الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

معجم كارل بوبر (35/1)* العقلانية النقدية

ترجمة: سعيد بوخليط

2020-01-09 10:41:05 AM
معجم كارل بوبر (35/1)* العقلانية النقدية
كارل بوبر

تقديم

عندما صادفت، منذ عقدين، كتاب الأستاذة الفرنسية روني بوفريس، الصادر حديثا آنذاك. توخيت بداية، إنجاز مقاربة تلخيصية تعريفية للعمل باعتباره عنوانا جديدا على  رفوف المكتبات. لكن بين طيات ذلك، تبين لي أن كتاب: العقلانية النقدية عند كارل بوبر ثم السيرة العلمية لصاحبته، ينطويان على قيمة معرفية كبيرة. لذلك، من الأمانة العلمية والتاريخية إن صح هذا التأكيد إعادة كتابته باللغة العربية: 

*اشتغلت روني بوفريس؛ من بين أشياء أخرى، على نظريات كارل بوبر. وترجمت له أعمالا من الإنجليزية إلى الفرنسية؛ لا سيما سيرته الذاتية. كما أن بوبر نفـسه؛ أوكل لها مراجعة الترجمة الفرنسية لعمله الذائع الصيت بؤس التاريخانية.

*اعتبرت روني بوفريس عملها هذا، تقديما عاما لمعجم بوبر المفهومي. ساعية بذلك، إلى جرد ألفبائي للمصطلحات والمفاهيم التي وظفها بوبر، قصد صياغة مشروعه. لقد رصدت وفق تعريفات سريعة لكنها دقيقة وعميقة؛ أهم المفاهيم سواء تلك التي نحتها بوبر، أو توخى في إطارها، على العكس من ذلك، مناقشة أصحابها وإبداء رأيه حولها: العقلانية النقدية/ التحقق/ المعرفة الموضوعية /المحتوى/ النظريات العلمية / تحديد /الديمقراطية / المجتمع المنفتح/ مقولة الأساس/ قابلية التكذيب/ قابلية التزييف والتفنيد/ الرائزية /التاريخانية / العقل و اللغة / اللاوعي/ الاستقراء / الوسائلية /الليبرالية / الماركسية/ الميتافيزيقا / العوالم الثلاث / المجتمع المنغلق /الوضعية/ القابلية / النسبية / الكليانية والطوباوية / التوتاليتارية.

خطاطة مفهومية، تعكس البرنامج النظري والمنهجي الذي خطه بوبر لنفسه. وقد توزع بين: منهجية العلوم؛ فلسفة المعرفة العامة؛ البيولوجيا؛ علم النفس؛ العلوم الاجتماعية؛ تأويلات الفيزياء الحديثة؛ تاريخ الفلسفة؛ فلسفة الأخلاق و السياسة؛ نظرية العلوم الاجتماعية .

أرضية فكرية وعريضة، يتجادل ضمنها مع: أفلاطون وسقراط وهيغل وماركس وفتجنشتاين وهيوم وكانط … إلخ. منحازا أو مختلفا، لكن بمعنى يتجاوز حدي منطق الميتافيزيقا الغربية الثنائي القيمة: صادق أو كاذب، ولا يوجد احتمال ثالث. لأن بوبر يؤكد نصيب الحقيقة من الخطأ. السمة الفكرية التي تهمه؛ أكثر من اليقين والاعتقاد المطلقين.

هكذا ظل بوبر رافضا باستمرار، لكل أنواع الطوباويات والإطارات الشمولية المنغلقة؛ بل والأفكار الرومانسية المنتهية حتما إلى العقيدة الجامدة والدوغماطيقية؛ لأنها تستند بدءا وانتهاء على المرجعية الأحادية.

