السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

مشروع القرن: دولة فلسطين/ بقلم: سام بحور ونسرين مصلح

تحيك فلسطين نسختها من سطور كتاب "أمة المشاريع الناشئة" بخيوط تروي الصمود الاقتصادي، والذي يحتل مكانة جوهرية في تأسيس دولة حرة ومستقلة.

2020-01-09 01:51:59 PM
مشروع القرن: دولة فلسطين/ بقلم: سام بحور ونسرين مصلح
فلسطين

 

لا يمر يوم دون أن يتساءلَ أحدنا عن إذا ما كان هناك اقتصاد فلسطينيّ على أرض الواقع؛ ولعلّه تساؤلٌ مشروع في ظل خمسة عقود من الاحتلال الإسرائيلي بجذوره الضاربة والممتدة يوماً عقب يوم. وعادة ما نسمع هذا السؤال من القادمين لقضاء زيارة قصيرة؛ بعضهم من الفلسطينيين الذين يعيشون في الشتات، وآخرين أجانب الآتين فرادى أو في مجموعات لدراسة واقعنا من أجل النهوض بالسلام. ولكننا نفترض أنّ سبب قدوم معظمهم هو استكمال دراساتهم، وتطوير مساراتهم المهني. إن ما يزيد من ثقل ووطأة هذا السؤال على أسماعنا حين يثيره خريجو جامعاتنا. وتبقى إجابتنا الوحيدة على هذا التساؤل نعم دونما أدنى شك.

إذا ما كنت ممّن يساورهم الشكّ حيال إمكانية بزوغ وصمود اقتصادنا في ظل الاحتلال الإسرائيلي العسكري دون أن ننكر ما ينطوي عليه من جوانب أليمة، فإننا نطلب منك أن تمنحنا قليلا من الوقت في الاطلاع على مقالنا هذا. الفلسطينيون رجالا ونساء ليسوا أبطالًا خارقين لكي يتمكنوا من حراسة نار نضالهم الطويل من أجل الحرية والاستقلال دون تأمين خبز كفافهم، أو دفع تكاليف تعليم أبناءهم، فضلاً عن احتياجاتهم الحياتية مثل الزواج ثم تأسيس الأسر، واقتناء منزل وابتياع سيارة، وارتياد المطاعم، وغير ذلك.

ما تبرح دولة إسرائيل تشد خناق الاقتصاد الفلسطينيّ بقبضةٍ من حديد. حتى بات أكثر من أربعين ألفًا من الفلسطينيين يتخرجون ويدخلون سوق العمل سنويًا، ومن هؤلاء لا يجد سوى عشرة آلاف خريج حيزاً لهم في سوق العمل بشقّيه العام والخاص؛ وعليه فإن تحديَنا الجمعي يتمثل بتوقف البقاء الاقتصادي لفلسطين، ولربما البقاء السياسي أيضاً، على تأمين أرزاق جموع الفلسطينيين بمعدل ووتيرة لا سابق لهما.

اننا محظوظان بتواجد أناس إيجابيين في محيطنا رغم كل هذه الظروف، وبدورنا نربأ بأنفسنا من الانغماس في السلبية، سواء في العمل أو المنزل، أو في علاقاتنا المقربة أو مع زملائنا وأصدقائنا، إنما نتجه صوب تحليل واقعنا المرير، ويسوقنا النظر في واقع أطفالنا وأسرنا لاستنتاج واحد: علينا العثور على طرق وآليات لخلق سبل معيشة مهمة لنا ولهم، وإذا ارتضينا غير ذلك سبيلًا؛ فإننا نرسّخ الفانتازيا الإسرائيلية الواهمة بأن الفلسطينيين، عائلةً تلو عائلة وخريجًا تلو خريج، سيرحلون من تلقاء ذاتهم في نهاية المطاف. أو قد يسفر ذلك بتغذية أفكار وعناصر تطرفية في مجتمعنا؛ لما يوفره ذلك من مرتع خصب لهذه الأفكار في صفوف جيل يائس من الشباب.

ولوقوع مستقبلنا ومستقبل عائلاتنا على المحك، فإن انخراطنا في اقتصادنا المتضرر ليس إلَّا وسيلة للبقاء دون أن نتوهم بأننا نستطيع تطويره كما ينبغي تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي.

ولنجعل مرارة واقعنا جليّة أكثر، نجد من المفيد أن نشارك مقتطفًا من مقدمة التقرير الأخير الذي قدّمه الأمين العام للأمم المتحدة للجمعية العامة بعنوان: التكاليف الاقتصادية للاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني: تكاليف مالية تراكمية (2 آب، 2019)، الذي يحمل في طياته فيض من المعلومات والدلالات المهمة.

