ترى، هل يكمن النجاح في مقاومة "أي عدو"، باللجوء إلى أسلوب المواجهة معه وجها لوجه؟، أو بتكرار أساليب المقاومة، حتى وإن مضى عليها قرن "وعامان" من الزمان؟. يجيب على هذا السؤال الكاتب روبرت غرين، في كتابه الشهير (33 استراتيجية للحرب)، حيث يقول:
لا تعتمد في أسلوب نضالك ومقاومتك على طريقة كانت قد نجحت معك في السابق عندما استعملتها أول مرة!.
لذلك، فلا تكرر أخي المقاوم أسلوب مقاومتك!، فقد ينجح عدوك الذكي بدراسة أخطائه، بعد أن يكون قد درس وفهم أسلوبك المتكرر في المقاومة وفي النضال. كما أنه سيستخلص العبر بسهولة من نجاحاتك، بعد أن صار عارفا ومتكهنا بأسلوب قتالك ومقاومتك ومغزى خطواتك. لذا، عليك دائما أيها المقاوم أن تطور خطوات نجاحاتك وتجدد أشكال وأسلوب نضالاتك، وأن تغير أسلوب وطرق قتالك، كي لا يستطيع عدوك أن يتكهن أو يحزر خطواتك، وهو ما فعله الملاكم الأميركي الشاب "كاسيوس كلاي 1942-2016"، عندما تحدى بطل العالم في الملاكمة آنذاك، سوني ليستون، الذي كان يكبره ب 8 سنوات، وخبرات قتالية بعشرات المباريات.
والتقى الملاكم الشاب بغريمه البطل، مساء يوم 25 فبراير 1964، على الحلبة في مدينة ميامي في ولاية فلوريدا، بعد أن كان قد شن حملة إعلامية ضوضاء غير مسبوقة في تاريخ الملاكمة، ضد خصمه الوحش، واصفا إياه "بالبطل الجبان"، والبطل العجوز"، مهددا بانتزاع لقب البطولة منه في "الجولة الثامنة" من المعركة. ومع أن جسم كلاي كان أكثر ضآلة من أن يصبح بطلا للعالم في الوزن الثقيل، إلا أنه استمر في تصعيد حملاته الاستفزازية لإخراج خصمه البطل من طوره ومزاجه الطبيعي. واستمرت الشتائم تخرج سيلا من فم الملاكم الثرثار ضد خصمه، حتى وهو يقاتله على الحلبة. كان اعتقاد الجميع، أن بطل العالم سوف يسحق وجه منافسه الشاب وسيحطمه.
وبدأت المباراة، وبدأ العالم يرى ويشاهد أسلوبا جديدا في النزال لم تكن الحلبات الأميركية تعرفه من قبل؛ فتارة كان كلاي يقف أمام خصمه وهو يراقصه، وتارة يبدأ بالرقص والدوارن حول الحلبة، وتارة يضع يديه إلى جانب جسمه، في إشارة استفزازية لخصمه، وكأنها دعوة لهجوم مدبر. كان الرجل يستدرج خصمه، بحيث يصبح وجه ملاكمه قريبا من قبضة يديه، التي قيل بأنها كانت أسرع لكمات في تاريخ الملاكمة، حتى قدرت قوتها بأنها تعادل قوة 1000 باوند!، وقيل بأن الرجل، يطير كالفراشة، ويلسع كالنحلة، وهو أسلوب في القتال و"المقاومة" لم تشهده حلبات الملاكمة من قبل.
وبعد نهاية المباراة، أعلن الرجل إسلامه، وأصبح اسمه "محمد علي"، قبل أن يهزم غريمه مرة أخرى في أيار عام 1965، ليستتب له بعد ذلك، لقب بطل العالم في الوزن الثقيل 3 مرات.
كان نجاح كلاي في هزيمة خصومه والانتصار عليهم، بأنه لم يكن يلاكم بالطريقة التقليدية، التي كانت (وما زالت سائدة حتى اليوم). كان الرجل يبدي ترددا في الالتحام الجسدي مع خصومه، وهي الطريقة التي كانت "اعتيادية" أيضا في إنهاك الخصم على حلبة ملاكمات الوزن الثقيل آنذاك، وحتى اليوم!. وفهم "محمد علي" أن الطريقة الوحيدة لكي لا تكون تقليديا هي ألا تقلد أحدا! وأن تبتكر استراتيجية تناسب أسلوبك أنت، لا العكس.
وفي الهند، ومنذ العام 1856، ظلت شركة الهند الشرقية البريطانية تحكم أراضي الهند وباكستان وبنغلادش...!، لا بل ولنقل إن بريطانيا العظمى هي التي استعمرت واستمتعت بخيرات أراضي شبه الجزيرة الهندية. ومع أن الثورات المسلحة ضد المستعمر البريطاني لم تتوقف رغم استشهاد عشرات الآلاف من الوطنيين الهنود، مسلمين وهندوس ومسيحيين؛ إلا أن بريطانيا استطاعت قمع كل الثورات طيلة قرن من الزمان، بعد أن درست وفهمت أساليب الثوار المتكررة في القتال، حتى جاء "المهاتما غاندي" بأسلوب نضالي جديد، خلافا لكل أساليب المقاومة والنضال التي ظلت تتكرر ما يقارب المائة عام، واستطاع الرجل إخراج البريطانيين عام 1947، دون إطلاق رصاصة واحدة، بعد أن دعا إلى مقاومة ومقاطعة كل البضائع البريطانية "دون استثناء". وهكذا، فإن التغيير في أساليب المقاومة والنضال، تجعل من الصعب على عدوك وعلى الآخرين، التكهن وتتبع خطواتك النضالية القادمة.
ترى؟ ألم يحن الوقت، منذ وعد بلفور وحتى وعد ترامب، بأن نبدأ بدراسة وتحليل نتائج ثوراتنا وانتفاضاتنا، والتفكير بتغيير أساليب احتجاجاتنا، واستنكاراتنا، وتنديداتنا، وشعاراتنا، وتعطيل مدارسنا وجامعاتنا، لنغير من أساليب وأدوات نضالنا، لعل وعسى، نستطيع بعدها أن نقاوم كلسعة النحل، أم أننا شعب لا تنفع فينا الدراسات، أو حتى استخلاص العبر؟.