تسارع الأحداث في منطقتنا العربية من أحداث لبنان وسوريا والعراق وليبيا والانتخابات الإسرائيلية وغيرها؛ تكاد لا تعطيك مجالاً لمتابعة التطورات على الصعيد المحلي.
وفي غمرة هموم ومشاكل الاحتلال اليومية، فكلما تسمع خبرا داخليا عن مواقف لجماعات لا تتقاطع معها بشيء تقول إن ذلك حدثاً عابراً، فلماذا القلق والانزعاج والتعليق، ولكن يبدو أن هذهِ الفترة لم تكن كسابقاتها بحكم تسلسل وتسارع الأحداث والسلوك الذي يُشعرك أنك تعيش في دنيا غير دُنياهم، أخلاق وسلوك ومواقف غير ما يدعون أنهم يمتلكونها، وأخيراً تزداد قناعتك بأنك لا تنتمي أنت وهذهِ المجموعة إلى نفس العصر أو الوطن.
في كل المجتمعات وحتى أكثرها تطوراً تجد دائماً مجموعات لا تمت إلى السلوك الإنساني بشيء، ولا تلتزم بالقانون العام الموجود في بلادها، فمثلاً كثيراً ما تجد مجموعات نازية أو عنصرية أو غير ذلك تحاول دائماً زعزعة السلم الأهلي بالمجتمع، وبالتأكيد لو سُمح لهذهِ المجموعات أن تمارس فكرها وعقيدتها لكانت أغلب المجتمعات الأوروبية المتطورة تفككت وانهارت وتآكلت من الداخل، ولكن بحكم وجود الدولة والسلطة والقانون فهي مُنزوية ولا يسمح لها بخلخلة أو مُخالفة الأُسس القانونية للدستور العام للبلد.
و لكن للأسف ما يحصل عندنا غير ذلك، فرغم وجود إرث حضاري وأخلاقي لشعبنا، إلا أنك تلاحظ بالفترة الأخيرة تزايد نشاط المجموعات العنصرية الإرهابية فكراً وممارسة والتي تُريد أن تطبق فكرها الرجعي المُتخلف على مُجتمعنا.
إن السكوت عن سلوكهم وتصرفهم لمرة واحدة يُعطيهم دوماً مجالاً للاستمرار والتطرف أكثر وأكثر ودائماً هناك احتمالان لسلوك السلطة: موقف المتفرج فإما أن هناك رضا من قبل البعض عن هذا السلوك أو الضعف والخوف من مواجهتهم. فبداية ما حصل في جامعة النجاح من إلغاء لحفل فني حضاري وثم تراجع إدارة الجامعة عن سلوك عميد الكلية هذا لا يهم، الأهم هنا هو حضور وزيرة شؤون المرأة الحفل وسكوتها، بل من الممكن رضاها عن الطريقة الهمجية في وقف الحفل وكأن ما حدث لا يعنيها أو يُخالف فكرها وفكر مجلس الوزراء برمتهِ.
وبعد ذلك مباشرة زوبعة اتفاقية سيداو وبيان عشائر الخليل وهذا أنا اتفهمهُ تماماً كون هذهِ الجماعات المُعارضة بالمُجمل لاتفاقية سيداو تخاف من النهضة الحضارية والإنسانية لمجتمعنا حتى لا يفقد الرجل سيطرتهُ المطلقة على كافة مناحي الحياة ولنبقى نحن في مصف المُجتمعات غير المُشاركة في العطاء العلمي والحضاري والإنساني، هذا قد اتفهمهُ من جماعات هي مُنغلقة ومُنعزلة ومُتخلفة فهذا من حقها ولكنني هنا لا أتفهم موقف حركة فتح بالخليل المُفترض وهي الحزب الحاكم والحركة التي في بيانها التأسيسي تدعي لبناء دولة مدنية تقدمية، فكيف يتم ذلك وأين موقف القيادة المركزية للحركة من بيان أبنائها في الخليل مثلاً؟ وحديثاً تسمع النداءات ومن نفس المجموعات للأسف والتي تُرك لها المجال لتفعل ما تشاء نرى الأصوات المُنادية بمقاطعة الصين مُتذرعة بأن دولة الصين تعمل على إبادة الأقلية المُسلمة وتقوم بحملة تطهير عرقي ضدهم.
هذا الموقف يتناغم تماماً مع فكر وسلوك الإدارة الأمريكية وحليفتها إسرائيل بمحاولة إضعاف النمر الصيني والذي بات يُشكل وحدهُ وبالتحالف مع روسيا الخطر الأكبر على الهيمنة الأمريكية وإنهاء حقبة الأحادية القطبية بالعالم، و لهذا نرى بأن هذهِ الدولة التي وقفت ولا تزال إلى جانب شعبنا وقدمت الدعم الكبير العسكري والمالي و العلمي أكثر مما قدمتهُ كل الدول المُسلمة والمسيحية مُجتمعه.
إن التجربة الصينية الفريدة والنمو الاقتصادي والعلمي الذي وصلت لهُ هذهِ الدولة جاء أولاً بفضل الثورة الثقافية التي أحدثها ماو تسي تونغ و رفاقهِ، وهذا بالضبط ما نحن بحاجة لهُ بالوطن العربي عامة و بالمجتمع الفلسطيني خاصة، ثورة فكرية وثقافية وعلمية من خلال تطوير المناهج والمعايير السلوكية والقانونية وهذا بالأساس مسؤولية الدولة بكل مكوناتها. وإذا بقينا ننظر إلى سلوك هذهِ الجماعات دون مواقف رادعه ربما سيكون قد فات الميعاد وسنهدم بأيدينا الإرث الإنساني الحضاري لشعبنا الفلسطيني.
و لهذا علينا أن نعرف، فهل نحن مُجتمع قانون أو مجتمع عشائر و قبائل؟ ومن الذي يُحدد معالم الهوية الفلسطينية الجامعة وهذا يجب أن يتم سريعاً قبل فوات الأوان .