منسق النادي الفلسطيني بجامعة 6 أكتوبر: الإعلام المصري يصورنا كأعداء لهم
الرقب: سماسرة التعليم يحصلون على مبالغ تصل إلى 10 آلاف دولار مقابل تسجيل الطلاب
القاهرة- بهاء الدين محمد
يعاني نحو 14 ألف طالب فلسطيني في مصر، معظمهم من أبناء قطاع غزة من ثلاث مشكلات رئيسية تتمثل في صعوبة الحصول على الإقامة؛ والقيود على حرية تنقلهم بين غزة ومصر عبر معبر رفح البري؛ وصعوبة الحصول على الموافقات الأمنية من السلطات المصرية. وقد تصاعدت هذه المشكلات المزمنة في الفترة الأخيرة نتيجة سوء الأوضاع الأمنية في شمال سيناء بعد 30 يونيو وأزمات معبر رفح المتكررة التي أدت إلى وجود أكثر من 2000 طالب عالقين في قطاع غزة لم يتمكنوا حتى الآن من الالتحاق بالفصل الدراسي الأول لهذا العام، فضلاً عن تأثير الانعكاسات السلبية للتوترات السياسية بين حركة حماس المؤيدة للرئيس المصري المعزول وبين السلطات الانتقالية في مصر.
الإقامة
“نأمل أن نعيش كما كنا في عهد الرئيس جمال عبد الناصر”، هكذا علق الدكتور أيمن الرقب أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس المفتوحة على مشكلة الإقامة التي يعاني منها الطلاب الفلسطينيون، وخاصة طلاب الدراسات العليا منهم.
فخلال حقبة حكم الرئيس عبد الناصر كان الفلسطينيون في مصر يعاملون كالمصريين من حيث العمل والإقامة والتعليم المجاني والصحة وكافة الخدمات بل والعمل في وظائف القطاع العام وفقاً لقانون 66 لعام 1962، غير أن التوترات السياسية التي حدثت في نهاية السبعينيات من القرن الماضي انعكست سلبياً على أوضاع الفلسطينيين في مصر، فقد كان لتوقيع مصر على اتفاقية كامب ديفيد واغتيال وزير الثقافة المصري يوسف السباعي على يد مجموعة خارجة عن منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة أبو نضال من المؤثرات السلبية على علاقات مصر مع الفلسطينيين، وعلى أثرها تم تعديل الأنظمة والسياسات الإدارية بحيث يعامل الفلسطيني في مصر على أنه أجنبي.
وتعد مشكلة حصول الطالب الفلسطيني على تصريح الإقامة أحد أبرز المشكلات التي يعاني منها الطلاب، فمن الممكن أن يتم ترحيل الطالب خارج الأراضي المصرية ليس لأنه غير حاصل على الإقامة من الأساس، بل لمجرد اكتشاف السلطات المصرية أن إقامته المنتهية لم يقم بتجديدها بعد، وهو قد يكون قد تقدم بالفعل بطلب تجديدها الذي يستغرق نحو 20 يوماً. ويؤكد “الرقب” أن بعض الطلاب قد يمضي عاماً كاملاً قبل الحصول على الموافقات الأمنية اللازمة لالتحاقه بالجامعات أو معهد البحوث والدراسات العربية التابع لجامعة الدول العربية وغير التابع للسلطات المصرية بالأساس. ويرى “الرقب” أن أجهزة الأمن قد ترفض أو تماطل في منح الموافقات الأمنية والإقامة لطلبة معهد البحوث العربية بحجة أن الطلاب يسجلون بالمعهد فقط من أجل الحصول على الإقامة وليس بغرض الدراسة.
ويقول الطالب محمد أحمد منسق النادي الفلسطيني بجامعة 6 أكتوبر أن حصول أي طالب على الإقامة يمثل رحلة معاناة تستمر ثلاثة شهور قبل صدورها، حيث يحصل الطالب على الإقامة على 4 مراحل من الإجراءات التي تستمر خلال الشهور الثلاثة مما قد يضيع عليه الفصل الدراسي بالكامل أو يعرضه للترحيل والمضايقات الأمنية، خاصة مع زيادة فرص توقيفه بالأكمنة الأمنية خلال حظر التجول المعمول به الأن في مصر. وقال للحدث: “ذهبت 5 مرات إلى إدارة الجوازات والهجرة في مدينة 6 أكتوبر للحصول فقط على استمارة الإقامة وفي كل مرة ينتهي وقت الدوام قبل وصولي لشباك الاستمارات، ويكون رد الموظف في حالة الشكوى هو (مش عاجبك إرجع على بلدك)”. وطالب محمد بضرورة تخصيص شباك خاص باستخراج إقامات الطلبة الفلسطينيين في مدينة 6 أكتوبر كما هو المعمول به في مجمع التحرير الحكومي بمحافظة القاهرة.
