رام الله - محمود الفطافطة
ما أن تطرق الأذن كلمة المستشفيات إلا ومفردة " الأخطاء الطبية" هي المهيمنة على أطراف الحديث. هذه المفردة كثيراً ما يتم تداولها بين عموم الجمهور، فتجد البعض يضخم من حجمها إلى حد وصفها بالظاهرة المقلقة والوباء الفتاك، في حين نجد طرف آخر يرى في هذه الأخطاء مجرد حالات تحدث في هذه المستشفى أو تلك، وأنها ليست بالأمر المستغرب طالما تقع بنسبٍ قليلة، فضلاً عن أن أفضل مستشفيات العالم لا يمكن لها أن تتجنبها.
فالأخطاء الطبية أصبحت ظاهرة في العالم وليس في مشافينا فقط، وهناك ضحايا فقدوا حياتهم أو أصيبوا بإعاقات دائمة، بسبب الأخطاء الطبية الكثيرة والخطيرة التي وقعت، وهناك الكثير من الأمثلة الحية عن الضحايا الذين سقطوا بسبب ذلك، وتسبب فيها أطباء، جراء الإهمال وسوء التقدير أو ضعف الكفاءة، فضاعت حقوقهم مع صعوبة إخضاع الطبيب للمساءلة الجنائية والمدنية وعدم القدرة على إثبات ارتكابه للخطأ الطبي، في الوقت الذي لم تعترف فيه وزارتي الصحة في الضفة الغربية وقطاع غزة بمسؤولياتهما، وعلى من يقع عليه عبء الإثبات، وتكتفيا بأنهما أجريتا تحقيقاً في ذلك .
حديث دون متابعة!
وقد أخذت بعض وسائل الإعلام المحلية بتناول الموضوع ولكن على عجالة ودون الغوص في أعماق الظاهرة وتداعياتها. هذا التناول يُعطي هذا التقرير أهميته البحثية خاصة وأن مثل هذه القضية يكثر الحديث عنها من كافة الأطراف ( وزارة الصحة، أطباء، مستشفيات، مجتمع ) دون أن يضع لها حلاً أو على الأقل معالجة العوامل التي تسببها وتساهم في زيادة نسبها وانتشارها وبالتالي مضاعفة أبعادها ومخاطرها .
يقول وزير الصحة السابق د. فتحي أبو مغلي أن الوزارة تهتم بأوضاع مستشفياتها حتى تقدم أفضل الخدمات إلى المواطنين والمرضى، منوهاً إلى أنه رغم قلة الأجهزة والمعدات والقدرات إلا أن المستشفيات الفلسطينية تقدم خدمة مميزة للمواطن . وبخصوص الخطأ الطبي فإن الوزير يعرفه بأنه " جنوح بالممارسة" وأنه تدخل فيه وجهات نظر مختلفة ومتعددة. ويوضح أن الوزارة تُحاسب على الإهمال والتقصير وليس على " الخطأ الإنساني" الذي ممكن حدوثه، مشيراً إلى أن تجاوب وتعاطي الوزارة مع بعض الشكاوى التي تقدم إلى وحدة الشكاوى التابعة للوزارة منح المواطنين الثقة بالوحدة وبالوزارة.
وفيما يتعلق بالتأمين على الأخطاء الطبية يرى د. أبو مغلي أن هذا التأمين قد يحمي الطبيب عبر توفير تعويض للمريض لكنه في المقابل ليس حلاً لهذه الأخطاء، حيث قد تزيد الاتهامات وتتداخل كثير من الأمور لأن المسألة فيها مصالح ومال، مؤكداً في الوقت ذاته على أهمية ضرورة وجود مثل هذا التأمين وإن كان لا يفي بالغرض ( وفق الوزير السابق) .
من جانبه يقول د. شوقي صبحة رئيس وحدة الشكاوى في وزارة الصحة سابقاً أنه يوجد قضايا وشكاوى للأخطاء الطبية في الأراضي الفلسطينية وأنه ومنذ بداية العام 2009 والى نهاية شهر أكتوبر 2009 كان هناك أكثر من ( 121) شكوى قدمت لوحدة الشكاوي، منوهاً إلى أنه في بعض الحالات يُعتبر البعض منها تظلما أو بلاغا أو غيرها . ويبين إنه لأجل ذلك ولمتابعة قضايا الأخطاء الطبية قمنا بإنشاء الوحدة منذ عام 2003 والتي عملت في 2005 ، مشيراً إلى أن هذه الوحدة تعتبر أكثر وحدات الوزارة فاعلية في العمل وذلك لاهتمام وزير الصحة بموضوع الشكاوى الطبية المتعددة حتى يكفل عمل الوزارة بالشكل القانوني.
