ضوء في الدَّغْل
الحدث.
تُعتبرُ انتفاضة المرأة في الغرب للمطالبة بحقوقها، وعلى رأسها المساواة مع الرجل، لحظة وعيٍ مغايرٍ في تاريخ الإنسان، لأنَّها لحظة الكشف عن خديعة رسَّختْها المجتمعات الذكوريةُ وظلَّ يستفيدُ منها الرجل على امتداد قرون، ولا يزالُ إلى اليوم في أماكن كثيرة من العالم. تلك اللحظة التي أعلنتْ بكلِّ جرأةٍ أنَّ امتلاكَ قصبة الذكورة هو مجرّد صدفة وليس أفضليَّة، وأنَّ الاختلاف بين الرجل والمرأة ليس كمالا للأوَّل ونقصانا للثانية، وإنَّما هو تنوُّع في الجنس البشري، وفي انسجام الاثنين فقط يكونُ الكمالُ. كما يمثِّل هذا الوعي ثورة ضدَّ المؤسسة الاجتماعية الذكورية التي ألحقتْ بالمرأة كثيرا من الأذى في سبيل توفيرها للرجل مختلف أسباب الراحة؛ مؤسسة بناها الرَّجُل وزرع فيها مختلف القيم التي تخدمه وتمنحه السلطة المطلقة.
أمَّا في العالمِ العربيِّ لا تزالُ الذّكورةُ تعتبرُ أفضلية، ولا يزال الرجل في درجات أعلى من المرأة، وهذه الأخيرة تظلُّ خارج الجنَّة مطرودة من المشاركة الحقيقية، الفاعلة والإيجابية في الحياة. والأسباب كثيرة لهذا الحال لعلَّ أهمَّها الجهل المعرفيِّ والافتقار إلى التحضُّر. ولذا ينتجُ عربيًّا نوعان من النظر إلى المرأة، الأول صاغه الرّجل، ويتمثَّل في إلحاق كل صفات النقص والقصور بها، واعتبارها عاجزة عن تحمُّل المسؤوليات الكبيرة، وأنَّها لا تصلح إلا لتربية الأولاد والقيام بأشغال البيت. وقد ترتَّب عن هذا كثير من الخرافات لا تزالُ مسيطرة ومنتشرة؛ منها أنَّ دماغ المرأة أصغر بكثير من دماغ الرجل، وأنَّ الرجل أذكى منها(رغم أنَّ النساء المتعلمات يحصِّلْن على نتائج لا يحلم بها كثير من الرجال) والمرأة عاطفية تصلح للفراش والأولاد بينما الرجل عقلاني مفكِّر في شؤون الحياة وقادر على حلِّ مشاكلها، والأخزى من هذا الاعتقاد أنَّ المرأة نجسة بسبب ما في طبيعتها من حيض ونفاس.
أمَّا نظرة المرأة، وأقصد عموم النساء، فهي صياغة ذكورية أيضا، فالمرأة تنظر إلى نفسها بعين الرجل والمجتمع الذكوريِّ، ومن ثمَّ تكونُ ضحيةً للتهميش والظلم من جهة، ولانخداعها برؤية انتقاصية تبنَّتْها دون أنْ تشعر بذلك من جهة أخرى. وقد يتساءلُ القارئ:كيف تقبل المرأة بهذه النظرة رغم أنَّها لا تخدمها؟؟ والإجابة هي التالي:المرأة العربية نشأتْ في مجتمعٍ ذكوريٍّ وتربَّتْ تحت إشراف الرجل، وتشربَّتْ كل ذلك منذ طفولتها، فصارَ مع الوقت أمرا طبيعيا جدًّا. والدَّليل على هذا هو إيمان كثير من النساء بأفكار لا تخدمهنَّ، وتجعلهنَّ مجرّد خادمات للرجل. وستظلُّ المرأة في العالم العربي تعاني بهذه الطريقة ما دام الوعيُ بحقوقها وبماهيتها لا يزالُ غائبا، أو مغيَّبا من طرف الذكور.
أشيرُ أخيرا إلى نقطة مهمَّةٍ جدًّا وخطيرة في آن واحد؛ تتعلَّقُ بالمرأة المثقَّفة والكاتبة، وتكشف عن مدى تغلغل الفكر الذكوريِّ في ذاتِ المرأة لدرجةٍ جعلتْهُ يطمسُ كلَّ خصوصياتها في النظر وفي التعبير. وأقصد بهذا أنَّ عديدا من الكتابات الأدبية التي تنتجها مُعبَّر عنها بصوت الرجل وبرؤيته إلى المرأة، وإلاَّ كيف نفسِّر الدور المخزي الذي تمنحه بعض الروائيات للمرأة حين تجعلها مجرّد خليلة أو عاشقة مغرومة برجل غير مبالٍ، بهذا ترسّخ الكاتبة أكثر مركزية الرجل باعتباره صاحب السلطة، وهامشية المرأة باعتبارها الطرف المذعن والخاضع دائما. أو في الشِّعر مثلا، حين تقرأ لامرأة فتشعر أنَّك تستمع إلى عنترة بن شدّاد العبسي!!!! أو حين تطالع العشرات من القصائد فلا تجدُ إلا تلك الرؤية الحالمة التي تحرِّكها العواطف فتكتشف أنَّ هذه الشاعرة قد انطلتْ عليها الفكرة المخادعة التي رسّختْها الذكورة:الرجل عقلاني والمرأة عاطفية.
سؤال في حضرة المتنبي:
"وما التأنيث لاسم الشمس عيب
ولا التذكير فخرٌ للهلال".
يا أبا الطَّيِّب، هل كنتَ ستقولُ هذا البيت بمعناهُ الجميل المشرق لو لم تكن المقصودة به أمُّ الأمير سيف الدّولة؟؟؟ هل كنت ستقوله عن جميع النساء؟؟