لا شك بأن الانتخابات أصبحت مطلباً شعبياً وضرورة وطنية بعدما أدرك الجميع بأن القضية الفلسطينية باتت على مفترق طرق، لاسيما في ظل الانقسام والغطرسة الإسرائيلية التي لا حدود لها، والتي أخذت شكل العربدة بعدما اعترفت إدارة ترامب بأن القدس عاصمة للشعب اليهودي، وبعد إعلان وزير خارجية ترامب أن المستوطنات في الأراضي الفلسطينية لا تعتبر خرقاً للقانون الدولي، مما يعني تراجع الولايات المتحدة عن فكرة حل الدولتين، وأخيراً إعلان نتنياهو عن نيته ضم منطقة الأغوار لدولة إسرائيل، هذا في ظل تراجع مواقف بعض الدول الأوروبية وفقدان مساندتها للموقف الفلسطيني، وفي ظل الوضع العربي الذي يعاني من أزمات متدحرجة ما زال يتخبط لإيجاد حلول لها، مما جعل الموقف العربي يتسم بالضعف والعجز والانشغال في معارك مصطنعة تنعكس سلباً على القضية الفلسطينية، خاصة بعد قيام بعض الدول العربية باتخاذ خطوات متقدمة تجاه التطبيع مع إسرائيل، والتي سيكون لها تداعيات حتما ستنعكس حتماً بشكل سلبي على القضية الفلسطينية.
في ظل هذه الأجواء، جاءت الدعوة إلى انتخابات فلسطينية عامة… فلماذا الانتخابات… وإلى أين؟
قد يكون الوضع الداخلي الفلسطيني المتأزم الناتج عن كل ما سبق ذكره، سبباً رئيسياً لهذه الانتخابات في محاولة للخروج أو الهروب من الأزمة، وقد يرى البعض أن الانتخابات هي مطلب دولي لأجل تجديد الشرعيات الفلسطينية، وتحريك المياه الراكدة، لتحفيز المجتمع الدولي لتبني رؤية سياسية لصالح الفلسطينين تتجاوز الموقف الأمريكي، وتؤدي إلى اعتراف دولي بالدولة الفلسطينية كما أقرتها الشرعية الدولية.
إن هذه الانتخابات وإن كانت ضرورة ملحة (في ظل هذا الوضع الذي يزداد فيه التآمر على القضية الفلسطينية من خلال ما يسمى بصفقة القرن)، يجب أن يكون حوار وطني شامل قد سبقها، يتضمن مراجعة موضوعية للمرحلة السابقة للخروج ببرنامج وطني جامع متفق عليه وملزم، يحافظ على ثوابت القضية الوطنية.
وهذا يتطلب من فصائل العمل الوطني والإسلامي والمؤسسات الشعبية أن تقف عند مسؤولياتها؛ فلا يجوز الوقوف على الحياد في القضايا التي تهم المصير الوطني، ومستقبل الشعب الفلسطيني وهويته الوطنية.
وعليه، يجب على الجميع تحمل مسؤولياته بشكل شفاف وموضوعي لأن التاريخ لا يرحم، خاصة وأننا نمر بمرحلة لا تقل خطورة عن مرحلة الأربعينيات من القرن الماضي والتي أدت إلى النكبة. ولعل أخطر ما فيها هو ما يجري من تفاهمات بين الاحتلال وحركة حماس برعاية عربية.
إن التآمر على مستقبل الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، قد اتخذ خطوات عملية تهدف إلى عزل قطاع غزة عن محيطه الفلسطيني، كي يتفرد الاحتلال بما تبقى من أراضي الضفة لإنهاء مفهوم الكيانية الفلسطينية لدى الشعب الفلسطيني، وخلق بيئة طاردة للفلسطينيين من خلال حصار اقتصادي وأمني، تدفعهم إلى الهجرة والقبول بحكم ذاتي شكلي يبقيهم أسرى للاحتلال.
إن إجهاض المؤامرة بحاجة إلى تحرك شعبي تتخلله مؤتمرات شعبية في الوطن والشتات لأجل الخروج ببرنامج وطني ملزم لجميع الأطراف الفلسطينية، ويعتبر الخروج عنه خروجا عن الصف الوطني، وعلى أساسه تجري الانتخابات.
إننا أمام مرحلة حساسة تتطلب منا كفلسطينيين ترتيب أوضاعنا الداخلية قبل الدخول في مغامرات غير محسوبة بل محفوفة بالمخاطر، فالانتخابات وإن كانت مطلباً ملحاً إلا أنها بحاجة إلى وضع أسس وطنية تؤدي إلى الخروج من حالة التراجع والتردي كي تشكل رافعة تعيد الأمور إلى نصابها قبل فوات الأوان.