جاء في كتاب الدكتور "وسيم السيسي"، الباحث في علم المصريات/الفراعنة، واستاذ جراحة المسالك البولية والتناسلية، في جامعة القاهرة، "مصر التي لا تعرفونها"، ما قاله الشاعر والفيلسوف اليوناني الشهير "سيمونيدس"، عند سقوط مدينة أسبرطة:- هزمناهم، ليس حين غزوناهم، ولكن حين أنسيناهم تاريخهم. والحقيقة أن الفارق بين الإنسان والحيوان، هو أن الأول يعرف أو يجب أن يعرف تاريخه، كي لا يكرر ما أخطأ منه، أما الثاني فليس له تاريخ، فلو عرف الخاروف أنه سيذبح لهرب من الراعي، أو من حظيرته.
والكتاب الذي جاء في 236 صفحة، يحكي عن الإنجازات العلمية المذهلة لحضارة المصريين القدماء في شتى المجالات، العلمية، والأدبية والجغرافية والفلكية والنباتية، أو لنقل، في جميع ميادين العلوم وخاصة في الطب، حيث اتخذوا من الآلهة "امحوتب"، آلهة للطب، كما أن كلمة "فارماشي" أو صيدلية، أصلها فرعوني وتعني، "فار ما كا"، أي بيت الشفاء والصفاء. فقد استخرج الفراعنة من لحاء شجرة الصفصاف، بعد نقعها في الماء، مادة مسكنة للآلام، ومخفضة للحرارة، وهي المادة التي بدأ العالم باستخدمها منذ قرن أو أكثر بقليل، التي عرفت باسم "الأسبيرين". وبرع الفراعنة في علاج مرض البلهارسيا وعلاج الكثير من الأمراض.
وفي مجال جراحة المخ، ما زال المتحف البريطاني التاريخي الشهير، يحتفظ حتى اليوم، بآلة "التربنة القمعية الشكل"، التي استخدمها المصريون لإجراء عمليات فتح ثقب في رأس المريض، وهي تشبه إلى حد ما نفس آلة "التربنة الدائرية" التي تستعمل اليوم، وأن صار الكثيرون من جراحي المخ، يفضلون الشكل القمعي بدلا من الدائري. كما أنهم برعوا في علم التخدير، بعد أن عرفوا سر اسخدام حامض الخليك، وعرفوا أيضا نبة الأفيون، وكانوا يضعونها على لسان المرضى والأطفال عند الوجع أو الألم الشديد. كما استعمل المصريون خيوط الجراحة بعد استخلاصها من أمعاء القطط. واستفادوا من دهن القطط في القضاء على الفئران بتركيبات كيماوية معينة، حتى أنهم عرفوا "عفن" خبز الشعير، حين يضعونه على الجرح يساعد في القضاء على الالتهابات، وهو العلاج الذي اكتشفه الكسندر فليمنج، عام 1928 الذي سمي "بالبنسلين"، الجدير ذكره، أن رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرتشل، الذي مرض مرض شديد عام 1945، كان هو أول مريض يتلقى العلاج الجديد بالبنسلين!، وهو الذي اكتشفه المصريون قبل اكثر من 5 ألاف عام.
كما عرف المصريون أن كانت الزوجة عاقرا أم لا!، إذ كانوا يضعون "فصين" من الثوم بعد تقطيعهم، في مهبل المرأة لعدة ساعات، ثم يشم الطبيب رائحة تنفس المرأة، فإن خرج من فمها رائحة الثوم، فهذا يعني أنها تستطيع الحمل. كما أنهم كانوا يعرفون ان كانت الزوجة حامل أم لا!، إذ كانوا يسقون من بول المرأة الحامل حبتين، واحدة من القمح، والأخرى من الشعير، فإن نمت حبة القمح أسرع من حبة الشعير، كان المولود "أنثى"، ويكون المولود ذكرا، إن نمت حبة الشعير أولا، ومن هنا جاء المثل الشعبي، قمحة! أم شعيرة؟.
كما عرف المصريون الأورام السرطانية الخبيثة، وكانوا يسمونها بأورام "خونسو" نسبة إلى آلهة الخبث والشر. أما علم التحنيط، فهو ما زال سرا لم يتم كشف أمره بعد. الغريب أن الأطباء وبأمر من الكهنة، كانوا يتركون القلب في مكانه ولا ينتزعونه من جسم الميت، إذ أنهم اعتقدوا أن القلب سيدافع عن صاحبه، يوم الحساب، ومما سيقوله القلب أمام الآلهة "اوزيريس":-
لم أسرق أحدا، لم أكسب مالا حرام، لم أُكذب، لم أقتل، لم أغش في الميزان، لم أسبب بكاء لأحد، لم أشتهي زوجة غيري، قلبي نقي، ويداي طاهرتان، فلقد أطعمت يتيما، وآويت غريبا، وكنت أبا لليتيم ويدا للمشلول، لم أكن سببا في اتساخ نهر النيل، أو في قطع وردة أو شجرة.
أما في طب العيون، فقد كان المصريون القدماء هم أول من عرف جراحة "الماء الأبيض"، واستعملوا الكحل الأخضر علاجا للالتهابات العين، والكحل الأسود لتجميلها، والغريب أنهم كانوا يزينون الجفن العلوي بالكحل الأسود، والجفن السفلي باللون الأخضر. كما أنهم عالجوا مرض العشى الليلي باستخدام روث الخفافيش!، وهو ما لم يتم تفسيره أو اثباته علميا حتى الآن. كما أنهم عرفو المراهم الطبية واستعملوها في علاج الشحاد، والأكياس الدهنية. أما الرسم الفرعوني الشهير، لعين الملك "حورس"، التي أصابها سهم الآلهة الشريرة "ست"، فقد استطاع أطباء العيون، الذين كانوا يعملون تحت حماية الإله "تحوت"، أن يعيدوا النظر إلى عين الملك، ليصبح الرسم المنقوش للعين المصابة رمزا شهيرا للطب المصري حتى اليوم. لذا فلا غرابة البتة، من أن يكون مؤسس طب العيون "ابن الهيثم" مصري المولد.
ولما كانت مقالة واحدة، أو حتى آلاف المقالات، لا تتسع لسرد العبقرية المصرية، فانني أؤمن تماما بما قاله علماء الغرب والشرق عن الحضارة المصرية حين قالوا:-
"كيف كان، سيكون شكل العالم اليوم، لو لم تكن هناك حضارة مصرية؟"