عقبات بدون مجداف!
إلى ذلك، يبين الباحث الحقوقي ماجد عاروري أن وزارة الصحة في متابعتها لقضايا الأخطاء الطبية تفتقر لجملة عوامل، أبرزها: افتقار الوزارة لأنظمة رقابية فعالة على الطواقم الطبية،وقوع العديد من الأخطاء بسبب ضعف في جاهزية المستشفيات، عدم وجود أنظمة رقابية فعالة على جودة المستحضرات الصيدلانية، مما يؤدي إلى تداول بعض الأدوية في السوق الفلسطيني دون استيفاء شروط الفحص الطبي، افتقار ردود الوزارة بخصوص قضايا الأخطاء الطبية إلى الاعتراف بالمسؤولية التقصيرية للوزارة، تشكل في كثير من الأحيان لجان التحقيق في قضايا الأخطاء الطبية من أطباء وموظفين في وزارة الصحة، من نفس المستشفى الذي وقع فيه الخطأ الطبي، افتقار سجلات وزارة الصحة إلى إحصاءات دقيقة حول الأخطاء الطبية في مناطق السلطة .
ولمعرفة عمل وصلاحيات نقابة الأطباء الفلسطينيين بخصوص قضية الأخطاء الطبية في المستشفيات الخاصة سرد لنا د. محمد أمين التيجاني عضو النقابة تراتبيّة هذا العمل، حيث يقول: "يقدّم المتضرر أو من ينوب عنه شكوى مكتوبة وواضحة إلى النقابة بطبيعة ما حصل، ثم ترسل نسخة من الشكوى إلى الطبيب المدّعى عليه ليردّ عليها خلال أسبوعين، وبناءً على الرد تقرّر النقابة أمرين: أولهما: أن الشكوى ليست ذات أهمية أو منطقية، بينما القرار الآخر يتمثّل في إحالة الشكوى إلى اللجنة الفرعية للنقابة للنظر فيها.
وفي السياق ذاته يذكر د. هيثم الحسن عضو النقابة أن وصف " الخطأ الطبي " لما يحدث في المستشفيات وسواها لا يستقيم مع الوصف الحقيقي والمنطقي، منوهاً إلى وجود عدة مسميات لذلك، منها ممارسة غير سوية، مضاعفات طبية، عدم بذل عناية، إهمال وغيرها. وذكر أن الوعي لدى الأطباء والمرضى بحقوقهم ومسؤولياتهم يقلل كثيراً من الأضرار والمضاعفات السلبية، مؤكدا في الوقت ذاته على أن الثقافة الطبية عند الأطباء أسوأ من الثقافة الطبية لدى المرضى .
من جانبه يصف د. عدوان ألبرغوثي قضية الأخطاء الطبية بالحساسة والدقيقة والتي تحتاج إلى بذل الجهود من كافة الأطراف، خاصة من قبل الطبيب والمريض والقضاء، وصولاً للتخفيف من حجمها وأضرارها على المواطن والمجتمع عموماً. ويطالب بضرورة القيام بوضع خطة عمل شاملة أو إستراتيجية محددة وواضحة المعالم والأسس والأهداف لمواجهة هذه القضية، داعياً إلى ضرورة تفعيل لجان الرقابة والمساءلة في الوزارة والمستشفيات، على أن تجتمع مثل هذه اللجان بشكل أسبوعي .
أما د. عبد الرحيم سويه فقد أكد أن النقابة مخلصة وشفافة في عملها ولا يمكن لها أن تتطاول على القوانين أو تسمح بأي خلل أو تقصير من قبل طبيب دون أن تعاقبه، مبيناً أن النقابة أغلقت عيادة لمدة عام، إلى جانب معاقبة ثلاثة أطباء بسبب خلل وتقصير . وأكد أن النقابة تدافع عن الزميل والمريض، منوهاً في الإطار ذاته إلى أن معظم الاتهامات ضد الأطباء كيدية أو تحريضية. كما وشدد على ضرورة وجود تأمين للأخطاء الطبية يحمي الطبيب والمريض معاً ويضمن لهم حقوقهم .
