رام الله – خاص
داخل سجون مكرسة لاحتجاز ومعاقبة آلاف الفلسطينيين بتهمة مقاومة الاحتلال، تزدهر تجاره كبيرة رابحة تدر على إسرائيل ملايين الشواقل سنوياً قوامهاً مقاصف السجون، أو "الكانتينا" باسمها الدارج.
ويقدر نشطاء حجم تجارة "الكانتينا" بنحو (100) مليون شيقل سنوياً، تمول أغلبها من الخزينة الفلسطينية العامة، ثلثها بصورة مباشرة عبر تحويلات من هيئة شؤون الأسرى والمحررين بالتنسيق مع وزارة المالية، أو غير مباشرة من تحويلات رواتب الأسرى وجيوب ذويهم.
وتتحكم إدارة مصلحة سجون الاحتلال بهذه المقاصف، وتديرها شركات إسرائيلية تفرض أسعاراً سياحية من مستوى خمسة نجوم في "الكانتينا"، وتمنع الفلسطينيين من التدخل في أسعار وأنواع السلع ومصدرها وجودتها.
ويتهم عاملون في حقول الدفاع عن حقوق الإنسان مصلحة سجون إسرائيل باستخدام احتياجات الأسرى وحقوقهم كتجارة، وبجني حصة من أرباح الكانتينا ورسوم تأجيرها، وبتقليل كلفة احتجاز الأسرى وإجبارهم على تمويل النقص في أغلب احتياجاتهم اليومية. بعد الإنفاق على جريمة احتجاز مناضلين من أجل الحرية.
خمس نجوم
يقول أسرى في سجن النقب الصحراوي أمكن التواصل معهم في الأسر (فضلوا عدم نشر أسمائهم) إنهم ينفقون في المعدل نحو 1200 شيقل شهرياً، وهو مبلغ يعادل 3 أضعاف المخصص الذي تحوله هيئة الأسرى للكانتينا، ويحملون زيادة كلفة فاتورة المقصف إلى ارتفاع الأسعار.
ويقول الأسرى: "ننفق أغلب المبلغ على مواد التنظيف والورق الصحي وعلى الطعام والشراب بسبب سوء نوعية وكمية الطعام المقدم لنا، فيما يحتاج الأسير المدخن إلى 700 شيقل لشراء السجائر في ظل عدم وجود سجائر منخفضة الثمن في الكانتينا"،
ويقولون إن الأسعار في الكانتينا سياحية، فزجاجة العصير الصغيرة على سبيل المثال ب 7 شيقل من صنف يباع ب 3 شيقل في السوق الفلسطيني.
وقال أسير آخر إنه قبل أيام اشترى ساعة يد مصنوعة من مادة البلاستيك من المقصف ب 80 شيقل، علماً أنها تباع في أسواق رام الله بـ 10 و15 شيقل. ويتابع: "الأسعار هنا سياحية حتى مقارنة مع مستواها في تل أبيب، ولا مفر سوى أن نشتريها بالسعر الذي يفرضونه".
وادعى أسرى أنهم يجبرون على شراء ضايفة من الكانتينا لتقديمها إلى ذويهم أثناء الزيارة، وخصوصاً إذا كان بين الزوار أطفال، حيث يشترون لهم عصائر ومسليات وبسكويت، ويقولون نشتري 5 أشياء لهذا الغرض ب 100 شيقل.
ويقولون إن نسبة الربح تتضاعف أكثر متى تعلق الأمر بالأدوات والملابس والأغطية وباقي الاحتياجات الأخرى، حيث تطورت مقاصف السجون وأضحت توفر أغلب احتياجات الإنسان، وبما فيها الملابس والأحذية وبعض الأدوات الكهربائة واللحوم والدواجن والطعام المعلب والحلويات والمسليات وكل ما ترضى عنه وتسمح به مصلحة السجون، ما يزيد من فاتورة المشتريات على الأسير وذويه.
غاية يعقوب
ويتهم الفلسطينيون السلطات الإسرائيلية المختصة بمنع الأهل والمؤسسات المعنية من إدخال الاحتياجات للأسرى، فيما تسمح لهم بشرائها من المقصف، حيث الأسعار مضاعفة لغاية في معروفة في نفس يعقوب.
