الحدث- غزة- حامد جاد
أثارت أحادية طرح التصورات والاقتراحات المتعلقة بجباية رسوم ضريبية وجمركية إضافية تحت مسميات مختلفة حالة من القلق والاستياء في أوساط التجار والمكلفين الذين عبروا عن امتعاضهم من هذه الإجراءات في ظل عدم قدرتهم على مواجهتها واستعداد غالبيتهم للانصياع إليها حال تطبيقها فعلياً.
واعتبر مسؤولون ومهتمون بالشأن الاقتصادي أن عدم الدمج بين دوائر الوزارة الواحدة في الضفة وغزة وغياب التنسيق المالي والإداري على مستوى دوائر الوزارة ذات العلاقة، وعدم وجود مرجعية واحدة تصب فيها كافة المعاملات المالية الحكومية شكل أبرز الأسباب التي دفعت بكل وزارة لطرح أفكار ومقترحات فردية على مرجعيتها الخاصة المرتبطة بموقعها الجغرافي "في الضفة أو غزة" بهدف الحصول منها على مسوغ أو قرار يمكنها من إخراج مقترحها إلى حيز التنفيذ.
ولعل المقترح الذي قدمته إحدى دوائر وزارة الاقتصاد في غزة مؤخراً إلى وزارة المالية في غزة أيضاً بشأن جباية رسوم ضريبية جديدة تحت مسمى رسوم تنسيق دخول البضائع الذي يقضي بجباية 100 شيكل عن كل شاحنة بضائع تدخل إلى غزة عبر معبر كرم أبو سالم، وفي المقابل قيام وزارة الاقتصاد في الضفة ببحث ودراسة مقترح يقضي بجباية رسوم جمركية إضافية على السلع والبضائع الواردة من الأسواق الخارجية والسوق الإسرائيلية على حد سواء بنسبة 35% كحد أقصى شكلاً معاً مصدر قلق لدى المكلفين المستهدفين من هذه القرارات الضريبية الارتجالية.
استمرارية الفصل وغياب دور الحكومة
وفي أحاديث منفصلة أجرتها الحدث حول تداعيات الإجراءات الضريبية الأحادية عزا حاتم عويضة وكيل وزارة الاقتصاد في غزة هذا الأمر إلى استمرارية الفصل بين طرفي الوزارة الواحدة وعدم الدمج بين الوزارات في الضفة وغزة ما يعني أنه ليس هناك دمج بين دوائر الوزارة في الضفة وغزة، الأمر الذي يعني أن الدوائر المالية والإدارية لدى الوزارات القائمة في الضفة تعمل بشكل منفصل عن الدوائر والإدارات ذاتها في غزة والعكس صحيح، هذا بالإضافة إلى عدم توحيد القوانين في شقي الوطن نتيجة لأن حكومة الوفاق لم تقم بمهامها في غزة بشكل فعلي ولم تمارس الدور المناط بها والمفترض أن تضطلع به على أرض الواقع.
وبالرغم من إقرار عويضة بعدم وجود تنسيق بين دوائر الوزارة إلا أنه وصف العلاقة مع وزير الاقتصاد الدكتور محمد مصطفى بالجيدة وقال: "علاقتنا مع الوزير جيدة وهناك تواصل بيننا ولكن لم يرتق لمستوى التنسيق بين دوائر الوزارة، فالوزير يهتم بشكل مباشر بقضية إعادة الإعمار بصفته رئيس اللجنة الوزارية لإعادة الإعمار وأنا كعضو في الفريق الوطني لإعادة الإعمار نتواصل معه ونحترم ونلتزم بكل القرارات التي يتخذها ولكن على مستوى الإجراءات الداخلية لوزارة الاقتصاد فليس هناك أي تنسيق يذكر وعلى سبيل المثال كان للوزراة في رام الله توجهات لفرض رسوم جمركية إضافية على السلع المستوردة بحد أقصى يصل إلى 35% دون أن يكون لدى الوزارة في غزة أي علم بهذا الأمر إلا من خلال ما نشرته وسائل الإعلام في هذا الشأن، وفي المقابل إدارات ودوائر ذات العلاقة في الوزارة في غزة تقدم اقتراحات لفرض رسوم كان آخرها ما أشيع حول مقنرح جباية رسوم مقابل تنسيق دخول البضائع حيث يقضي المقترح بفرض رسوم بقيمة 100 شيكل عن كل شاحنة بضائع تدخل غزة عبر معبر كرم أبو سالم".
