطلب فعليا من المؤسسات الصحفية تحديد وصياغة مفاهيم جديدة للعلاقة مع ممثلي الإعلام الإسرائيلي، تقوم على المقاطعة التامة غير الانتقائية.

 

لكن وبالعودة للتقارير التي كتبت عن الشهيد أبو العطا قبل استشهاده، نجد تناقضا في الطرح فيما بينها، تمثل في مسألتين رئيستين: الأولى، بعض التقارير كانت تشير إلى أنه مرتبط بشكل وثيق بأمين عام حركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة وأنه يتلقى أوامره مباشرة منه على غير رضى من حركة حماس. الثانية، تقارير أخرى كانت تذهب باتجاه أن الشهيد أبو العطا لا يتلقى أوامره من النخالة وإنما ينفذ عمليات إطلاق الصواريخ بناء على رؤيته الخاصة.

تمنح المؤسسة الأمنية الإسرائيلية الصحفي الإسرائيلي عناوين كبيرة للعمل ضمنها بالإضافة لمعلومات أساسية حول القضية

انطلاقا من هذا التناقض في الطرح يمكن الافتراض أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية في بعض القضايا تمنح الصحفي الإسرائيلي عناوين كبيرة للعمل ضمنها بالإضافة لمعلومات أساسية حول القضية. ففي حالة أبو العطا، كان من الواضح أن الهدف التركيز على شخصيته وعلى أنه شخصية إشكالية، على أن يجتهد الصحفي الإسرائيلي في الحصول على المعلومات التي تغذي مادته الإعلامية، وهذا بكل تأكيد يستلزم الاعتماد نسبيا على مصادر فلسطينية. وهذا يجب أن لا يفهم بأن بيرغر وغيره من الصحفيين الإسرائيليين يعملون كبديل عن المخابرات الإسرائيلية، او أنهم متورطون فعليا في عمليات أمنية مباشرة.

خطاب إنساني أم خطاب قوة؟

خلال جولة التصعيد الأخيرة في قطاع غزة، كان لافتا أن الإعلام الفلسطيني قد تجند بمختلف مرجعياته السياسية (ما عدا الإعلام الرسمي) في خدمة مشروع ومشروعية المواجهة. لكن الأمر لم يخلو وكما في كل جولة تصعيد من الانتقاد الذي توجهه بعض النخب لطريقة تعاطي الإعلام الفلسطيني غير الرسمي مع جولات التصعيد والعدوان على قطاع غزة. فهؤلاء يعتقدون أن الأولى هو للخطاب الإنساني الذي يكشف حجم الجريمة الإسرائيلية مع تأكيدهم على أن خطاب القوة في غير صالح الشعب الفلسطيني وقضيته.

المقاومة الفلسطينية تخوض معركة وعي مع ما يسمى بالمجتمع الإسرائيلي من خلال خطاب القوة لإحباطه ودفعه للتفكير بخيارات أخرى غير استقراره في هذه الأرض

هذه النخب بحسن أو بسوء نية تؤكد من خلال افتراضاتها واقتراحاتها على أن المقاومة الفلسطينية تعيش أزمة أخلاقية لا تمنحها حق الظهور، معتقدة أن العالم يعيش في أفضل حالاته الأخلاقية والقانونية. إن هذا ضروري ومهم مع عدم فصله عن الخطاب المتعلق بحق المقاومة في الدفاع عن الشعب الفلسطيني. كما أنه من المهم التوضيح أن المقاومة الفلسطينية تخوض معركة وعي مع ما يسمى بالمجتمع الإسرائيلي من خلال خطاب القوة لإحباطه ودفعه للتفكير بخيارات أخرى غير استقراره في هذه الأرض. فقد شاهد غالبيتنا تعليق أحد المستوطنين على صاروخ براق الذي استخدمته حركة الجهاد في جولة التصعيد الأخيرة، مؤكدا أنه لا يمكن العيش في ظل هكذا صواريخ ثقيلة وأنه يفكر بالرحيل، وهذه الفكرة قاتلة بالنسبة لدولة مهووسة في إشغال الجغرافيا بالاستيطان والمستوطنين، وهذا أمر يستنزفها سواء من خلال محاولة تطوير أنظمة عسكرية أو من خلال تقديم مزايا لهؤلاء المستوطنين، ولعل الوجه الإيجابي لهذه المزايا هو استنزافها للميزانية في "إسرائيل"، وقد ظهرت مؤخرا أزمة بين وزارتي المالية والجيش بسبب طلب الأخيرة لميزانيات إضافية من أجل تطوير أنظمة الدفاع.

"كان أبو العطا طالبا متفوقا وقد كان بإمكانه أن يكون اليوم محاضرا في إحدى الجامعات لو أكمل وحصل على شهادات عليا.. أيضا كان سيبقى في جوار ابنته فاقدة الأب والأم.. لكن أمثال أبو العطا لا يقبلون إلا أن يكونوا مقاتلين مؤلمين وشهداء في وطن محتل". هذه الكلمات كتبها ناشط على مواقع التواصل الاجتماعي، وتفكيكها يضعنا أمام عبقرية في الجمع بين الخطاب الإنساني وخطاب القوة، ولعل هذا ما نحتاجه.