 لم يكن من باب الصدفة إذن، أن يخرج بوبر آخر أعماله تحت عنوان مثير: "أسطورة الإطار، في دفاع عن العلم والعقلانية". يقول بوبر في تأويل لما أشرت إليه: (( وعلى الرغم من أنني معجب بالتقاليد وعلى وعي بأهميتها، فإنني في الوقت ذاته أكاد أكون مناصرا أصوليا للا-أصولية، إنني أستمسك بأن الأصولية هي الأجل المحتوم للمعرفة، مادام نمو المعرفة يعتمد بالكلية على وجود الاختلاف. وكما نسلم جميعا، الاختلاف في الرأي قد يؤدي إلى النزاع، بل وإلى العنف. وأرى هذا أمرا بالغ السوء حقا، لأنني أستفظع العنف، غير أن الاختلاف في الرأي قد يؤدي أيضا إلى النقاش، وإلى الحجة وإلى النقد المتبادل. وإني أرى هذه الأمور ذات أهمية قصوى، وأزعم أن أوسع خطوة نحو عالم أفضل وأكثر أمنا وسلاما، قد قطعت حين وجدت حروب السيف والرمح لأول مرة من يضطلع بها، وفيما بعد حين حلت محلها في بعض الأحيان حرب الكلمات )) ( أسطورة الإطار: في دفاع عن العلم والعقلانية. ترجمة يمنى طريف الخولي. سلسلة عالم المعرفة. أبريل- مايو 2003)

ولكي يتم تسليط الضوء بقوة، على الأفق المتطور لهذا الفكر الإنساني في جوهره، أسرعت بوفريس غير ممتثلة لترتيبها الألفبائي؛ نحو الصفة التي عشق بوبر، أن يسمّ بها اجتهاداته الفكرية والمنهجية. أقصد تصنيف: العقلانية النقدية .

فما هي إذن أبرز ملامح وتجليات هذه الفلسفة؟ ثم  كيف عملت بوفريس على توظيف ذلك حين مقاربتها مشروع بوبر؟ لا شك، أن الإجابة عن بعض هذه الأسئلة تخول من جهة أخرى؛ إثارة انتباه القارئ نحو أهم أطروحات هذا العمل، والتي سنقف على مضامينها عبر سلسلة هذه الحلقات.  

العقلانية النقدية:

إن ما يهم بوبر خصوصا ما يتعلق بالجدالات الفلسفية، ليست المناظرات الشفوية، والنقاشات حول أسئلة الكلمات وكذا البحث في أجوبة عن أسئلة، "ماذا؟"، ذلك أن فيلسوف، كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية. يفضح ما سماه بـ "الماهوية"، التي يرجع أصلها إلى أرسطو معتبرا أن ما هو أساسي في الفلسفة أو العلم، يقوم على مفهوم قضية للتحليل، تبعا لما يسميه بـ : أوضاع القضية.

 قد يبدو التصور متناقضا، حتى ولو وظف بوبر بالخصوص كثيرا من الألفاظ في صيغة تحيل على إطار عقائدي ''isme''. وبالتالي اشتق بمفاهيم جديدة "معجما بوبريا"، حيث إن مشروعا كهذا لا يمكنه التجلي بدون شرعية أو فائدة، حينما يؤسس كإضافة اسم: "العقلانية النقدية".

مصطلح وظفه بوبر من أجل وصف فلسفته الخاصة، وتقديم شامل لفكره. مع أن هذا المعجم تم وضعه انطلاقا من ترتيب ألفبائي، إلا أننا سنخرج عن ذلك باستثناء حينما سنبدأ ببعض الكلمات حول الفكر النقدي. لكن قبل التدرج وفق هذا الترتيب، لنقارب أولا "العقلانية النقدية".

يظهر مبدئيا، أن العقل في حاجة إلى أساس: أن تكون عقلانيا، معناه أن لا تترك مكانا للاعتباط، ثم تفسر الوقائع بأن تجد لها عللا. وتبحث في تأكيداتها، بالتدليل عليها انطلاقا من تأكيدات أخرى، ثم تنظم حركتها بإخضاعها لمخطط أو مبدأ.

مع ذلك، تحيلنا فورا، ضرورة البرهنة هاته، حتى نتجنب الارتداد إلى اللانهائي، على إلزامية أساس أولي. يبدو أننا في حاجة إلى أرضية للانطلاق تعطي إمكانية الانفلات من الشك وتضعنا ضمن نطاق اليقين.من المؤكد،أن العقلانية الفلسفية تم تحديدها لمدة طويلة من خلال الاعتقاد، في إمكانية إيجاد أساس نقيم عليه بشكل متين صرح معرفتنا.

