الحدث ـ محمد بدر
نشر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي ورقة تقدير موقف حول مشاركة المقدسيين في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني، جاء فيها أن مشاركة سكان القدس في انتخابات المجلس التشريعي أصبحت محور الخلاف بين فتح وحماس. ففي حين أن السلطة الفلسطينية الخاضعة ترى أن هذه المشاركة يجب أن تكون ضمن اتفاق مع "إسرائيل"، ترى حماس أنه من الضروري النضال من أجل هذه المشاركة من خلال الضغط على "إسرائيل" وليس طلب موافقتها.
ويرى المعهد أن إجراء الانتخابات بدون مشاركة المقدسيين، سيؤثر سلبا على الرئيس محمود عباس وحركة فتح وسيدفعون ثمنا باهظا. مع الإشارة إلى أن المقدسيين شاركوا سابقًا في انتخابات المجلس التشريعي والرئاسة ويحق لهم المشاركة اليوم وفقًا للاتفاقيات المؤقتة الموقعة بين "إسرائيل" ومنظمة التحرير الفلسطينية.
ووفقا للمعهد، وافقت جميع الفصائل الفلسطينية، باستثناء حركة الجهاد الإسلامي، على إجراء انتخابات للمجلس التشريعي الفلسطيني، لكن يبدو أن مسألة مشاركة المقدسيين في الانتخابات لا تزال موضع خلاف بين فتح وحماس. فبينما ينتظر الرئيس محمود عباس موافقة "إسرائيل" على إجراء الانتخابات داخل القدس قبل إصدار المرسوم الرئاسي الرسمي، لا ترى حماس ذلك كشرط للإعلان الرسمي عن الانتخابات.
وأشار المعهد إلى أنه في حين أن حماس وفتح على حد سواء غير معنيتين بإجراء الانتخابات، فقد أدت الضغوط من الداخل والخارج إلى إثارة القضية على جدول الأعمال. فقد سعى الرئيس عباس من خلال الإعلان عن الانتخابات إلى مواجهة الضغوط من الدول الأوروبية الرائدة والتي عبرت عن استيائها من فترة حكمه الطويلة (14 عاما).
وبحسب المعهد، فقد أخبرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، الرئيس عباس، في اجتماع بينهما في أغسطس 2019 أنها خلال فترة حكمه، أجريت الانتخابات خمس مرات في ألمانيا بينما لم تجر لمرة واحدة في فلسطين. ولعله من المهم التذكير أن أوروبا هي حاليا الداعم الاقتصادي والسياسي الرئيسي للسلطة الفلسطينية في الساحة الدولية، بعد سلسلة العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب على الفلسطينيين. وبالإضافة إلى الضغط الخارجي، فإن الساحة الداخلية أيضا حرجة، وهذه العوامل دفعت إلى إعلان السلطة عن إجراء الانتخابات.
أما بخصوص رغبة حماس في إجراء الانتخابات، يرى المعهد أن حماس واجهت عقبات كبيرة خلال السنوات التي فرضت فيها سيطرتها على قطاع غزة. وخلصت قيادة الحركة إلى أنه لا يمكن الجمع بين المقاومة المسلحة ضد "إسرائيل" وممارسة الحكم في آن واحد. فقد تعرض القطاع في ظل حكم حماس إلى حصار إسرائيلي وعقوبات من طرف السلطة الفلسطينية، بالإضافة لجولات التصعيد التي دمرت مرافق وبنى تحتية، فكان كل ذلك بمثابة عامل إحباط لدى الغزيين تجاه حكم الحركة.
واعتبر المعهد أنه عندما أعلن الرئيس عباس عن نيته إجراء الانتخابات، كان يأمل في أن ترفض حماس الاقتراح، لكن رد الأخيرة كان مخيباً للآمال بالنسبة له. من جانبها، اعتقدت حماس أن إعلان الرئيس عباس غير جدي وأن موافقتها ستحرجه. لذلك وافقت حماس على قبول الشروط التي حددها الرئيس، بما في ذلك إجراء الانتخابات على أساس النظام النسبي وإلغاء الدوائر، مع العلم أن الانتخابات السابقة شملت النظامين.
ومع ذلك، فإن الرئيس عباس قلق من عدم مشاركة المقدسيين في الانتخابات. تجدر الإشارة إلى أن مشاركتهم منصوص عليها في الاتفاقية المؤقتة ("أوسلو ب")، التي تم توقيعها بين "إسرائيل" ومنظمة التحرير الفلسطينية في سبتمبر 1995، وما زالت سارية.
