الحدث الثقافي - هداء سقا
جيلان رسمت ابتسامتها في منتصف كانون الأول، أتت جنوبا ووسطا وشمالا وغربا، خمسة عشر فناناً بعمر الحياة، وقائدهم تامر الساحوري في ثلاثينيات العمر، بأنامل ناعمة لَحن مقطوعة "غربة" في بداية الحفل. اختار هذا الاسم لمقطوعته، فهل الغربة تُشبهه، لأن الموسيقيين في معظمهم يعانون من اغتراب في الوطن، أم تراه ألفها للمغتربين خارج الوطن!، كلاهما اغتراب. تامر الذي أتى من بلده بيت ساحور الدافئة بالحب، المدينة التي تمنح زائريها السكينة. يجاوره يسارا جوزيف دقماق على آلة البيانو ذات الرداء الأبيض والأسود المحببة للكثيرين، ويحاوره مجدي الطنيب الذي يحضن لافتا رافعاً وجهه تجاه السماء، مخاطبا آلة البزق التي يحملها جورج غطاس بابتسامة تلوح على وجهه لساعة كاملة، ويقابله يميناً وسيم قسيس شامخا متواضعا على إيقاع اللحن مراقصا جمهوره.
جيلان أطربت جمهورها فيروزا، فأدت "على طريق النحل"، لبنان في قلب بشار وفارس بنورة عازفي القانون والعود آلتي الروح. ثم سافرت مصر مع نجاة الصغيرة "دواوين الشوارع" باحثة في أزقة مصر عن لحن عروبة وتاريخ أصيل. أما محمد الديك أدى احترافا على الكونتراباص، ومحمد القططى على الأكورديون ويوسف أبو شنب على الرق عازفين على أوتار فيروز "بيقولوا زغيّر بلدي".
آلة التشيلو صديقة النساء والرجال كانت حاضرة بيديّ هبه الأعمى، الفتاة اليافعة التي عزفت على أوتار التشيلو "يا قمر الدار"، فالقمر صاحبها في ليل كانون لتبهر جمهورها برفيقها ليث بنورة على آلة الكلارنيت اللامحدودة المكان.
في منتصف المسرح فتاة وشاب يغنون فرحاً وألما وحبا وماضيا ومستقبلا. ريم المالكي التي تبلغ خمسة عشر عاما تعتلي المسرح وكأنها عشرينية بغنائها صبية تشرق بوجه وضاء وصوت عذب، بمرافقة عبدلله عصفور الصوت الرخم متغنيا بمارسيل خليفة "في البال أغنية" التي صفق لها الجمهور حرارة، واختتم بوديع الصافي "عالله تعود". فالحفل بدأ بلحن غربة وانتهي بطلب العودة وكأن البداية والنهاية تتشابهان تناديان بالعودة، فالاغتراب والغربة أرهقا الوتر والكلمة واللحن.
فرقه جيلان الموسيقية قدمت هذا الحفل في اختتام مهرجان ليالي الطرب في قدس العرب والذي ينظمه معهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى في دورته العاشرة. ويعقد بشكل مركزي في مدينة القدس إضافة لبعض العروض في الضفة الغربية.
جيلان هي فرقة غنائية عربية ذات طابع شرقي وتتكون من اثني عشر عازفًا وعازفة من فلسطين، تهتم بإحياء الأغاني الكلاسيكية القديمة والموروث العربي بشكل عام، وسُميّت "جيلان" لأنها تجمع بين جيليْن موسيقيين، وهما: جيل الأساتذة وجيل الطلاب. تستضيف الفرقة في كل عرض عددًا من الأصوات الشابة المهمّة في فلسطين، وضيوفها في هذا العرض الفنانة الشابة ريم المالكي والشاب الفنان عبدالله عصفور، ويقود الفرقة عازف العود والمؤلف الموسيقي تامر الساحوري.