الحدث- توفيق العيسى
لم يمل الكثيرون من حجج الأخلاق والخصوصية للوصاية على الحريات والثقافة والفن، فهذه المرة، أوقف جامعة النجاح الوطنية في نابلس عرضا مسرحيا لمسرح عشتار في مسرح تركي بن عبدالعزيز في الجامعة، متذرعة على لسان عميد كلية الفنون الجميلة غاوي غاوي بالحفاظ على الأخلاق العامة وخصوصية الجامعة الأخلاقية. بحضور عدد من المؤسسات المحلية والأجنبية ووزيرة المرأة الفلسطينية.
وفي كلمته أمام الجمهور، ادعى غاوي أنه مع التعبير الفني الحر، إلا أنه مع التعبير الفني الموائم لخصوصية الجامعة، في كلمته التي قاطعها بعض الحضور باتهامه بالعنف واليكتاتورية حاول غاوي أن يبرر ذلك بأنه وظف عددا من النساء في الجامعة كدليل على رفضه للعنف وأنهى حديثه بقوله: " واللي مش عاجبه ما ييجيش".
إنهدوانا، عرض مسرحي من بطولة الممثلة عشتار معلم، يتحدث عن تاريخ المرأة مستخدمة الأسطورة والميثولوجيا القديمة، في تعددها من "عناة الكنعانية" "وايزيس" في مصر، "وكالي" الهندية " و"فينوس" في الغرب. مصممة في لوحات "سيركية" خطيرة وجريئة تجمع بين الرقص المعاصر والتمثيل. لتصبح عشتار متعددة قولا وواحدة في الفعل الإنساني، تتعدد أدوارها الاجتماعية والإنسانية من أم إلى محاربة وعاشقة إلى "ربة الحكمة والجنون التي تصالحت لديها التناقضات".
بعد مرور وقت قصير على العرض، اقتحم أفراد من إدارة الجامعة غرفة "الكنترول" في المسرح، محاولين إيقاف العرض، بإطفاء الأضواء لتخريب العرض، الأمر الذي جعل الممثلة توقف العرض أكثر من مرة إلى حين عودة الأضواء، ويبدو أن هذه الحيلة الصبيانية لم تكن كافية، فتدخل عميد كلية الفنون في جامعة النجاح ليوقف العرض نهائيا بحجة الأخلاق والخصوصية.
تخريب العرض بهذه الطريقة كان سيؤدي إلى تعريض حياة الممثلة للخطر، التي يقوم عرضها الفني على التركيز أثناء الأداء لحركات السيرك والمهارة والدرجة العالية من اللياقة والدقة، مستعينة بالتقنيات الضوئية خاصة التي أطفأتها إدارة الجامعة كما صرحت "جمعية إيحاء للفنون الركحية" على صفحتها على الفيس بوك، قائلة: "ماذا سيحدث عندما تقومون بإطفاء إضاءة العرض عنوة ودون سابق إنذار؟ ألا تمارسون بهذا عنفا؟! ألا تعرضون حياتها للخطر؟".
الضجة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي الرافضة لوقف العرض، اتفقت على ضرورة صيانة الحريات العامة والثقافة والفنون، ووصف البعض تصرف إدارة جامعة النجاح بالسلوك الرجعي المعادي لقيم الفن والحرية والثقافة والتنوير، واعتبروا أن ما حدث كارثة حقيقة بحق الحريات والثقافة، فيما استاء كثيرون من موقف الجامعة واستذكروا مواقف وأسماء وطنية لها ولمن درس فيها وعايش مراحل النضال الوطني والحال الذي وصلت له الجامعة اليوم.
والشيء بالشيء يذكر، فقد استذكر البعض مواقف أخرى لا تقل عن وقف العمل لإدارة الجامعة، وقمعها للحريات وسلوكها الاستبدادي.
الشاعر غسان زقطان كتب على صفحته: "وقف عرض عشتار معلم في جامعة النجاح والتبرير البائس للمشرف في الجامعة الذي اقترح اختصار العرض، يعكس جهلا محزنا لقيمة أي عمل فني". واعتبر أن ما حدث إهانة جديدة في سلسلة إهانات طويلة من هذه المؤسسة وغيرها، للمنجز الثقافي الفلسطيني بتنويعاته، وتعبير عن البؤس الثقافي الذي ترتع فيه مؤسساتنا. كما كتب زقطان، "وهو ما يتطلب تدخلا من وزارتي التعليم والثقافة وموقفا من المؤسسات الثقافية، وإنه لمن المحزن حقا أن يتحول الجهل إلى وصاية".
وعلى صفحته، كتب خالد عليان، معتبرا أن ما حدث عنف واضح؛ "فالمصيبة أن ما حدث كان في حفل ختامي لحملة مناهضة العنف ضد النساء، والمصيبة الأكبر أن ما حدث كان بحضور وصمت وزارة المرأة ومنظمة اليونسكو وال UN WOMEN".
ودعا عليان إلى تشكيل حملة لطرد عميد كلية الفنون من الجامعة باعتباره أحد أسباب الانحطاط الثقافي والإنساني. وشكر عشتار لأنها كشفت "المستور" وطالب بموقف واضح وصريح من وزارة الثقافة والتربية والتعليم ووزارة المرأة ومنظمة اليونسكو.
كما أدان مسرح القصبة بأشد العبارات ما حصل بحق الفنانة عشتار معلم في جامعة النجاح، وجاء عبر تصريح لهم: "عرض الفنانة عشتار (انهيدوانا) عرض رائع وممتع وكان لنا شرف استضافته في عرض الافتتاح".
يشار، إلى أن مسرحية "إنهيدوانا"، هي عبارة عن عرض فني معاصر يجمع ما بين السيرك والمسرح والرقص، من أداء عشتار معلم وموسيقى رامي وشحة وإخراج إيمان عون. وجاءت تسميتها بهذا الاسم نسبة إلى إنهيدوانا الشاعرة السومرية التي من خلال أشعارها التي كتبتها استطاعت أن ترفع من شأن النساء في مجتمعها السومري في غضون مرحلة كانت فيها الأبوية في طور الصعود. وعليه إنهيدوانا المعاصرة عمل فني يجسد العديد من صراعات النساء في المجتمعات العربية مع الفكر والسلطة الأبوية.