وقعت الضفة الغربية، وشرقي القدس، وقطاع غزة تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967، وعانى الفلسطينيون من سياساتٍ أثّرت على اقتصادهم وجميع مناحي حياتهم، وكان من المتوقع أن يتحسن وضع الاقتصاد الفلسطيني عندما وقّعت منظمة التحرير الفلسطينية مع حكومة دولة إسرائيل بروتوكول باريس الذي ينظّم العلاقات الاقتصادية عام 1994. ولكن بقيت التنمية الاقتصادية الفلسطينية أمراً بعيد المنال تخطو خطوات هزلية نحو النمو، في ظل عجز مالي وتجاري مزمن، إلى جانب تبعية الاقتصاد الفلسطيني بشكل كبير لاقتصاد الاحتلال. وليس هذا فحسب، فبعد عقودٍ من تنكر الاحتلال لحق الفلسطينيين في حرية الحصول على مواردهم الطبيعية من أجل تحقيق الاستغلال الأمثل لمواردهم المالية، فإن الخسائر الاقتصادية المتكبدة والناجمة عن الاحتلال قد لفتت الأنظار إلى الاقتصاد الفلسطينيّ.

واختُتِم التقرير بهذه النتيجة الصادمة:

]…[ تقدّر التكاليف المالية للاحتلال الناتجة فقط عن المصادر الخاضعة للدراسة المسحية في التقرير الحالي مبلغا يصل 47.7 مليار دولار أمريكي خلال الفترة الواقعة بين 2000-2017، والذي يعادل أكثر من ثلاثة أضعاف الناتج الفلسطيني لعام 2017.

هذا هو الجانب المظلم من الواقع، ولكن أين يكمن جانبه المضيء؟

يكمن في حقيقة أن هناك قرابة خمسة مليون فلسطيني ينهضون يومًا بعد يوم تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي صامدين بإصرار وعزيمة لا تهزها الرياح . حيث يورد الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أن أعداد الأطفال الذين لم يتجاوزوا سن الرابعة قد بلغت 729,971، وأعداد الأطفال الفلسطينيين الذين التحقوا بصفوف الروضة بلغت 142,000، وأعداد أولئك الملتحقين بالمدارس الأساسية والثانوية وصلت أكثر من مليون ومئتي ألف طالب، ويعلّمهم 55,000 معلم ومعلمة، وأعداد الطلبة الملتحقين في التعليم الجامعي وصلت أكثر من 207,000، وأعداد العاملين في الكيان الإسرائيلي والمستوطنات الإسرائيلية وصلت أكثر من 128,000، إلى جانب أعداد البالغة أعمارهم 60 عاما ويزيد بلغت ما يقارب 229,133. ووصلت أعداد السكان في سن العمل (أي 15 سنة وأكثر) نحو ثلاثة ملايين، وأولئك الباحثين عن العمل، أو العاملين بلغ عددهم أكثر من مليون ونصف.

 ومع ارتفاع معدل البطالة لما يناهز 30٪ في الضفة الغربية، وضِعف هذه النسبة في قطاع غزة بين الشباب؛ بات التمني بأن يبقى الفلسطينيون صامدين على قدم وساق دون الاكتراث لرزقهم، أشبه بالدعاء لأن تعمل مركبتك دون وقود أو كهرباء.

هلّا دخلت إلى فلسطين كما يصوّرها الواقع

لم تثمر اتفاقيات أوسلو للسلام الموقعة عام 1993، ولا تأسيس السلطة الفلسطينيّة عن ولادة اقتصاد فلسطيني كاملًا متكاملًا. ففي السياق التاريخي، لم يقتصر الاقتصاد الفلسطيني على التجارة الاستهلاكية، بل تعدّاها ليشمل الزراعة، والسياحة، وقطاع العمّال الفلسطينيين الذين يعملون في الكيان الإسرائيلي. وظهر قطاعٌ خدماتي جديد أُضيف إلى هذه القطاعات الخدماتية عام 1994، لا سيما في مجالي خدمات الاتصالات، والخدمات المالية، إضافة الى مجموعة صغيرة من المهنيين الذين يخدمون المجتمع المدني وموظفي الخدمة المدنية ممن يعملون لدى الحكومة.

لقد شلّت الممارسات الإسرائيلية المتواصلة قطاعيّ الزراعة والسياحة الواعدين. حيث أوضح البنك الدولي التدمير الممنهج الممارس ضد قطاعنا الزراعي، وليس في ذلك ما يثير العجب؛ فالمياه والأرض جبهتان أساسيتان في الصراع. وقد أفاد البنك الدولي بشكلٍ عام أن "...الاستمرار بوجود نظام الإغلاقات والقيود [الإسرائيلية] من شأنه أن يتسبب بأضرار دائمة على التنافسية الاقتصادية [كما وردت] في الأراضي الفلسطينيّة." (تقرير الرصد الاقتصادي المقدّم للجنة الارتباط الخاصة، في 19 آذار، 2013).

