الحدث- محمد غفري
هي ملاك صغير لم يبلغ عمر الزهور بعد، أرهبت جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي يدعي بأنه لا يقهر، فتوجس من ألوانها وبراءتها خوفا، ليعتقلها ويزجها في الأسر، فقهرت تلك الأسطورة بإرادتها وعزيمة الطفل الفلسطيني التي اعتدنا عليها، وابتسمت في وجه الظالم عندما حكم عليها بالسجن، لتصبح بذلك أصغر أسيرة في العالم، ملاك الخطيب ابنة الأربعة عشر ربيعاً.
تقبع الآن الطفلة ملاك علي يوسف الخطيب (14 عاما) من قرية بيتين قرب رام الله، في سجن "هاشرون" الإسرائيلي، بعد أن مضى على اعتقالها أكثر من ثلاثين يوماً، كيف أمضت ملاك هذه الأيام في الأسر؟ وكيف تعيش أيامها بعيدا عن والدتها وإخوتها؟ كيف لطفلة بعمرها أن تحتمل قسوة الاعتقال والضرب؟ وكيف ستجيب على محقق يصرخ فيها ويشتمها؟ تقتاد من السجن إلى المحكمة خمس مرات وفي يديها وأرجلها السلاسل.. وكيف يسمع السجان طرقات يديها الصغيرتين على الباب في الليل إذا ما احتاجت أي شيء؟ وكيف أمضت الأيام في ظل البرد القارس والثلج؟ كيف تأكل؟ كيف ترسم كما اعتادت؟ كيف تنام؟ كيف تصحو؟ وكيف كيف كيف؟؟ يا دولة الظلم الإسرائيلي.
خولة الخطيب (51 عاما) والدة الطفلة ملاك، تقول لـ"الحدث": "استيقظت ملاك كعادتها باكرا، تناولت طعام الإفطار وخرجت إلى الامتحان لا تحمل بيدها سوى القلم والدفتر، ولم تعد حتى اليوم".
الخميس 31/12/2014، اعتقلت ملاك، وحكم عليها بالسجن لشهرين ودفع مبلغ 6 آلاف شيقل، بعد أن عرضت خمس مرات على المحاكم، فأصر القاضي على ضرورة حبسها، بتهمة إلقاء الحجارة، وحيازة سكين، وإغلاق شارع "60" الالتفافي.
وتكمل الخطيب بحسرة في حوارها مع "الحدث"، "اعتقلوها بالقوة وأغمضوا عينيها، وربطوا يديها وألقوها على الأرض، ووضع ذلك الجندي الصعلوق قدمه النجسة على رقبتها، ونزعوا عنها ملابس المدرسة، وأخذوها إلى مركز الشرطة المسمى "شاعر بنيامين".
وتتابع ودموعها تملأ عينيها: "علمنا بأمر اعتقال ملاك وتوجهنا مباشرة إلى مركز الشرطة، وبقينا لساعات ننتظر فرج ربنا حتى تعود معنا إلى المنزل، لكنهم رفضوا ذلك، ولم يسمحوا لنا حتى برؤية طفلتنا الصغيرة".
وتكمل حديثها والحسرة تملأ نفسها "تم اعتقالها يوم الخميس وعرضت على المحكمة يوم الجمعة ولم نكن نعرف حتى بذلك، ويوم الأحد كانت المحكمة الثانية ولم يسمحوا لي بالحديث مع طفلتي الصغيرة خلال المحكة، رغم أنها كانت ترجف برداً، ومنعوني من إعطائها أي ملابس، وأجلت المحكمة واستمر التأجيل حتى المحكمة الخامسة عندما حكمت يوم الأربعاء الماضي، ويومها كانت مريضة منذ أربعة أيام بسبب سقوط الثلج".
وعن ملاك تحدثت والدتها باسهاب، "كانت ضحوكة جداً وتحب اللعب، كانت تحب إثارة "استفزاز" من هو مقابلها، حتى أنها في المحكة ابتسمت في وجه القاضي بشكل "استفزازي"، ما أثر زوبعة من الضحك في تلك الجلسة.
توجهنا برفقة والدة ملاك إلى صفها في المدرسة، وكانت حصة الرسم في الموعد، لنجد مقعد ملاك فارغا ينتظرها، وبعض ألوان لم تجد من يحركها فوق صفحة الدفتر البيضاء، كما هو وجه الملاك.
هنادي ابنة عم ملاك (14 عاما)، قالت "ملاك كانت أكثر ما تحب هو الرسم، واعتادت على "رسم أطفال فلسطين والشهداء، ورسم أطفال الحجارة، وتعبر عن ظلم اليهود".
وأثناء سيرنا في ساحة المدرسة برفقة والديها، كان الأجمل هو ما قامت به طالبات المدرسة، عندما نادين على والدة ملاك من نوافذ الصف، "يا رب تطلع ملاك يا خالتو، الله يفك أسرها، كلنا بنحبها".
بدوره، أكد الخمسيني على الخطيب والد الطفلة الأسيرة، أن ملاك كانت تحب الطبيعة وتخرج معه بالعادة إليها، وكانت دائما ما تشاهد الأخبار، وأكثر ما أثر عليها هو قصة الطفل الشهيد ابن قرية بيتين ساجي درويش، كذلك تأثرت كثيراً بالعدوان الإسرائيلي على غزة، خاصة عندما شاهدت مجزرة الأطفال على شاطئ بحر غزة.
ويكمل والدها لـ"الحدث"، لم ندفع حتى اليوم الغرامة المالية البالغة 6 آلاف شيقل، علما بأن وزير الأسرى وعدنا بأن يتكفل بذلك، وقمنا بتحويل مبلغ 400 شيقل إليها في "الكنتينا" حتى تدبر أمورها، موضحاً أن ملاك أبلغتهم بأن الأسيرات الفلسطينيات يقدمن لها أفضل اهتمام ورعاية.
أزمة اجتماعية ملاك ستحلها
يتابع علي الخطيب والد الطفلة ملاك، "نحن في الأصل من قرية حزما شرق القدس المحتلة، لكننا ونتيجة مشكلة اجتماعية وقسمة أراض أدت إلى حالات قتل، طردنا من القرية لكن لسنا الفاعلين لكن الأمر شملنا".
واستكمل حديثه، "نحن نعيش في قرية بيتين منذ 3 سنين، وقبلها سكنا في قرية برقا 4 سنين، ونأمل بأن حادثة ملاك واهتمام الرأي العام بها، بخاصة المسؤولين، أن تكون بادرة كي نعود إلى قريتنا".
ويعتب والد ملاك على أهل قرية بيتين أنهم لم يبدوا اهتماما كبيرا في البداية لما حدث مع ملاك، وقبل يومين فقط كانت أول زيارة لمجلس القرية إلى منزلنا، كما أن أهل حزما اتصلوا أيضا بنا واهتموا بالأمر، ما يوضح بأن الإنسان مهما رحل لن يحن عليه أحد بقدر أهل بلده.
نامي يا ملاكي الصغير.. فالفجر قريب
بعد أن أمضت ملاك نصف حكمها، بات من المقرر أن تفرج عنها سلطات الاحتلال منتصف شهر شباط/ فبراير المقبل، فنامي يا ملاكي الصغير إن الفجر آت، ولنا موعد مع الحرية ليس ببعيد، واخرجي إلينا برسالة أكثر من 190 طفل أسير، وكوني عونا لهم ولو بريشة فنان.
"وأعطي نصف عمري للذي يجعل طفلا باكيا يضحك، وأعطي نصفه الثاني ﻷحمي زهرة خضراء أن تذبل".