من بين زحام الحروف
المصقولة في المفردات،
ومن بين أقوال مأثورة عن
الحرية والانتصار،
ترى الموت، بلهفة العاشق،
يستقبل أجسادهم رحمة
عليهم من الحياة.
من بين نزوة مرضية عن الخلود
وهاجس علني عن الزوال
تختزل الأرض ذاكرة المكان
برائحة التراب بعد السماء الأولى،
بعنقود رُصع بالحنين
مع أثير كل فجر جديد،
بجنون درويشي عن
القهوة الصباحية،
بهوس فيروزي يناجي
النفس وما شيدته
الأغنيات،
وبهستيريا ماغوطية عن
الخيانات المشروعة للوطن والحريات.
هناك — في ذاك المكان
يخاطب إنسان آخر
عن أول أيام الخريف،
عن أول وردة نرجس،
عن صورة لتجلي التاريخ
في أكذوبة من زجاج
فالتاريخ لا يكترث
لموتاه، فما الموت
سوى حروف على رقعة من رخام.
هنا — في هذا المكان،
نحن لسنا بشيء
سوى أحلام شوهها النسيان،
بين سخرية قاتليها
وبكاء ناي على صورة
بَنَتْها الذكريات مع الغياب.
هذه الحياة لا تناسبنا
لأن مهنتنا الأزلية
هي أن نحلم حتى
نصير أحلامنا.