تقاسم اتجاهان هذا الأمل. الأول عقلاني، حاول استلهام أفلاطون وديكارت، من خلال إيجاد هذا الأساس اليقيني بخصوص احترام البداهة الذهنية، والمأخوذة كضمان للحقيقة. لكن ظهر سريعا، أنه مسار بلا منفذ : حتى بالنسبة لعلم الرياضيات، حيث بدا بأنها مقبولة، لكنها فقدت قيمتها خلال اليوم الذي تخلينا فيه عن فكرة الحقائق الذهنية الأولى التي يدركها الحدس. لذلك، ما إن نتوخى معرفة العالم والتأثير فيه، إلا واكتشفنا أن الأفكار الأكثر انسجاما ووضوحا وبساطة تعتبر غالبا،الأكثر خطأ.

مقابل ذلك، اختار البعض المسار التجريبي: بمعنى تظل التجربة أساسا أوليا لخطاباتنا وأفعالنا، أي معطيات الحواس. وتصير كل نظرية مصدرها غير التجربة باطلة ومجانية.

إلا أن هذا السعي تعرض بدوره للإخفاق. ما دام تأكد في الحال، بأن سلسلة نهائية من التجارب يستحيل بالنسبة لها توضيح القضايا العامة،التي نحتاج إليها فيما يتعلق بعلمنا وكذا أفعالنا. لا يمكن للتجربة،الذهاب أبعد من ذاتها، ولا تؤكد أي شيء.

 إذن، حين إدراكنا بأن العقلانية، كمجهود يتوخى إيجاد أساس إيجابي يقيني بخصوص معرفتنا بالواقع،سيبدو حينئذ من الصعب الدفاع عنها. لذلك،تصبح اللاعقلانية بمثابة الطريق المفتوح في حقل المعرفة.

 حسب القاعدة الشكية: يستحيل البرهنة على أن معرفتنا حقيقية وتدرك الواقع. ثم تقول صيغة أكثر اعتدالا للنسبية،مايلي: وإن ظهر العلم كأداة فعالة،فلا شيء بوسعه البرهنة على أن نظرية علمية قد تكون أفضل تمثيل للعالم قياسا لنظرية أخرى ،حتى الذين يعطون دائما قيمة للفكر وأعماله يظلون لا عقلانيين: فـ"العقل" كقوة تنظيم ومبدأ للانسجام، مجرد قوة ضمن أخرى، بحيث لا يشير إلى موقف ينطوي على أساس.

هل الوضعية يائسة مطلقا؟ في الواقع، خلال اللحظة التي نعتقد معها بفشلنا، نصل في حقيقة الأمر إلى النجاح. صحيح، ينعدم أساس يقيني لمعرفتنا، أي لا وسيلة تجنبنا الخطأ بشكل مؤكد. لكننا نقر في نفس الآن، أننا نكتشف طبيعة الخطأ، وكيفية البرهنة على خطأ نظرية معينة.

حقا، توفرت لدينا باستمرار وسيلة، من أجل الحسم لصالح نظرية أو القطع معا: فلا يمكن للتجربة تأكيد عبارة عامة والبرهنة عليها، بل فقط تكذيبها. نمسك هنا بأساس، ولو اتسم بالسلبية ولايمكنه التموضع قط عند نقطة الانطلاق. بوسعنا دائما فصل النظريات الخاطئة عن الصحيحة، وتبني الأخيرة. حينما نستسيغ تعريف العلم بطريقة سلبية، جاعلين التراكم المدهش لنتائجه مجرد أثر لاستبعاد الخطأ. حينئذ تبدو المعرفة ممكنة.

توجد من الآن، صيغة للفكر العقلاني، وهي فكرة بوبر الأساسية، بمعنى ليست اعتباطية. أقصد: الفكر النقدي. ينصب المبدأ الأساسي لهذا الفكر، على أن نضع موضع اختبار مختلف الأفكار التي بحوزتنا: الانطلاق من مبدأ عدم إمكانية تقرير قيمة من القيم،سوى بعد البرهنة عليها. ومهما جاءت نتيجة الاختبار، أعتبرني مستفيدا: إذا دُحضت نظريتي، فقد تقلص عدد النظريات القائمة؛ أما في حالة صمودها أمام هذا الدحض فإننا نكتسبها بنوع من الصلابة.لذلك،أن ننتقد بصرامة النظريات التي نعبر عنها نتيجة مقابلتها بالتجربة، يمثل السبيل الوحيد الذي يمكن من التطور.