وأكد عويضة أن فرض رسوم إضافية تحت مسمى رسوم تنسيق دخول البضائع لا يزال مجرد اقتراحات مقدمة من قبل الدوائر ذات العلاقة (المالية والإدارية والفنية) ومن الممكن أن تكون هذه الدوائر في الوزارات ذات العلاقة كوزارتي الاقتصاد والمالية هي التي قدمت هذه الاقتراحات، كما أنه من الممكن على سبيل المثال أن تقترح دائرة التجارة في وزارة الاقتصاد هذا الأمر مثلما اقترحت وطبقت في السابق خطة لإحلال الواردات معتبراً أن السبب في تقديم هذه الاقتراحات وتطبيق البعض منها بشكل منفرد في الضفة أو غزة يرجع لأنه ليس هناك تنسيق مالي أو إداري على مستوى دوائر الوزارة ذات العلاقة.
وشدد عويضة في هذا الشأن على عدم إقرار وتطبيق مقترح جباية مئة شيكل عن كل شاحنة تدخل إلى غزة ما يعني أنه في حال دخول 400 شاحنة فإن ذلك يعني جباية 40 ألف شيكل يومياً وقال: "حتى اللحظة قدمت عشرات الاقتراحات ولم يقر الرسم 100 شيكل ولا يوجد أي قرار نهائي في هذا الأمر وأن ما أثير حول جباية الرسوم المذكورة ما زال قيد الدراسة ويبحث في سياق ما تتقدم به الإدارات ذات العلاقة من اقتراحات، وحسب تقديري الأوضاع الصعبة التي يمر بها قطاع غزة لا تسمح الآن بجباية أي رسوم جديدة".
وأكد أنه طالما استمرت الوزارات في رام الله بشكل عام في قطيعتها مع وزارات غزة ستظل مشكلة القرارات الأحادية الجانب قائمة لدى الجهتين في الوزارة ذاتها وسيفضي عدم التنسيق والتواصل لحالة من الإرباك في الإجراءات المعمول بها وبالتالي لا بد من أن يتم تفعيل التنسيق بين طرفي كل وزارة في كافة الأمور وضمن إطار السياسة المالية لحكومة الوفاق.
ما نصرفه في عام تصرفه الوزارة في رام الله ثلاثة أضعافه في شهر
وأوضح عويضة في سياق استعراضه لكيفية تسيير شؤون الوزارات في غزة في ظل اعتمادها على قيام وزارة المالية في غزة بتغطية نفقاتها أن السياسة التشغيلية للوزارات تعتمد فقط على ما تقدمه وزارة المالية في غزة حيث أن حكومة الوفاق لم تقر أي موازنة تشغيلية ولا تقدم لنا أي شيكل ولم نتلق منها أي مبلغ رغم أنه من المفترض أن تكون وزارة المالية لدى حكومة التوافق هي مصدر تمويل نفقات كافة الوزارات.
وقال: "ولكن في ظل غياب دور وزير المالية تتخذ كل جهة قراراتها وتعليماتها وهذا يزيد من الاشكالية فنحن على سبيل المثال في وزارة الاقتصاد في غزة بلغت مصاريفنا التشغيلية المتواضعة خلال العام الماضي "2014" نحو 90 ألف شيكل في حين أن الوزراة في رام الله أنفقت على تغطية مصاريفها التشغيلية ثلاثة أضعاف المبلغ المذكور في الشهر الواحد".
وأضاف: "نحن لا نستطيع أن نشغل مولد الكهرباء سوى لثلاث ساعات يومياً من أصل فترة الدوام الوظيفي كي نخفف من كلفة النفقات التشغيلية ما يعني لو أن التيار الكهربائي كان مقطوعا منذ بدء الدوام نقوم بتشغيل مولد الكهرباء في الساعة الحادية عشرة وحتى الثانية بعد الظهر نظراً لعدم قدرتنا على توفير الوقود اللازم لتشغيل المولد لفترة تزيد عن ذلك فالوزارة لا تستطيع التصرف بأي مبلغ "شيكل" من الرسوم التي تجبيها حيث تقوم بتحويل كل ما تجبيه إلى خزينة وزارة المالية في غزة التي تقوم بدورها بتغطية النفقات التشغيلية للوزارات العاملة في غزة كافة حسب ما تسمح به خزينة مالية غزة".
