الثلاثاء  26 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

أسرة غزية تعجز عن التكيّف مع فقدان أطرافها

2015-01-26 11:26:08 AM
أسرة غزية تعجز عن التكيّف مع فقدان أطرافها
صورة ارشيفية

الحدث- نور أبو عيشة
 
ما أن علم الشاب وائل النملة، البالغ من العمر 32 عاماً، بنبأ إبرام هدنة إنسانية لمدة (72) ساعة، بين الفصائل الفلسطينية، وإسرائيل، صبيحة الأول من أغسطس/آب من العام الماضي، حتى قرر التوجه بصحبة أسرته، لتفقد منزله الذي غادره هربا من القصف الإسرائيلي شرق مدينة رفح.
 
لكنه لم يكن يعلم أن هذه الزيارة القصيرة، ستحيله وأسرته، إلى مجموعة من المعاقين.
 
فقد انتهت الزيارة بفقدان النملة، وزوجته، وطفله الأكبر لبعض أطرافهم السفلية، بينما أصيبت ابنته بحروق.
 
كما قُتل خلال ذات الزيارة، اثنين من أشقائه، بالإضافة لزوجة أخيه.
 
كما تسببت الحادثة، بحالة "اكتئاب" حادة أصابت العائلة، حولت حياتها إلى ما يشبه "المأساة".
 
ففي ذلك اليوم، أخبر النملة أسرته بقراره العودة للمنزل، منتهزا فرصة الهدنة، لتفقد المنزل، وهو ما أثار سعادة طفله الأكبر شريف، ابن الثلاث سنوات، الذي اشتاق لألعابه التي خلفها وراءه، خاصة الدراجة "البلاستيكية" التي أهداها إليه والده مؤخراً.
 
جمع النملة أوراقه "المهمة"، التي تثبت هويته وهوية أطفاله وزوجته، وحزم أمتعته، وانتقل مع العائلة إلى مدينة رفح، حاملاً روحاً أنهكها أكثر من (23 يوماً) من القصف الإسرائيلي المتواصل.
 
أصاب المشهد "الأول" والعام لشرق مدينة رفح المواطن النملة بالذهول، إذ تألم من رؤية منطقة سكناه، وقد تحولت إلى خراب، بفعل القنابل الإسرائيلية، لكنه تجاوز تلك "الغصة" وتابع مسيره إلى منزله.
 
وشعر النملة بالسعادة، لأن منزله بقي سليما، ولم يطله القصف الإسرائيلي، وعاش وأطفاله الساعات "الأولى" الثلاث من تلك الهدنة في أجواء من الراحة، بعيدا عن أصوات انفجارات الصواريخ.
 
إلا أن أصوات انفجارات عنيفة ومفاجئة، قطعت "فرحتهم" تلك، وبثت الخوف في أجسادهم.
 
فقد أعلنت إسرائيل فجأة وبدون سابق إنذار، تراجعها عن وقف إطلاق النار، وشنت غارات مكثفة وعنيفة على منطقة رفح، دون أن تتيح المجال للسكان للهرب، الأمر الذي تسبب بمقتل وجرح المئات.
 
وامتزجت أصوات عويل الأطفال، بصراخ النساء، والرجال، في المنطقة بعد أن تساقطت قذائف الطائرات الإسرائيلية الحربية والمدفعية كالمطر في كل مكان.
 
وبيدين ترتجفان خوفاً، تعلق الطفل "شريف" بقدمي والده، طالباً إياه بمغادرة المنزل "فوراً"، كما بدأت طفلته "عبير" ابنة "العام والنصف"، بالبكاء والصراخ واختبأت في حجر والدتها.
 
أمسك النملة وزوجته بأيدي أطفالهما، وانطلقوا راكضين في الشوارع، لا يكادون يرون الطريق أمامهم، بفعل غبار المنازل المدمرة، والدخان المنبعث من القنابل.
 
ورغم أن الأسرة المكونة من الأبوين، والطفلين، كانت ظاهرة للعيان، خلال محاولتهم الهرب، إلا أن طائرة الاستطلاع الإسرائيلية التي كانت تشارك في عمليات القصف، أطلقت عليهم صاروخين، حسبما قال الأب.
يضيف النملة:" الطائرة حاولت اغتيالنا بشكل مقصود (..) كنا واضحين جدا بالنسبة لها، فنحن لسنا مقاتلين".
 
وتسبب الصاروخان الإسرائيليان، ببتر قدم الأب النملة، فيما فقدت زوجته (إسراء) البالغة من العمر 21 عاما، كلتا قدميها.
 
أما طفله "شريف" (3 أعوام) ففقد قدمه، بينما أصيبت شقيقته "عبير" (عام ونصف) بحروق في كافة أنحاء جسمها.
 
 ليس هذا فحسب، بل فقد النملة شقيقته "أنغام"، وشقيقه "يوسف"، وزوجته "ولاء"، الذين قتلوا جراء القصف.
 
وقد تسبب القصف الإسرائيلي في ذلك اليوم، بمقتل أكثر من 140 فلسطينيا، وجرح المئات، وتضرر آلاف المنازل، حسب وزارة الصحة الفلسطينية.
 
نقل "النملة" وأسرته إلى المستشفى، لتلقي العلاج، واستيقظوا على أسرة بيضاء، ملطخة بالدماء.
 
كان الوالد "وائل" أول من فتح عينيه، داخل المستشفى، حاول التحرك لـ"الاطمئنان" على باقي أفراد أسرته، إلا أن عائقاً لم يستوعبه في بداية الأمر، حال دون ذلك.
 
محاولات كثيرة أجراها النملة للوقوف على أقدامه، إلا أنه عجز عن القيام بذلك، وبعد أن تحسس موضع قدمه "اليسرى" لم يجدها.
 
ابتلع النملة وجعه، وبتمتمة سأل أحد اقربائه الذين مكثوا بالقرب منه داخل المستشفى عن مصير زوجته وأطفاله، ليُصدم بنبأ فقدان طفله "شريف" لقدمه اليمنى، وفقدان زوجته كلتا قدميها، وإصابة طفلته عبير بحروق في جسدها.
وما أن استيقظ من هول الفاجعة، حتى أُخبر بنبأ مقتل شقيقته، وشقيقه، وزوجته.
 
ورغم مرور قرابة 5 شهور على الفاجعة، إلا أن آثارها ما تزال مستمرة، حيث يعاني أفراد الأسرة من الاكتئاب، والإحباط
 
فـ "شريف"، أصبح طفلا عصبيا، دائم البكاء، رافضا التأقلم مع وضعه الجديد، ويأبى ارتداء القدم الصناعي، الذي صمم بديلا عن قدمه.
 
ولم يعد شريف قادرا على سياقة دارجته الهوائية الصغيرة، التي طالما جاب بها أرجاء المنزل، وبات بحاجة لمساعدة شقيقته عبير في دفعها إلى الأمام.
 
وتتمنى الوالدة "إسراء" التي فقدت كلتا قدميها، لو أن الإصابة اقتصرت عليها فقط، في الوقت الذي يشعر الوالد "وائل"، بـأن الحرب دمرت حياة عائلة بـ"أكملها".

المصدر:الاناضول