جاء عنوان المقالة هذه، من كتاب "روسيا من ثورة إلى ثورة"، (الباب السادس - المخابرات السوفيتية)، وفيه:
في ساعة متأخرة من مساء يوم 6 نيسان 1978، وضع مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية، وشؤون مجلس الأمن الدولي، الدبلوماسي والمستشار السابق لوزير الخارجية السوفياتي "أركادي شفشنكو Arkady Shevchenko"، أمام غرفة زوجته النائمة في شقتهم الفاخرة في مدينة نيويورك، مغلفا فيه 6000 دولار، ورسالة كتب فيها:-
عزيزتي "لنغينا"، أرجو أن لا تتصلي وتسألي عني في بعثتنا الدبلوماسية، أنت تعلمين أين سأكون، وسأشرح لك لاحقا كل شيء!.
وتقول الرواية، إن لقاءً جمع بين "شيفشنكو" ومندوب الولايات المتحدة الأميركية إلى الأمم المتحدة آنذاك، السيد دانيال موينهان Daniel Moynihan، في إحدى الحفلات الديبلوماسية في ربيع عام 1975، عندما سأل "شيفشنكو" نظيره الأميركي دون سابق إنذار:-
كيف ستتعامل الولايات المتحدة معي، في حال طلبي اللجوء السياسي إليها؟
وبعد أيام قليلة، كان "شيفشنكو" قد التقى بعملاء المخابرات الأميركية "السي آي آيه"، في إحدى الشقق السرية في نيويورك، الذين طلبوا منه البقاء في عمله، والعمل معهم ريثما يتم ترتيب ذلك.
ويقول شيفشنكو، في مذكراته، "القطيعة مع موسكو Breaking with Moscow"، لقد كنت أُبلغ السي آي آيه، بكل تفاصيل ما كان يجري في الكرملين أولا بأول! وكنت أقوم بنقل المعلومات السياسية والاقتصادية، كما أنني أعطيت لهم المعلومات الدقيقة عن إنتاج النفط والغاز في البلاد". ويذكر أن الرجل قام بإفشاء أسماء اثنين من كبار رجال المخابرات السوفيتية "كي جي بي"، في واشنطن اللذين تم اعتقالهما فورا.
وجن جنون الكرملين، عندما بدأ الرجل بإدلاء التصريحات الصحفية والتلفزيونية المناوئة للنظام الشيوعي، فالرجل كان أحد أهم الشخصيات في وزارة الخارجية السوفيتية، كما أن صداقته مع عائلة وزير الخارجية "اندريه غروميكو"، كانت قد فتحت له أبواب المناصب العليا في الدولة دون عائق.
وفي أول لقاء قمة مع الرئيس الأميركي "جيمي كارتر"، طالب الزعيم السوفيتي "ليونيد بريجنف" بتسليم الدبلوماسي "المختطف"!.
والحقيقة، أن مدير محطة المخابرات السوفيتية في نيويورك، العقيد "يوري درازدوف"، كان هو أول من لاحظ تغيرات في سلوكيات الديبلوماسي الكبير، وخاصة عندما بدأت الصحف الأميركية تكتب عن وجود عملاء من المخابرات السوفيتية داخل بعثات الأمم المتحدة. وفي نهاية آذار 1978، تقرر استدعاء المشتبه به إلى موسكو. وكان الوقت قد صار متأخرا... جدا!
وفي موسكو، وبعد شهر واحد فقط من الفضيحة الكبرى، انتحرت زوجته في شقتها. كما استدعي ابنه، الدبلوماسي "غينادي" من عمله في سويسرا.
وفي أميركا، كان "اركادي" قد ارتبط بقصة حب مع "مومس"، تدعى "جودي تشافيز"، التي كانت تصغره بخمسة وعشرين عاما. وفي يوم من أيام أكتوبر، من العام نفسه، انتظر العاشق الولهان محبوبته في أحد المطاعم للاحتفال بذكرى مرور "نصف عام" على اللقاء الأول بينهما. ومع أن العشيقة لم تأت! إلا أن طاقم محطة التلفزيون الأميركية الشهيرة "م بي سي MBC" ، كانوا قد أحاطوا بالرجل العاشق، وبدأوا بإلقاء مختلف الأسئلة عليه. وفهم الرجل أن عشيقته قد "باعته" بعد أن اشترى لها السيارات، وحصلت منه على عشرات الآلاف من الدولارات. وفي العام 1998، وجد الرجل ميتا في إحدى الشقق بالقرب من العاصمة واشنطن بعد أن اصيب "بالتشمع الكبدي"، نتيجة إدمانه الكحول، بعد ديون وإفلاسات بلغت أكثر من 600 ألف دولار. وتم دفن (مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية، وشؤون مجلس الأمن الدولي، والمستشار الأول لوزير الخارجية السوفياتي- السابق)، في إحدى المقابر المجهولة، خارج واشنطن، دون أن يوضع شاهد على قبره. (انتهى الاقتباس)
ترى!، ماذا كان السبب في ذهاب مسؤول كبير في دولته، بمحض إرادته! وعلى أرجله! ليطلب من عدوه، دون أي مقابل!، أن يصبح عميلا له! وخائنا لبلده؟، علما بأن الرجل وعائلته، كانوا من أصحاب الجاهة والسلطة والنفوذ في بلدهم؟
كما أن الرجل لم يكن يوما بحاجة إلى المال، فقد امتلك ما كان أصحاب القرار في الدولة والحزب الحاكم يمتلكونه من متاع وبيوت ورغد الحياة!
وكيف لم يصل الرجل بعقله، قبل ذهابه إلى عدوه، بأن قراره هذا، سوف يؤدي إلى تشرد عائلته، قبل أن تنتحر زوجته، ويصبح ابنه الدبلوماسي الكبير، والشخصية الواعدة، موظفا صغيرا وبسيطا في أحد معاهد الدراسات الثانوية؟
باعتقادي واعتقادك أيضا، أن الجواب، كان يكمن في طريقة وسوء اختيار الرجل لذاك المنصب!، بعد أن صار رجالات الحزب الوحيد والحاكم، في ذاك الوقت (أو في كل الأوقات)، هم المؤهلون وهم المرشحون لكل المناصب، دون النظر إلى كفاءات ومؤهلات الرجال الوطنيين من الأحزاب الأخرى، أو حتى من الذين لم ينضموا يوما إلى أي من الأحزاب.