وتحتجز إسرائيل اليوم نحو 6750 أسيراً ومعتقلاً فلسطينياً في نحو 23 سجناً ومعتقلاً ومركز توقيف وتحقيق تقع أغلبها داخل أراضي العام 1948 وتتبع معظمها إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية، في ظروف يزيدها صعوبة سوء نوعية وكمية الطعام والشراب والملبس ووسائل التدفئة.
ولتحسين أوضاعهم يضخ الفلسطينيون عشرات ملايين الشواقل سنوياً لحساب الكانتينا، وعمدت السلطة الوطنية والأهالي مضطرين إلى تحويل أموال شهرية تمكن أبنائهم من شراء احتياجتهم من مقاصف تسيطر عليها إدارة مصلحة السجون وتديرها شركات إسرائيلية، ما يعني تولي الأسر دفع نفقات اعتقالهم.
وتعرقل مصلحة السجون غالباً إدخال الاحتياجات مثل الحلويات والبن وزيت الزيتون والتمور وغيرها من المواد الأساسية، وتطالب بتحويل قيمتها على هيئة أموال "للكانتين" الإضافية للأسرى وخصوصاً في شهر رمضان، والأعياد والمناسبات وحرمانهم من شراء احتياجاتهم الأساسية، في ظل النقص الحاد في المواد الأساسية التي تقدمها إدارة السجون للأسرى بما فيها الطعام والشراب.
وتضع مصلحة السجون عقبات تعيق وصول الكانتينا إلى الأسرى، منها وجود سقف أعلى (1300 شيقل) مسموح دفعة على الحساب الواحد بمعنى أن بعض حسابات الأسرى الخاصة بالكانتينا تكون غير قابلة لاستيعاب المزيد من الأموال، وتظل معلقة لديهم.
استغلال
ابتسام سليمان طليب من قرية عين قينيا غرب رام الله، هي والدة الأسير أيسر حاتم معروف المحكوم بالسجن المؤبد وثلاث سنوات إضافية، ويحتجز حالياً في سجن عوفر، تقول: للمرة الثالثة وخلال الـ3 أشهر الأخيرة يرفضون إدخال أغطية حرامات وملابس شتوية وأحذية أحملها له معي أثناء الزيارة وأضطر لإعادتها في كل مرة.
وتتابع: "لهذا اضطر ولدي لشراء 3 حرامات بمبلغ 1200 شيقل هذا العام، هذا السعر يشكل احتيالاً، أنا اشتريت لأجله الحرام الواحد متلها من رام الله بـ 100 شيقل، وهم يرفضون إدخال الملابس الصوفية ويسمحون بالقطنية فيما يبعونهم ملابس قليلة الجودة بأسعار باهظة غير مبررة على الإطلاق، وتفاقم من معاناة الأسرى وذويهم".
وأضافت الأم: "هذا استغلال واضح يعتقلون، أولادنا ويقدمون لهم طعاماً وشراباً وسجائر قليلة وغاية في السوء، ما يجبرهم على الشراء منهم، إنها تجارة دنيئة وبسببها أضطر إلى تحويل حوالي 500 شيقل شهرياً، وأحياناً أكثر من 1000، إلى جانب مبلغ الكانتينا الذي تحوله هيئة شؤون الأسرى، وهذا ما يفعله الأهل عموماً، بعد الأسر تتدبر أمرها كي توفر احتياجات ابنها، وما يزيد المرارة أنهم يسرقون نقودهم من خلال فرض أسعار باهظة تزيد من المعاناة على الأُسر، وخاصة التي لا يتقاضى ابناها مخصصات أسرى".
2،5 مليون شهرياً
وتنفق السلطة الوطنية وهيئة الأسرى وبالتنسيق مع وزارة المالية نحو 30 ميلون شيقل سنوياً على "الكانتينا"، تحويلات شهرية منتظمة تحول عبر البريد الإسرائيلي إلى إدارة السجون والشركة المسؤولة عن "الكانتينا"، إضافة إلى تحويلات إضافية لهذا الغرض في المناسبات.
وتتراوح بين 2،2 و2،5 مليوناً حسب عدد الأسرى والمعتقلين المتقلب، وقد يحول الأهالي أكثر من ضعف المبلغ لهذا الغرض، ما يرفع إجمالي التحويلات إلى نحو 100 مليون شيقل سنوياً.
لا حول ولا قوة
ويقول عزام ارميلة مدير عام الشؤون المالية والإدارية في هيئة شؤون الأسرى والمحررين إنه لا سيطرة فلسطينية أو قدرة على التدخل في شأن الكانينا سوى تحويل المال.
