الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

دحض الرواية الصهيونية المدخل الأهم في الصراع| بقلم: د. غسان طوباسي

2019-12-02 07:25:45 PM
دحض الرواية الصهيونية المدخل الأهم في الصراع| بقلم: د. غسان طوباسي
د. غسان طوباسي

لقضيتنا الوطنية خصوصية مُعقدة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، وذلك بالأساس لصراع حول مُلكية هذه الأرض ولقلب الصورة الحقيقية الاستعمارية للمشروع الصهيوني، وكما نعلم فإن المستند الأول في المشروع الصهيوني هو الأساطير الدينية المزعومة والتي تتلخص بأن هذه الأرض ملك لليهود دون سواهم وأن الله وهبها لهم وأنهم أسياد الأرض وقد طُردوا منها مرتين وهم الآن بصدد العودة إلى وطنهم الأصلي وطرد السكان المحليين من أرض الميعاد، والإشكالية الأهم هنا أن هذه الأساطير والتي وردت في العهد القديم لم يتم دحضها لا بالموروث المسيحي ولا الإسلامي، بل على العكس تم تأكيد الرواية التاريخية دون غيرها في الديانتين اللاحقتين وإن كان الخلاف كبيراً في العقيدة والإيمان والطقوس وغيرها، إلا أن الرواية التاريخية حول أرض الميعاد وأفضلية شعب إسرائيل وروايات ملوكهم وأنبيائهم تم التأكيد عليها بل والبناء عليها لاحقا.

إن مهمة دحض الرواية التاريخية الإسرائيلية والمبنية على أساطير، لا يوجد ما يُثبتها حتى الآن على أرض الواقع رغم كل الحفريات والأبحاث الأركيولوجية التي تقوم بها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة نفسها، وكل ما تم وجوده لليوم هو بقايا آثار من العهد الكنعاني أو البيزنطي أو الإسلامي، ولكن لا يمكن بالمقابل نفي وجود تاريخي محدود على هذه الأرض ولكن كل الوثائق تؤكد أن هذا الوجود في مقاطعة يهودا أو السامرة كان عابراً كغيره من الدويلات التي تشكلت عبر التاريخ على هذه الأرض، كما أن الدراسات كلها تؤكد أن الوحدة الإدارية التي كانت تربط مقاطعة يهودا بالسامرة دون أورشليم لم تزد عن ثلاثين عاماً، وأكبر دليل على ذلك أن كل الحفريات التي تتم أسفل القدس لم تثبت وجود بقايا للهيكل في أي منطقة، هذا يقودنا إلى أن الجهود البحثية الهائلة التي يقوم بها مجموعه من علماء عالميين و عرب لم نستفد منها في دحض الرواية الأسرائيلية التاريخية، وهذا مسؤولية قصوى رسمية وشعبية، من خلال مراكز البحث والتعليم لدعم كل الأبحاث في سبيل دحض الرواية الصهيونية والتي شكلت ولا تزال المُلهم الأساس في المشروع الصهيوني الاستعماري.

 أما الشق الثاني من الرواية المزعومة، والذي شكل الدافع الرئيسي لموجات الهجرة اليهودية الجماعية وبناء الدولة الإسرائيلية لاحقاً، ألا وهو رواية الهولوكوست من المنظور الصهيوني.

إن سيطرة الحركة الصهيونية على مراكز الإعلام عامة واستوديوهات هوليود خاصة؛ كان العامل الأهم في فبركة وتضخيم رواية الهولوكوست لخلق حالة من التضامن العالمي مع اليهود وتهريبهم من أوروبا ودعم جزء كبير من العالم لحقهم في عودتهم إلى فلسطين هروباً من تكرار مجازر أخرى كالهولوكوست. ولكن ومع تطور وسائل البحث العلمي؛ أصبح مؤكداً أن الرواية اليهودية مُضخمة ومفتعلة ولا تمت للحقيقة بصلة، وهناك العديد من الشواهد التي تؤكد أن المجازر التي ارتكبتها ألمانيا النازية في أربعينيات القرن الماضي لم تكن ضد اليهود وحدهم بل طالت العديد من الشعوب والقوميات والديانات المختلفة، واليهود لم يكونوا سوى جزء من عشرات ملايين الضحايا، وأكبر مثال على ذلك أن مجموع ضحايا شعوب الاتحاد السوفيتي من الوحش النازي تجاوزت العشرين مليونا، إضافة إلى المجازر الرهيبة التي ارتكبها الجيش الألماني بحق قرى بكاملها في العديد من الدول الأوروبية التي احتلها مثل بولندا وتشيكوسلوفاكيا واليونان وغيرها، وفي هذا الصدد أثارت الحكومة البولندية منذ فترة قريبة هذا الموضوع  ولكنها همدت لاحقاً بعد التهديدات الأمريكية والإسرائيلية تحت الشعار المُستهلك دائماً "مُعاداة السامية".

 إن مهمة كشف حقيقة أفعال ألمانيا النازية بحق العديد من شعوب العالم وليس اليهود وحدهم؛ مُهمة استراتيجية تحتاج إلى جهود دراسية وتوثيقية هامة لنفي الأكذوبة المُكررة  حول حجم ونوع المجازر التي ارتكبت بحق اليهود إبان الحرب العالمية الثانية.

إن المهمة المركزية هنا، لا تكمن في نفي الرواية كاملاً؛ بل كشف زيفها وتضخيمها وتحريفها لتخدم الفكرة الصهيونية في حشد التعاطف والدعم العالميين مع المشروع الصهيوني.

إن المعركة طويلة ومُعقدة وصعبة وتحتاج إلى جهود مُضنية على كافة الساحات، وهذا المجال أحد أهم هذه الساحات إذا أحسنّا العمل ربما نستطيع أن نصوب الأمور نحو حشد الدعم والتأييد لحقوقنا وقضيتنا العادلة.