بين المطرقة والسندان
ويرى قائمون على شركات إنشائية وتجارية في غزة أنهم واقعون بين مطرقة حكومة التوافق ووزارة ماليتها العاجزة عن إدارة شؤون معاملاتهم الضريبية والجمركية وسندان وزارة المالية في غزة التي مازالت تدير على أرض الواقع معاملاتهم الضريبية وتتعامل مع كل ما يتعلق بأنشطتهم التجارية والمهنية وبالتالي يدفعون صاغرين ما يطلب منهم دفعه من ضرائب في غزة.
رجل الأعمال جودت الخضري الذي يمتلك واحدة من أهم الشركات العاملة في مجال المقاولات والتوريدات وتجهيزات المنشآت يصف حال الشركات وقطاع الأعمال بشكل عام في غزة بالمأساوي لعجز هذه الشركات عن مواجهة سياسة الأمر الواقع في ظل حاجتهم الماسة للعمل وبالتالي ينصاع الجميع لدفع ما يطلب منهم من ضرائب رسمية أو غير رسمية سيما وأن مؤسسات القطاع الخاص المفترض أن تدافع عن حقوق الشركات مغيبة ولا تمارس أي دور فاعل في هذا الشأن.
ويقول الخضري عن آلية جباية الضرائب في غزة: "ما حدث معي أمر مخجل لم نعد نعرف لمن نتبع هل لوزارة المالية في رام الله أم لوزارة المالية في غزة فشركتي لها مستحقات مالية مترتبة على ذمة وزارة المالية في غزة بقيمة 3.5 مليون شيكلاً وهذا المبلغ من المفترض أن يخضع للمقاصة لكن مالية غزة ترفض إخضاع هذا المبلغ للتقاص وبالتالي قامت مؤخراً بحجز حمولة ثلاث شاحنات من التجهيزات المختلفة للمشاريع التي تنفذها الشركة لمدة ثلاثة أسابيع واضطررت للدفع حتى تم فك الحجز".
وأضاف: "حجزوا البضائع لمدة 3 أسابيع ولهم على شركتي مستحقات غير شرعية مترتبة على ما يعرف بجباية ضريبة 0,008 عن كل قيمة مشروع تنفذه الشركة ما يعني تقريباً 1% من قيمة كل عقد فدفعت لهم ما طلبوه وهو مبلغ 200 ألف شيكل، ولدي في رام الله معاملات مع وزارة المالية هناك بقيمة تصل إلى 4.5 مليون شيكل وسيأخذون أيضاً كل ما يطلبونه فلا فرق بين هذا وذاك بالنسبة لجباية الضرائب تحت المسميات المختلفة القانوني منها وغير القانوني".
ويتساءل الخضري عن مدى قانونية جباية الضرائب من المكلفين في غزة من قبل وزارتي المالية في غزة ورام الله على حد سواء بقوله: "كنا نتفهم في ظل الانقسام أن هناك حكومتين وقانونين، ولكن اليوم لدينا حكومة واحدة ومن المفترض أن يتم التعامل معنا وفق قانون واحد وليس حسب الوضع المالي لهذه الوزارة أو تلك فوزارة المالية في غزة لديها أزمة، وبالتالي تصر على أن ندفع لها الضريبة وعندما نتوجه لوزارة المالية في رام الله كي نقوم بتسوية حسابات ضريبية بيننا يرفضوا حتى الاستماع لشكوانا لذا سنظل ندفع للطرفين ما يطلبوه إلى أن يصبح لدينا قانون موحد".
وانتقد الخضري دور مؤسسات القطاع الخاص في الدفاع عن حقوق الشركات في قطاع غزة ودعم مطالبها واصفاً تلك المؤسسات بالمتهالكة.
من جهته كشف هاني شمالي أحد أبرز التجار المستوردين لمواد البناء النقاب عن أن وزارة المالية في غزة أبلغته شفهياً بدفع رسوم تنسيق بقيمة 100 شيكل عن كل شاحنة مبيناً أنه منذ أن تلقى هذا البلاغ في نهاية الشهر الماضي وحتى الان لم تطبق الوزارة ذاتها هذا القرار ولم تراجعه.
ونوه شمالي إلى أنه بحسب إطلاعه على توجه وزارة المالية الرامي لجباية المبلغ المذكور من كل شاحنة تدخل سوق غزة كان من المتوقع البدء بتطبيق هذا التوجه ليصبح قراراً نافذ المفعول اعتباراً من الشهر الحالي متوقعاً أن تكون وزارة المالية تراجعت عن تنفيذه في هذه الفترة نظراً لصعوبة الأوضاع المعيشية.