وأضاف: "إدارة مصلحة السجون تقوم بتأجير الكانتينا لشركات إسرائيلية فقط عبر طرح عطاءات، ونسبة من أرباح الشركات التي تدير الكنتينا تذهب لإدارة مصلحة السجون الإسرائيلية بحجة توفير المياة والكهرباء والخدمات إلى الكنتينا في نطاق السجون".
وبخصوص الأسعار قال ارميلة: "الشركات التي تدير الكانتينا هي من يحدد أسعار السلع فيها، وهي أسعار مرتفعة مقارنة مع السوق الإسرائيلي وباهظة عند مقارنتها بنظيراتها في الأسواق الفلسطينية، وجرياً وراء الربح باتت تمد المقاصف اليوم بأغلب السلع وجميعها إسرائيلية المصدر".
وقال: "إن هيئة شؤون الأسرى والمحررين تحول شهرياً 400 شيقل لحساب كل أسير في الكانتينا بناء على أرقام وقوائم مصلحة السجون في كل سجن، والعدد متقلب ويتراوح اليوم بين 5000 و5500 أسير ومعتقل شهرياً بمبلغ يناهز ال 2 ، 2 مليون شيقل شهرياً يتم تحويل المبلغ للأسير على حساب التي تدير الكانتينا حيث يحتجز".
وحول سبب عدم التحويل لسائر الأسرى الذين يناهز عددهم 7 آلاف قال ارميلة: "الهيئة لا تحول كانتينا إلى المعتقلين لأسباب غير أمنية مثل الدخول دون تصاريح أو ما شابه كأي تهم أخرى وعددهم يربو على 1500 معتقل فلسطيني".
والأهالي غالباً ما يحولون للأسرى أموالاً إضافية للكانتينا عبر بنوك البريد الإسرائيلي في بيت إيل والقدس وسالم، ما يرفع حجم قطاع مقاصف السجون ويجعل منها تجارة بما تحمله الكلمة من معنى.
استغلال الموسم
ويقول الأسرى وذووهم إن إدارة مصلحة السجون تواصل منع إدخال الأغطية والملابس الشتوية والحرامات ووسائل التدفئة عبر زيارات الأهل، أو عن طريق المؤسسات الإنسانية، ما يجبرهم على شرائها من كانتينا السجن بأسعار مرتفعة خاصة، مع انخفاض درجات الحرارة والحاجة لمواجهة برد الشتاء القارس وتدفق المياه إليهم كما حدث في قسم 3 بسجن نفحة مؤخراً.
رئيس الهيئة العليا لمتابعة شؤون الأسرى والمحررين أمين شومان قال في ظل تدني الحرارة إلى درجات التجمد وإصرار إدارة مصلحة السجون على منع إدخال أغطية وملابس شتوية وأجهزة تدفئة، أجبر الأسرى على الشراء من "الكانينا"، لقد باعوهم بطانيات رديئة وصغيرة بـ 120 شيقل للقطعة، ونظراً لأنها رديئة الجودة وصغيرة الحجم ولا تلبي الغرض، استخدمها الأسرى لتغطية أرضية الغرف تحت أقدامهم، علماً أن سعرها لا يتعدى الـ 30 شيقل، ويفرضون أسعاراً باهظة على المدافئ الكهربائية. إسرائيل تستخدم الكانتينا للتجارة وجني أرباح من أسرى تحتجزهم.
الصليب الأحمر غائب
وتابع شومان نحن في الهيئة العليا توجهنا إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر، والمحكمة العليا الإسرائيلية لإجبار إدارة مصلحة السجون على إدخال الاحتياجات الشتوية، ولكن دون طائل.
وتزعم مصلحة السجون لتبرير رفضها، كما يقول شومان إنها توفر هذه الاحتياجات للأسرى، ولكن ما لم تقوله صراحة بالكلمات إنها تتعامل بعقلية تاجر تريد استغلال الحاجة لإجبار الأسرى على شراء احتياجاتهم من حوانيتها "الكانتينا" وبشروطها وأسعارها. شروط وأسعار وتعامل يقول الأسرى إنها يصعب أن تندثر أو تتبدل في السجون أو خارجها، طالما بقي الاحتلال يجبي أرباحاً بدل أن يدفع فاتورة احتلاله وممارساته!