إن قطاع السياحة، وما يعانيه من طبيعة حسّاسة، ووجود جدار الفصل العنصري، والمشهد الأمني المتقلب، تمثل جميعها عوامل تشدُّ القبضة على عنق القطاع السياحي، إلا أنها لم تتمكن من قطع أنفاسه. فبدلًا من رضوخه للممارسات الإسرائيلية التي ما تنفك ترمو إلى عرقلة عجلة التنمية الفلسطينية، توجّه قطاعنا السياحي إلى استهداف سوق السياحة المحلية، والمنتجات السياحية البديلة، بما في ذلك السياحة السياسية، والريفية، من أجل المضي قدمًا.

أما عمالنا الفلسطينيون العاملون في الكيان الإسرائيلي فيمثلون جانب القصة غير المروي من ملحمة واقعنا الاقتصادي ذي العقود الخمسة، فهم أشبه بالجندي المجهول الذي يعرّض صحته، وروابطه الأسرية، وحياته للخطر؛ ليجتاز الحواجز الإسرائيلية مع شروق شمس كل صباح، ويعودوا إلى ديارهم في آصال الليل عقب يوم عمل شاق ومرهق ليجدوا أطفالهم قد غالبهم النعاس في انتظارهم. إن هؤلاء العمال الفلسطينيون إذا ما أتيحت لهم الفرصة لكسب رزق كريم في سوق العمل المحلي سيكونون أول ال المقبلين للاستفادة من هذه الفرص.

نظرة في الأفق

نسعى وزملاؤنا من أصحاب المصلحة في القطاع الفلسطينيّ الخاص لابتكار طرق إبداعية ومستدامة للوقوف الصامد بوجه واقعنا، ولا نتوانى عن استكشاف السبل الممكنة لاستثمار رؤوس أموالنا، ومعارفنا، وجهودنا في فرص تجارية بمقدورها توظيف الكثير من الفلسطينيين. بدورنا نرنوا بالفعل لخلق عدد كبير من الوظائف حتى في ظل الاحتلال الإسرائيلي؛ فهذا هو التحدي الذي نجد أنفسنا بمواجهته نتيجة واقعنا الراهن.

ولا يسعنا سوى أن نكنّ الكثير من الاحترام للمشاريع الصغيرة التي توظف كم من الموظفين في أقطار مختلفة، ولن ننظر إليها بعين الاستخفاف أيًا كانت. فنحن أيضا نعمل في مثل هذه المشاريع  ولن ننفك عن القيام بذلك. بيد أننا نرى في المشاريع التي تنطوي على توفير عدد قليل من فرص العمل مدعاة للتأخر على الرغم ممّا يلقونه من رواج.

وبالتالي، حددنا لأنفسنا هدفًا، وهو أن نخرج بـثلاث إلى خمس فرص لمشاريع جديدة إما للمؤسسات الربحية أو الاجتماعية، بسعة ومقدرة على توظيف 100 شخص فأكثر في مناطق مختلفة في فلسطين. إننا نأمل كذلك أن يقدّم لنا قراء هذه السطور أفكارًا جديدة، وعلاقاتٍ سوقيةً جديدة، وفرصَ مشاريع جديدة، وغير ذلك ممن يخدم هذه الغاية. إننا على أهبة الاستعداد للاستثمار عندما تقتضي الحاجة لذلك، وليس فقط أن نقدم التدريب أينما استدعى الأمر ذلك، وكذلك أن نتولى دفة الإدارة حيثما تنسجم مؤهلاتنا مع ذلك.

وإننا نخاطب التوّاقين منكم لمد يد العون للفلسطينيين في كفاحهم الاقتصادي لنيل الحرية والاستقلال، فإننا نشرككم أيضاً في هذا التحدي ونضعه نصب الأعين، وذلك في سبيل الخروج بفكر لفرص ومشاريع جدية  من شأنها أن تخدم أسواقًا حقيقية لتوظيف الفلسطينيين وبمقدورها أن تقدم لهم رزقا ودخلا كريما ؛ لذا لا تتوانوا بمشاركتنا أفكاركم عبر: http://www.aim.ps/contact_us.html.

* سام بحور، شريك إداري في شركة إدارة المعلومات التطبيقية-آيم، الواقعة في رام الله، ورئيس مجلس إدارة أمريكيون من أجل اقتصاد فلسطيني نابض. ويدون آراءه وكتاباته على موقعePalestine.com . تابعوا سام SamBahour@

* نسرين مصلح، المؤسس والمدير العام لشركة رتاج للحلول الإدارية في رام الله، وتشغل منصب نائب رئيس جمعية المدربين الفلسطينيين. تابعوا نسرين مصلح @nisreen_musleh

 

ملاحظة: نشرت نسخة من هذا المقال في مجلة هذا الأسبوع في فلسطين باللغة الإنجليزية.

zzz