إلى ذلك؛ يرى طبيب الأسنان د. عرفات سرحان أن وقوع الخطأ الطبي مرده إلى جملة من الأسباب، قد تكون منفردة أو مجتمعة معاً. وأهم هذه الأسباب تتمثل في :عدم التشخيص السليم الذي يعتبر خطأ طبي،عدم وجود النظافة والتعقيم المناسب يؤدي إلى تلوث المكان، القيام بإجراء علاجي لا يجب القيام به يعتبر خطأ طبي، الخلط بين أنواع من الأدوية التي لا يجب أن تعطى للمريض مع بعضها،المتابعة ما بعد العلاج : وخاصة وجود بعض الحالات بحاجة إلى متابعة جزئية أو كلية فأن أي تقصير من الطبيب في متابعة مريضه يعتبر خطأ طبي والطبيب مسؤول في هذه الحالة .
عقدة الاثبات!
ومن القضايا التي يثيرها المحامي معن ادعيس مُساءلة الأطباء مدنياً عن أخطائهم المهنية هي مسألة الإثبات، فالمريض، كما يقول ادعيس " يجب عليه أن يُثبت وقوع الخطأ، وأن يثبت وقوع الضرر، ثم يثبت علاقة الخطأ بالضرر، وأن هذا الخطأ هو الذي أوقع ذلك الضرر، وأن هذا الضرر ما كان ليقع لولا وقوع ذلك الخطأ. ويظهر ثقل هذا العبء بشكل جلي ومعقّد وفق وصف ادعيس خاصة في ظل الصعوبة البالغة التي تنجم عن إفادات الخبراء الذين تدعوهم المحكمة، وهم من الأطباء، في تحميل زملائهم في المهنة أي نوع من أنواع المسؤولية لدى إدلائهم بإفاداتهم، مع الملاحظة هنا أن تشريعات بعض الدول ذهبت إلى ابتكار حلول جديدة لمواجهة هذه الإشكالية، بحيث افترضت قيام مسؤولية الأطباء دون حاجة إلى تحميل المريض عبء الإثبات، فيما جعلت عبء إثبات العكس يقع على الأطباء. ومن هذه الدول السويد ونيوزيلندا.
أما بشأن القانون والأخطاء الطبية فليس هناك نظام قانوني مستقل خاص بالأخطاء الطبية في أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية، ولم يقم المجلس التشريعي الفلسطيني باستحداث أية أحكام جديدة بالخصوص منذ قيامه عام 1996، وإنما يطبق على الأخطاء الطبية ذات الأحكام العامة المنصوص عليها في القوانين النافذة، ولا سيما الأحكام القانونية الواردة بشأن المسؤولية الجزائية في حال الإهمال والتقصير، وكذلك الأحكام المتعلقة بالمسؤولية المدنية التقصيرية في قانون المخالفات المدنية لعام 1944.
وفيما يتعلق بالأخطاء الطبية والقضاء العشائري يرى المصلح العشائري أحمد حوامدة أن القضاء العشائري لا علاقة له بقضايا الأخطاء الطبية، انطلاقاً من أن القانون هو الذي يحدد ويبت في ذلك، منوهاً إلى أنه لم يقم بالتوسط أو الصلح في أية قضية لها علاقة بهذه الأخطاء تجسيداً لمبدأ عدم التدخل في اختصاصات القانون وصلاحياته .
نزيف لا يهدأ!
فيما يلي نسرد جملة قصص وحالات يقول أصحابها أو ذويها أنها نجمت عن أخطاءٍ طبية، حدثت في مستشفيات عامة أو خاصة بفلسطين.
• بربيج" يُهلك إنسان
أحد الأشخاص يجري عملية " ناظور" لاستخراج حصوة من المرارة فيحدث خطأ طبي في العملية تمثل في قطع أحد الأوعية الناقلة للعصارة الصفراء ، فيعالج طبيبان آخران هذا الخطأ بخطأ آخر عندما حاولا زرع " بربيج" لنقل العصارة إلى المثانة فلم يضعا البربيج في المكان الصحيح مما أدى إلى استمرار تدفق العصارة إلى جسم المريض مخلوطة بدمه، الأمر الذي أدى بالنتيجة إلى الوفاة . وقد بين تقرير الطب الشرعي أن سبب الخلل الرئيسي هو العملية الثانية التي أجراها الطبيبان أعلاه.