ويتفق ناصر الحلو رئيس اللجنة الاقتصادية في غرفة تجارة وصناعة غزة مع شمالي في تشخيص الأسباب التي أدت لتراجع مالية غزة عن المقترح المذكور مبيناً أن مشاورات دارت بين الدوائر المعنية في وزارتي المالية والاقتصاد في غزة حول امكانية جباية رسوم اضافية تحت مسمى رسوم تنسيق دخول البضائع أو رسوم إذن الاستيراد حيث جاء هذا المقترح في بادئ الأمر من قبل وزارة الاقتصاد وتبنته فيما بعد وزارة المالية دون أن تنفذه فعلياً حتى اللحظة.
قرارات إرتجالية
وحول أسباب أحادية القرارات الضريبية وسبل معالجتها اعتبر د. ماهر الطباع المهتم بالشأن الاقتصادي أن تعدد القوانيين الضريبية وعدم توحيدها في المناطق الفلسطينية شكل أحد الأسباب الرئيسية للازدواج الضريبي ودفع بإتجاه الاجتهاد في فرض رسوم ضريبية جديدة اعتماداً في بعض الأحيان على ما تحتويه هذه القوانين من ثغرات حيث ما زال القانون الأردني يطبق في الضفة الغربية والقانون المصري في قطاع غزة وقوانين الانتداب البريطاني وقانون فلسطيني في الضفة الغربية, وقانون فلسطيني في قطاع غزة إضافة إلى تطبيق العديد من الأحكام والأوامر الإسرائيلية المعمول بها منذ زمن الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة.
وبين الطباع أن الانقسام الفلسطيني ساهم في زيادة الفجوة وازدواجية واختلاف القرارات والقوانين والتشريعات والإجراءات الضريبية والجمركية واللوائح والأنظمة والرسوم بين الضفة الغربية وقطاع غزة، الأمر الذي أثر سلباً على القطاع الخاص في غزة وساهم في إضعافه وعدم نموه وكان له الأثر الأكبر على الشركات الكبرى التي لها علاقة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، مثل البنوك وشركات التأمين والشركات المساهمة العامة وبعض الشركات المساهمة الخصوصية.
وأكد أن غياب السياسات الضريبية الواضحة أدى لحالة من التخبط وسط الوزارات ذات العلاقة وعلى رأسها وزارتي المالية والاقتصاد الوطني وبالتالي عملت كل واحدة منهما على إصدار العديد من الإجراءات والقرارات الضريبية الارتجالية والعشوائية التى كان لها الأثر السلبي على القطاع الخاص وأدت إلى زيادة العبء الضريبي على المكلف والمستهلك معاً مشيراً في هذا السياق إلى التداعيات الكارثية التي ترتبت على غياب المجلس التشريعي ودوره الرقابي على عمل الحكومة و الوزارات ما أدى إلى تفرد الوزارات في إصدار تلك القرارات والإجراءات دون أي مصوغات قانونية.
المستهلك يدفع الثمن
وبين الطباع أن كافة القرارات والإجراءات الضريبية التي صدرت خلال السنوات السابقة سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة جاءت وسط حالة من عدم الاستقرار الاقتصادي والمالي وارتفاع في معدلات البطالة وزيادة غير مسبوقة في عدد المتعطلين عن العمل الذين بلغ عددهم خلال عام 2014 ما يزيد عن 300 ألف شخص في فلسطين، وأثرت بالسلب على القدرة الشرائية للمواطنين وأضافت أعباء جديدة على المستهلك الفلسطيني الذي يعاني بالأصل من تدهور الأوضاع الاقتصادية والمالية.
وأكد الطباع ضرورة أن تخضع مثل هذه القرارات والاقتراحات المتعلقة بجباية رسوم إضافية تحت مسميات مختلفة لنقاش وبحث معمقين عبر عقد لقاءات وورش عمل للتشاور مع كافة الجهات ذات الاختصاص ودراسة السلبيات والايجابيات التي ستترتب على تلك الإجراءات ضمن منظومة متكاملة مع مراعاة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية التى يعاني منها المواطنون، مشدداً في ختام حديثه على أنه من المفترض في ظل حكومة الوفاق الوطني أن يتم توحيد السياسات الضريبية بين الضفة الغربية وغزة كخطوة أولى لتجاوز كافة المشاكل المترتبة على الازدواج الضريبي والأحادية في فرض الإجراءات الضريبية.