المعبر.. مقصلة أحلام الطلبة
يعد معبر رفح، الذي يُغلق أكثر مما يُفتح، المتنفس الوحيد لسكان قطاع غزة الذي يربطهم بالعالم الخارجي. ومن المعروف للجميع مدى المعاناة التي يعيشها الغزيون من جراء الإغلاق المتكرر للمعبر، لكن مؤخراً مع بدء العام الدراسي الجديد تصاعدت معاناة الطلاب الفلسطينيين بشكل خاص، الذين لم يجد العشرات منهم خلال الشهرين الماضيين سوى الاعتصام أمام المعبر للمطالبة بفتحه والسماح لهم بالسفر والالتحاق بجامعاتهم قبل فوات الأوان.
وقد أدت الأوضاع الأمنية المتفاقمة في شمال سيناء إلى تشدد السلطات المصرية في فتح المعبر، فضلا عن السماح لفئات محددة –غالباً من الطلاب والمرضى- بالمرور، سواء بفتح المعبر فقط لتلك الفئات أو تخصيص أيام محددة لمرور كل فئة، بما يمنع الفئات الأخرى من المرور في غير الأيام المخصصة لها.
وكشفت اللقاءات التي أجرتها “الحدث” مع عدد من القيادات الطلابية الفلسطينية في مصر أن أزمة المعبر لا يتسبب بها فقط السلطات المصرية، ولكن أيضا حركة حماس. حيث تضع حماس الأولوية لمرور “رجالها” من رجال الأعمال والتجار قبل مرور الحالات الإنسانية والطلاب العالقين مما يؤخر مرورهم، ويؤكد الطالب أمجد أبو جياب ممثل الطلبة الفلسطينيين في جامعة القاهرة أن هناك طلاباً قطعوا المسافة من شمال غزة حتى جنوبها حيث معبر رفح أكثر من 10 مرات دون أن يتمكنوا من المرور، نتيجة أن حركة حماس التي تسيطر على الجانب الفلسطيني من المعبر تسمح بمرور فئات غير المفترض مرورهم مما يقع بالضرر على الطلاب وخاصة طلبة الكليات العملية والطب الذين ينبغي عليهم الحضور أكثر من طلاب الكليات النظرية.
ولا تقتصر معاناة الفلسطينيين في دخول مصر على معبر رفح وحسب، بل تمتد لتشمل سوء المعاملة التي يلقاها الطلاب مؤخراً حتى في مطار القاهرة وإن كان لديهم إقامات وأوراق كاملة، نتيجة التحريض الإعلامي ضد الفلسطينيين بعد 30 يونيو لاتهامهم بالتدخل في الشأن المصري وتأييد جماعة الإخوان المسلمين.
سماسرة التعليم
دائما ما تناشد السفارة الفلسطينية بالقاهرة الطلاب وذويهم وغيرهم من الراغبين في السفر إلى مصر بعدم التعامل مع مكاتب الخدمات الطلابية وما يتصل بها من مكاتب السياحة والسفر ونحوها، وتشدد على ضرورة تواصل أي فلسطيني يرغب في القدوم إلى مصر مباشرة مع السفارة الفلسطينية بالقاهرة للتعامل معه وفقا للوائح والتعليمات والإرشادات المنشورة المتعلقة بهذا الخصوص.
ويؤكد الدكتور أيمن الرقب أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس المفتوحة أن هناك بعض مكاتب الخدمات الطلابية في الضفة والقطاع التي تعرض على أسر الطلاب الحصول لأبنائهم على مقعد في إحدى الجامعات المصرية مقابل مبالغ مالية تتراوح بين 5000 إلى 10,000 دولار، مما يجعل العديد من الأسر ضحايا استغلال تلك المكاتب التي تحذر السفارة الفلسطينية من التعامل معها.
ويؤكد الطالب محمد أحمد منسق النادي الفلسطيني بجامعة 6 أكتوبر أن هذه المكاتب تستغل رفض أو تأخر بعض الجامعات في قبول الطلبة الفلسطينيين فتقوم باستغلال أولئك الطلبة وتسجيلهم مقابل مبالغ مالية طائلة مستغلين علاقاتهم والرشا التي يقدمونها للموظفين بالجامعات الخاصة.
التحريض ضد الطلاب بعد 30 يونيو
أدت التوترات السياسية بين حركة حماس والسلطات الانتقالية في مصر إلى انتشار تحريض الإعلام المصري ضد الفلسطينيين لاتهامهم بالتدخل في الشؤون الداخلية المصرية ومحاولة دعم عودة الإخوان إلى السلطة في مصر. فالإضافة لزيادة القيود المفروضة على الفلسطينيين في مصر عبر التشدد في منح الإقامات والموافقات الأمنية، تتجسد معاناة الطالب الفلسطيني في الألم النفسي الذي يشعر به من تحريض الإعلام ضده في بلد يعتبره بلده الثاني. فضلا عن رواج الشائعات التي كان أبرزها إشاعة منع الفلسطينيين من دخول مصر بعد 30 يونيو، وهو ما قامت السلطات المصرية والسفارة الفلسطينية بنفيه.