ويضع المعهد في ضوء ما تقدم عدة خيارات قد يقوم الرئيس بتنفيذ واحد منها فيما يخص الانتخابات ومشاركة المقدسيين:
أولا: تأجيل الانتخابات الفلسطينية إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية للكنيست في مارس المقبل، على أمل أن يتم انتخاب حكومة لن تعارض مشاركة سكان القدس في الانتخابات، مع مواصلة الضغط من طرف السلطة على الدول الأوروبية للضغط على "إسرائيل" للسماح لهم بالمشاركة.
ثانيا: إجراء انتخابات في ضواحي القدس على أن يتم وضع مراكز الاقتراع في الأحياء القريبة من المدينة أو شرقها، وهي خطوة يقدّر أن "إسرائيل" قد تتخذها. وهذا يعني صعوبات في الوصول إلى مركز الاقتراع من قبل سكان القدس، وانخفاض في عدد الناخبين وانتهاك لمصداقية الرئيس عباس، الذي وعد بإجراء الانتخابات في قلب المدينة.
ثالثا: إجراء انتخابات دون مشاركة سكان القدس، وهذا يعني إحراج الرئيس عباس وانتصار كبير لحماس.
رابعا: استبدال فكرة الانتخابات بفكرة المصالحة.
ويؤكد المعهد أنه على أي حال، سيُطلب من الرئيس عباس التحدث إلى الفصائل من أجل مشاركتها بمسؤولية في اختيار أي من الخيارات السابقة، وبالتالي إنقاذ نفسه من النقد لفشله في تحقيق ما أعلن عنه. وقد يحصل على الدعم في اختيار البديل من الجبهتين الشعبية والديمقراطية وهذا مهم بالنسبة للسلطة، لأن من وجهة نظرها، إن عدم وجود انتخابات أو محادثات حول المصالحة سيؤدي إلى تعزيز خيار الانفصال وقيام حماس باتفاق منفرد يخص قطاع غزة وبالتالي إدخال صفقة القرن "عبر الفناء الخلفي"، أي القطاع.
من جانبها، قررت "إسرائيل" عدم الاستجابة لطلب الرئيس عباس بخصوص مشاركة المقدسيين في الانتخابات طالما لم يتم نشر المرسوم الرئاسي. ولكن ومن وجهة نظر المعهد، إجراء انتخابات المجلس التشريعي خلال هذه الفترة تنطوي على مجازفة، حيث إن نقاط ضعف فتح عديدة وكبيرة، وبالتالي يجب أن يتحدث الإسرائيليون إلى بعض مسؤولي السلطة الفلسطينية لتوضيح كيف يمكن أن يسهم تأجيل الانتخابات في منع بعض "الآثار السلبية"، وهذا يجب أن يتم الحديث مع الأوروبيين بخصوصه أيضا.
لذلك، سيكون من الصواب بالنسبة لإسرائيل، بحسب المعهد، إلى جانب المحادثات التي ستجري مع السلطة الفلسطينية والأوروبيين من أجل تأجيل الانتخابات، أن تربط مشاركة المقدسيين بموافقة الفصائل على شروط الرباعية الثلاثة كشرط لإجراء الانتخابات في القدس، بالإضافة لشروط تشمل الاعتراف بـ"إسرائيل"، والتخلي عن المقاومة المسلحة واحترام الاتفاقيات الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية و"إسرائيل" .
لكن من المرجح أن ترفض حماس والفصائل الأخرى، باستثناء فتح، هذه الشروط. ومع ذلك فإن الانتخابات ستتم وفقًا لمخطط أوسلو، بحيث يجب عدم منح الفصائل التي تدعو للمقاومة أي إمكانية للحكم. وبالتالي، سيتم التأكيد على التزام "إسرائيل" الكامل بإطار الاتفاق (أوسلو). سيؤدي هذا أيضًا إلى تعزيز مكانة الرئيس عباس، الذي يدعو إلى الكفاح السياسي باعتباره الطريقة المفضلة لتحقيق الاستقلال الفلسطيني، ما يعني إحباط تطلعات حماس في استخدام برنامجها كمنصة لتعزيز سلطتها السياسية وكبديل مشروع في الساحة الفلسطينية.