تظهر بسرعة نتائج كثيرة لفلسفة العلوم،من خلال تعريف الفكر النقدي :

1 – لا يجب اختيار نظريات تنفلت من التكذيب، بحيث لا نتمكن قط من اكتشاف خطئها المحتمل. إن عدم قابلية نظرية للدحض،لا يدل على قوتها، بل عدم جدواها في اللحظة التي نقر فيها بأن كل نظرياتنا يمكن أن تكون خاطئة.

2 – لا يجب دائما أن نأخذ ضمن نظريات عديدة، تلك الأكثر يقينية أو الأقرب احتمالا، بل أكثرها جرأة وغنى وبعيدة الاحتمال، أي قطعا القابلة جدا للتزييف: لأنها يمكن أن تعلمنا بامتياز، النجاح أو الإخفاق.

3 – لا يجب أن نحمي بأي ثمن نظرياتنا، لكن على العكس إخضاعها للنقد الأكثر صرامة، مع التذكير بأن التفنيد يمثل في حد ذاته نجاحا.

4 – لا يمكن النظر إلى أية نظرية باعتبارها حقيقة ثابتة: حتى ولو اجتازت مجموعة من الروائز بنجاح، فإنها تظل مجرد فرضية، قابلة دائما لأن توضع موضع تساؤل. الاعتقاد بيقينية نظرية، يعكس تأكيدا للجهل، وكبحا لتطورها، أفق يتحقق فقط بالنقد. لذلك أشار بوبر مع آخرين إلى قابلية العلوم التجريبية للخطأ، سياق أخفاه طويلا النجاح المسلم به للنظرية النيوتونية، وتزيينها لجاذبيات اليقين، لكن الثورة الأينشتاينية عملت على إبرازه.

بينما قابل أفلاطون الإبيستيمي، كعلم واقعي حقيقي، مع الدوكسا Doxaباعتباره رأيا متقلبا وخطابا بلا أساس، فقد نظر بوبر إلى العلم التجريبي كمجرد  دوكسا.

5 –ليس العلم امتلاكا للحقيقة، لكنه يبحث عنها: يكمن فقط العقلاني الذي تنطوي عليه المعرفة، في خاصيتها الديناميكية، أي من خلال إمكانية نموها. تطور ينهض على خط لا نهائي، إذا توقف يوما، ليس نتيجة كونه بلغ الحقيقة المطلقة، مسألة بلا معنى،  لكن نظرا لتخليه عن المنهجية النقدية.

6 – العلم جزء أساسي من الكون، يصنع تحوله، لذلك يلزم إدراك هذا العالم ذاته كتطور، خاضع لحركة لا تتوخى أي حد نهائي. مما يتضمن، ضرورة عدم  فهم العالم باعتباره حتمية. هنا تنزع منهجية بوبر، وجهة الأنطولوجيا.

تتجلى بداهة، على ضوء عقلانية بوبر السلبية: مانتصوره في المعتاد عقلانية،يتناقض مبدئيا مع العقلانية الجوهرية: الدوغماطيقية. يتجلى المبدأ الجوهري لهذه العقلانية الخاطئة، في حاجتنا لحقيقة يقينية،واستبعاد أي شيء لم نختبر حقيقته.

 ينبغي من أجل امتلاك حقائق كتلك،أن نستأثر بمنبع ثابت للمعرفة. نعثر عليه انطلاقا من قاعدة أن كل ما هو مباشر يعتبر حقيقيا: الحدس البديهي لدى العقلانيين، ومعطيات الحواس عند التجريبيين، لا يمكنها بحسبهم أن تخدعنا. حينئذ، يبدو من السهل تقديم تفسير لهذا الصخب المتمثل في الخطأ: يتعلق الخطأ بزلة إنسان غير قادر على الإمساك الدقيق بالمصدر الخالص للمعرفة، لأنه أفسح المجال لحلول بعض العناصر: الإرادة المتسرعة جدا عند ديكارت،ثم اللغة بالنسبة للتجريبيين.

