الصدمة فيما يجري في قضية رواتب الأسرى لا تقتصر على الجانب السياسي، بل تنال في الصميم مبدأ سيادة القانون والحق في الكرامة الإنسانية. إن عدم معالجة هذه القضية بطريقة قانونية حقيقية بالضروري ستساهم في التأسيس لمشهد مؤلم، جميعنا نخاف من مجرد التفكير فيه، وأيضا لا نحب أن نخوض نقاشه في العلن. بالمقابل، لا يجب أن نضع رؤوسنا في الرمال، فهذه القضية نشأت أساسا عن نقاش غير علني، بل أسوأ من ذلك، عن نقاش غير صريح يتعلق بسياسة دعم الأسرى. ما يعنينا الآن هو آثار هذه السياسة على مبدأ سيادة القانون والكرامة الإنسانية.
عندما يحضر رئيس الوزراء إلى مكان الاعتصام ويطلب من الأسرى الحضور إلى مكتبه الساعة الثانية ظهرا تحديدا، ويشار إلى هذا الحضور وهذه الدعوة سببها إعادة الاعتبار لكرامة الأسرى المعتصمين، بسبب فض اعتصامهم بصورة غير قانونية من قبل قوى الأمن، إضافة إلى حسم مسألة حقوقهم في الراتب، وإنهاء هذه القضية التي نشأت عن سنوات طويلة من الإجحاف، يظهر هذا المشهد بأنه يؤسس إلى حالة إيجابية مستقبلية بالرغم من سلبية ما يرافقه من نقاش حول سبب قطع الراتب والإجراءات التي تم من خلالها هذا القطع والمسؤولية عن كل ذلك.
مجتمعيا، ومن خلال العديد من المتابعين، جرى استنكار واسع لفض الاعتصام بالطريقة التي تم بها، وتم التشديد على حق الأسرى في الاعتصام والمطالبة بحقوقهم المالية، ورافق ذلك مطالبة الحكومة بإعادة النظر في قرارها المتعلق بقطع رواتب الأسرى، وبمراجعة قرار فض الاعتصام والتحقيق بهذا الخصوص. ترافق ذلك، مع نقاش مسألة إبعاد الحكومة نفسها عن مشهد فض الاعتصام، وأعاد إلى الأذهان حالة استنكار الحكومة لقرار محكمة صلح رام الله حجب مواقع صحفية بطلب من النيابة العامة والأجهزة الأمنية. وعادت مسألة كيفية اتخاذ القرارات في الحالة الفلسطينية، خاصة المتعلقة بسيادة القانون والحقوق والحريات، تطفو على السطح.
ما تناقلته وسائل الإعلام لاحقا لاجتماع ممثلي الأسرى مع رئيس الوزراء، وإعادة إعلانهم الاعتصام والإضراب، بسبب إبلاغهم أن رئيس الوزراء ليس الجهة المخولة باتخاذ القرار النهائي في هذا الخصوص، وأن اللاعبين الأساسيين في هذه الحالة هم رئيس جهاز المخابرات والرئيس. بمعنى أن الحكومة أعلنت أن نقاش هذه المسألة يندرج في إطار المسائل السيادية وليست القانونية، وأن هذا الاختصاص يتقرر في مستوى آخر مختلف عن المستوى المعلن والظاهر في نصوص القانون التي تعتبر مجلس الوزراء بأنه الأداة التنفيذية والإدارية العليا حسب المادة (63) من القانون الأساسي، خاصة في قضايا الشأن الداخلي.
هذا الإعلان، يعتبر الأخطر على مبدأ سيادة القانون، حيث يظهر وجود حكومة هجينة، هي خليط من حكومة ظاهرية منصوص عليها في القانون الأساسي ويفترض أن تكون ديمقراطية، لكنها في حقيقتها تستند في شرعيتها إلى الحكومة الفعلية، والحكومة الفعلية الحقيقية التي تعمل في الظل وفق إجراءات لا تتعلق بمبدأ سيادة القانون، وتستند في شرعيتها لاعتبارات لا تتعلق في القانون الأساسي أو مبادئ الديمقراطية. وأن ظهور الحكومة في الإعلام هو شكلي فقط لغايات إعلامية.
إذا أردنا إعادة الاعتبار لمبدأ سيادة القانون والإجراءات، ونقاش المسؤولية القانونية عن هذه الحالة، وضمان عدم تكرارها مستقبلا؛ يجب أن تتم معالجة هذا الموضوع بصورة علنية، وفق إجراءات علنية، وأفضل وسيلة لتحقيق ذلك هو التقدم لمحكمة العدل العليا، وطلب إلزام الحكومة، وفقا للقانون، بإعادة دفع هذه الرواتب وتعويض الأشخاص المتضررين من هذا القطع، ولاحقا يتوجب على الجهات المجتمعية خاصة النقابات ومؤسسات المجتمع المدني، تحمل مسؤوليتها في إعلان جديتها في المحافظة على مبدأ سيادة القانون والكرامة الإنسانية، باعتبار أن كرامة الأسرى هي تمثيل حقيقي لكرامة الشعب الفلسطيني وعدالة قضيته.