الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

التكنولوجيا المالية… من أين نبدأ؟/ بقلم: عيسى قسيس

2019-12-18 10:29:34 AM
التكنولوجيا المالية… من أين نبدأ؟/ بقلم: عيسى قسيس
عيسى قسيس

 

في ظل الاتفاقات والبروتوكولات الاقتصادية الموقعة خلال وما بعد اتفاقية إعلان المبادئ؛ بقيت المنظومة المالية ولحد كبير مكبلة ببعض المحددات بانتظار مرور فترة الخمس سنوات لإتمام الوعد بالاستقلال، ولم تكن تلك المحددات كثيرة ولكنها كافية لإعاقة التنمية الاقتصادية في فلسطين وبالأخص أن الفترة الانتقالية تمددت خمسة أضعاف حجمها المتفق عليه بفعل سخونة الوضع السياسي، مما حدا بالمنظومة المالية الفلسطينية أن تبقى متأخرة على أقل تقدير. في تلك الفترة ولغاية يومنا هذا، لعبت سلطة النقد الفلسطينية دورها الرقابي على البنوك بشكل قوى وبمهنية عالية وذلك بشهادة جميع الأطراف الداخلية والإقليمية والخارجية، في ظل تعثر المسار السياسي وبالتالي الاستقلال بكل أشكاله السياسية والاقتصادية. 

اليوم وبعد أكثر من خمسة وعشرين عاما، استمرت سلطة النقد بحماية الاستقرار المالي ووجهت اهتمامها للاشتمال المالي والذي يعاني تدني نسبته إلى 36.4 % كما هي في منتصف العام 2018، والتي تقرر رفعها من خلال استراتيجية خمسية 2018 – 2023  إلى 50%، ولكن هنا التحديات والتي هي جوهر مقالي. اليوم نحن مع سلطة رقابية في مقتبل العمر مسلحة بكفاءات تستحق الثناء ولكنها ما زالت تستشعر رياح التغيير.  فاليوم نحن نواجهه التكنولوجيا المالية “Fintech” والتي فرضت نفسها من خلال اختراق الإنترنت لحياتنا بأشكال وخدمات متعددة، فظهرت العلامات التجارية العالمية مثل Apple, Amazon, Facebook, Google التي فرضت نفسها وغيرت وتغير حياتنا بشكل يومي.  التكنولوجيا المالية في كل مفصل في حياتنا، ففي المواصلات،  نراها مكملة لأوبر أو كريم –في منطقتنا- حيث تكمل حلقة العرض بتسوية ثمن الخدمة "تكسي" بسرعة وبسعر أرخص وبطريقة سهلة آمنة لكافة الشرائح، منظومة الدفع هذه بحاجة إلى بنية تحتية على شكل شبكة دفع إلكتروني، ترخص، تشرع وتراقب من قبل البنوك المركزية بنكهة عصرية بعيدة عن الكلاسيكية في عمل الرقابة على البنوك، وعليه أطلق تعبير "تكنولوجيا الرقابة" أو Suptech كتعبير عن الفصل بالتعريف عنها وعن مفهوم الرقابة. فهنا نحن مطالبون بالاستثمار في الطاقات مثلما فعلنا عام 1994 لتأسيس خامة رقابية تحاكي التطور بعلم المال وتجذب المستثمر لخدمة المواطن الذي يعيش حاليا خارج نطاق التغطية وبنسبة 65% من حجم المستحقين للخدمات المالية في فلسطين، ولكن الزمن تغير ونحن بعصر السرعة ولن ننتظر خمسة وعشرين عاما لتلبية طلبنا.

الأمثلة كثيرة بتطبيقات التكنولوجيا المالية وحاجاتنا الملحة لها، وهنا البنوك غير مطالبة بالتنافس مع الشركات الناشئة على خدمات ذات تكلفة مرتفعة بالنسبة لهم، فهذه الشركات الناشئة متخصصة لشريحة أساسا غير مرغوب فيها وغير مغطاة من قبل البنوك التجارية، نظرا لارتفاع تكلفة معاملاتها ذات المبالغ القليلة جدا، وعليه فلن تشارك البنوك زبائنها فهي ستكبر الكعكة -بالمعنى المجازي- والمطلوب من الجهات الرقابية منح الحصانة والمتابعة لهذه الشركات ودعمها بتشريع حاضن مألوف وليس منفر، غريب عن توليفة التكنولوجيا المالية وهنا سر النجاح، هل نتعامل معها باستباقية التشريع أم بردة فعل خلال فترة الحصانه (أو الحضانة)؟؟ بمعنى: هل نشرع وبعدها نرخص أم العكس؟؟ المطلوب هو قرار حكيم يعامل التكنولوجيا المالية كخدمة وليس كسلعة وبالتالي يحدد الفصل بين البنوك والشركات الناشئة؛ ففي الهند مثلا: أعطى البنك المركزي المساحة لتلك الشركات الناشئة لتعمل بتعليمات منظمة بسيطة "وليس بتشريع" لمدة كافية أضحت خلالها هذه الشركات ملاذا آمنا للكثير من المستفيدين من خدماتها والتي توسعت قاعدتهم والخدمات المقدمة لهم، حيث وصلت الهند من خلال هذه الشركات الى نسبة شمول مالي أعلى للفئات المهمشة والتي أصبحت تتمتع بالخدمات المالية والتاريخ المالي الموثق وبالتالي جاهزة للانخراط بالنظام المصرفي بتوسيع نطاق عملها وتطورها. 

هذا ما نريده في فلسطين، البدء من مكان انتهى منه الآخرون