إذن، بعمل تطهيري وعودة للأصل، نحتمي بالمطلق ضد الخطأ. هكذا، اتفقت الفلسفتان، حول الأساسي، بعد أن استمرت متنافستين غالبا.

امتلكت عقلانية من هذا القبيل، مقدرة كي تقطع مع التقليد المعرفي القائم على سلطة بعض الخطابات. لكنها حقيقة لازالت خاضعة للاستبداد، ما دامت تبحث عن مرجع أولي يتيح استبعادا نهائيا للجدال.

لذلك من الضروري، حسب بوبر، السعي نحو الارتقاء بعقلانية غير سلطوية. بمعنى متعددة ونقدية في الجوهر، تكشف لنا أخطاء العقلانية الزائفة.

 في المقام الأول، يعتبر خطأ التسليم بمصدر للحقيقة: لا الحدس أو الحواس بمباشرين، وإن تحقق الأمر على هذه الشاكلة ،فلا يمنحهما أي امتياز. باختصار من العبث إعادة ربط مسألة حقيقة نظرياتنا، بحقيقة أصلها: قد يكون أي شيء مصدرا للإبداع النظري، ولا يمكننا تحديد قيمة فكرة إلا جراء اختبارها.

 في المقام الثاني، أيضا يعتبر خطأ، التطلع نحو حقيقة يقينية: بل نحتاج فقط إلى تهيئ معيار لاختيار نظريات أفضل قياسا لأخرى، مؤشرنا في ذلك الصمود أمام النقد. ربما قد نعترض، بضرورة التوفر على معرفة أكيدة، عندما نسعى إلى ممارسة عملية النقد، بيد أنه اعتراض غير متماسك: النقد، يعني السعي للإقصاء، وليس الإقرار. قد ننتقد، ببساطة، حتى نظهر تفكّك نظرية، ونستخلص منها نتائج لم تكن متوقعة أو غير مرغوب فيها، قياسا إلى ما قبلناه حتى اللحظة، أيضا ربما تبيَّنا ملامح نظرية أفضل منها.

عموما، لا يمكن النظر إلى أي مكون من المكونات التي تخدم النقد، باعتبارها مقبولة مطلقا: تتطور معرفتنا باستبعادها للخطأ،لكنها تبقى دائما تخمينية.

أخيرا،غير صحيح أن نعتبر الخطأ صخبا: يمثل على العكس،حالة طبيعية. لايمتلك الإنسان، بداية أيَّ حظ للنجاة من شباكه، ألم يمنح سلفا تخميناته إلى الكون الذي تتجه إليه. بمعنى ثان، لا يوجد مسلك سهل أمام الإنسان، يمنحه سبيلا صوب الحقيقة: الإنسان معرض للخطأ.

لايحيل الخطأ على خطأ ثان، يستحيل تجنبه، بل يمكننا فقط استبعاده. مما يفترض طبعا، إقرارنا بالحوار النقدي، مثلما أن تعدد وجهات النظر، ليست دليلا على الانحطاط، بل وسيلة جوهرية تؤسس معرفة صحيحة أكثر فأكثر.

 يطبق السعي النقدي في كل مكان، سواء بالنسبة لحقل العلوم الإنسانية، وكذا العلوم الطبيعة وميادين الحركة.

 السياسية العقلانية،تمنح ذاتها إمكانية الكشف عن الأخطاء التي اقترفَتْها من أجل استبعادها، مما يتيح لها إمكانية التطور. سياق، يفترض استبدال الموضوع الطموح جدا للسعادة الاجتماعية (تكتفي السياسة بالعلم واليقين) بموضوع أكثر بساطة وبفعالية أقوى، يتوخى الصراع ضد المعاناة.مسار خصب وحيد، يبقى بدوره في هذا الإطار، سلبيا.

*المصدر:

Renée Bouveresse :le rationalisme critique de karl popper ;ellipses ;2000.