ويقول الطالب محمد أحمد منسق النادي الفلسطيني بجامعة 6 أكتوبر لـ “الحدث” أن التحريض الإعلامي أدى إلى سوء معاملة الفلسطينيين سواء في الشارع المصري أو في الأجهزة الحكومية التي يتعاملون معها. حيث أصبحت الصورة النمطية السائدة عنهم أنهم “أعداء” يتدخلون في الشؤون المصرية ويساندون مظاهرات الإخوان بل قد تصل الاتهامات إلى أن بعضهم يقومون بعمليات إرهابية ضد الجيش في سيناء!
دور السفارة الفلسطينية
تعد السفارة الفلسطينية بالقاهرة وخاصة القسم الثقافي فيها الإطار الشرعي الوحيد لإنهاء معاملات الطلاب الرسمية، كما تمثل الملاذ الأخير لبعض الطلاب الذين يواجهون خطر المنع من حضور الامتحانات نتيجة تأخرهم في دفع المصروفات والرسوم التعليمية، ويقول الدكتور محمد خالد الأزعر المستشار الثقافي بالسفارة الفلسطينية أن السفارة تقوم في هذه الحالة بتقديم التماسات وخطابات رسمية لإعفاء بعض الطلاب أو السماح لهم بدخول الامتحانات لحين دفع المصروفات المقررة، فضلا عن السماح لهم بالحضور لحين وصول ملفاتهم لشؤون الطلاب بالجامعات.
ويقوم القسم الثقافي بالسفارة بتنظيم ورعاية الأنشطة الطلابية المحدودة وتسجيل الأسر الطلابية، ولكن تبقى هذه الأنشطة في الحدود الضيقة، حيث تفرض قيودا على نشاط الأسر الطلابية الفلسطينية التي لا تسمح الجامعات الحكومية بوجودها بشكل رسمي خوفاً من ممارستها للنشاط السياسي. ولكن لا مجال لهذه القيود في عصر “الفيس بوك” حيث يقوم الطلاب بتنظيم أنفسهم في صورة مجموعات مغلقة على مواقع التواصل الاجتماعي، كما يمتلك كل ممثل للطلاب الفلسطينيين بكل جامعة مصرية قاعدة بيانات ومعلومات اتصال بكل الطلبة يستخدمها عند الحاجة للاجتماع بهم وتنظيم فعالية معينة، وهذه الاجتماعات غالباً ما تتم في المركز الثقافي أو في مقرات اتحادات الطلاب المصريين، وفقاً لما ذكره عدد من ممثلي الطلاب.
البيروقراطية
يعاني الطلاب الفلسطينيون كغيرهم من الطلاب الوافدين من البيروقراطية وتعقيد الإجراءات وهي المشكلة المزمنة في الجهاز الإداري المصري بشكل عام. ويقول أمجد أبو جياب ممثل الطلبة الفلسطينيين في جامعة القاهرة أن هذه المشكلة يعاني منها كل الطلاب الوافدين بدون تمييز، حيث تتمثل المشكلة في تأخير صدور الأوراق وخاصة أوراق الطلبة المستجدين الذين قد ينتظرون شهرين بدون شهادة قيد بالجامعة مما يعوق حصولهم على الإقامة التي تتطلب تقديم ما يفيد بقيدهم بإحدى الجامعات المصرية، كما يمنعهم ذلك أحيانا من دخول بوابة الجامعة نتيجة عدم حصولهم على بطاقة هوية جامعية.
ويوضح منير الفيشاوي مدير إدارة الوافدين في وزارة التعليم العالي المصرية أنه طبقا للتوجيهات الأخيرة للمجلس الأعلى للجامعات تقوم كليات الجامعات المصرية بقيد الطلاب الوافدين المرشحين للقبول بها عن طريق الإدارة العامة للوافدين بوزارة التعليم العالي بصفة مؤقتة؛ على أن يسدد الطلاب الرسوم والمصروفات الدراسية ويتم السماح لهم بدخول امتحانات الفصل الدراسي الأول للعام الجامعي 2014/2013 على أن تحجب نتائجهم حتى وصول ملفاتهم من الإدارة العامة للوافدين. كما يجب أن تراعي إدارة الوافدين سرعة إرسال ملفات الطلاب الوافدين إلى الكليات المرشحين للقبول بها بالجامعات المصرية في العام الجامعى2014/2013 على أن يكون ذلك خلال شهر من بداية العام الجامعي