· موت بسبب الجشع
إحدى النساء الحاملات تراجع طبيبها الخاص بشكل دوري، ولدى شعورها بقرب موعد الوضع، راجعت طبيبها في المستشفى الحكومي الذي كان يعمل فيه، فاخبر زوجها أنها إذا أرادت أن " تلد في هذا اليوم" فعليها أن تذهب إلى المستشفى الخاص الذي يعمل فيه هذا الطبيب في فترة أخرى، أما إذا أرادت الولادة في المستشفى الحكومي، فإن عليها أن تعود ثانية بعد ثلاثة عشر يوماً ، كونها الآن ليست في حالة ولادة على حد قول الطبيب!!! . وبعد عشرة أيام تعود المرأة الحامل إلى المستشفى لتنجب طفلاً ميتاً.
· فقدان أربعة توائم
إحدى النساء حامل في أربعة توائم، تدخل المستشفى إثر شعورها ببعض الألم، وتطلب من الطبيب إعطاءها علاجا يخفف الألم غير أن الطبيب يرفض ذلك ويخبرها بأخذ العلاج على مسؤوليتها الخاصة، فيشتد الألم، وبعد طول معاناة يأخذها أحد الأطباء إلى غرفة الولادة دون رقابة لا من الطبيب ولا حتى من الممرضات، فينزل المولود الأول ويرتطم رأسه في حافة السرير دون مساعدة من أحد، ثم ينزل المولود الثاني، ولدى إخبار الطبيب بأن المرأة تلد يخبرهم " خليهم ينزلوا" ، وكأنهم فضلات بحسب ما وصفت المرأة الحامل، هذا بالإضافة إلى بقائها دون غطاء لحظة الولادة ومكشوفة للمريضات وللمارة . ولم يبدِ الطبيب أي مساعدة للمرأة الحاملة إلى أن أنجبت التوائم الأربعة دون مساعدة أي طبيب أو ممرض. ومساء ذات اليوم أخبرت الأم من الممرضة بوفاة ثلاثة توائم، وبعد أسبوع توفي التوأم الرابع!!.
· طفلة تموت لأنه لا يريد التأخر
طفلة عمرها ثلاث سنوات يجري لها طبيب عملية استئصال اللوزتين فلا تستيقظ الطفلة من البنج، ومن ثم يعلن الأطباء عن وفاة الطفلة، وتشكلت لجنة تحقيق لتقرر أن الخطأ الذي حدث يرجع إلى طبيب التخدير بشكلٍ أساسي، مع بعض الإهمال من الطبيب الذي أجرى العملية لأنه غادر المستشفى مبكراً ولم يتأخر حتى تفيق الطفلة من البنج.
· إجابة غريبة!!
أحد الأطفال يقع على الأرض فتنكسر يده، فيقوم طبيب بإجراء عملية تجبير خاطئة لليد المكسورة، وبعد اكتشافه للأمر واعترافه بوجود خطأ في العملية الأولى، يقوم بإجراء عملية تجبير أخرى غير أنها لم تحل المشكلة ، فيجري العملية الثالثة دون جدوى، فيصل الطبيب إلى استنتاج عبر إجراء مساجات لليد سوف يحل المشكلة، فيتم إجراء ما يقرب على الثلاثين جلسة مساج، فيخبر مسؤول المساج الطبيعي بأن الخلل في اليد ليس في التجبير وإنما في عصب اليد ، فيخبر الوالد الطبيب بما قاله مسؤول المساج فيجيب بأن " ما من أحد معصوم عن الخطأ"، ثم يطلب من والد الطفل استخدام مشد لليد وسوف يتحسن وضعها ، ويكتشف الوالد أن الطبيب قد دفع كافة التكاليف المتعلقة بذلك. النتيجة أن الخطأ سبب عطلاً شديداً في عصب اليد.
· بتر عضو تناسلي!!
طبيب يقوم بإجراء عملية ختان لطفل فيبتر ثلث العضو التناسلي لديه، وتجري له محاولة إعادة القسم المقطوع إلا أن العملية تفشل.