الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

من يحكم اليوم العالم؟ بقلم: ​سعيد بوخليط

2020-01-19 08:40:14 AM
من يحكم اليوم العالم؟ بقلم: ​سعيد بوخليط
الكاتب ​سعيد بوخليط

(1)    

من يحكم اليوم العالم؟ ربما لم يعد أصلا للعالم حكاية. جماعة ممسوسين؛ حمقى، مرضى، يكتبون آخر بيانات الاجتثاث بهوسهم الأرعن. أشرار ركبوا عبثا صهوة التاريخ، فقرروا تحويل العالم إلى مقبرة مفتوحة على الزمان؛ وغمر موتاها امتداد المكان. يتصارعون صراع الذئاب على كل شيء. من بئر بترول جف نبعه غاية ماخور عفن؛ مهجور، تطويه مدينة مدفونة تحت  الرماد. لا يعرفون لمشاكل الحياة سبيلا، ويرقصون فوق الجثث، كل ليلة وصبيحة على وأد ما تبقى لهذا العالم من حكاية؛ قابلة للرواية أو الذكر.  

(2)

من يحكم اليوم العالم؟ قطاع طرق، صعاليك مخمورين على الدوام؛ بسم الأفاعي، نبيذ عصارة قهر البشر. مرضى يكابدون مختلف رواسب العُصاب الذُهاني وجنون العظمة؛ ممهورة بشتى عقد الأمراض الذهنية والنفسية. يتجهون بهذا التاريخ؛ نحو نهاية بائسة، بحيث لن يتركوا لهوية هذا التاريخ مجالا يذكر، سوى صناعة وتكريس منظومة الجريمة في أبعادها الكبرى. يدبجون بجلد الضعفاء والمسحوقين، تفاصيل القتل، ينشدون المحو. ينتعشون على استراتيجيات الإبادة، صار القتل سيد الجميع، ولا لغة سوى للبربرية البغضاء.

(3)

من يحكم العالم اليوم؟ أقزام في كل شيء، حتى تفاهتهم. نعم، لأن التفاهة في نهاية المطاف، تبقى فنا ذكيا للتضليل، بمعنى يحتاج التافه إلى عمق من الخواء، وطبقات للضحالة مهيكَلة، كي يؤسس خطابا قابلا للإثارة والتمويه. ففيما كان قادة العالم، خلال حقبة خلت، حماة رؤى وفلسفات وبرامج، تنتج بشكل من الأشكال، لغة سياسية محكومة، بمنطق حجاجي؛ يحترم ذكاء الصغير قبل الكبير، ينزع نحو قصدية تاريخية ذات أبعاد زمنية. صار الفعل السياسي راهنا، بلا حمولة ولا ملامح بارزة للعيان. والحال كذلك، لم أعد أفهم حرفا واحدا في السياسة؛ ولا قادرا على تقديم تأويل واحد بهذا الخصوص. ما دام كل تحديد في هذا الإطار، ربما أفصح عن سذاجة غير معلومة سابقا. صارت الأحداث موصولة؛ بمقالب الشخصيات الكارتونية التي أدمناها ونحن أطفال.

(4) 

من يحكم اليوم العالم؟ الزيف والبؤس والاحتقار والإذلال والاستعباد والاستنزاف ومختلف المكونات القائمة والضمنية؛ المعهودة والمحتملة؛ لقاموس العهر في تمثلاته المجسمة والمتصورة. قيل، منذ زمن بعيد، السياسة فن الممكن، بمعنى أن السياسي يتدبر سبل الحل الأمثل، يرعى بذرة الأمل؛عندما يعتقد البسيط اللاسياسي بأن الأبواب موصدة، بالتالي مختلف ارتدادات الإحباط والانهيار. هكذا، تكمن عظمة القائد في تعبيده لطرق تخلق من اللاشيء أشياء؛ لصالح تهذيب الفعل الإنساني. اليوم، السياسة بصدد تقويض جل الممكن، ثم اضمحلت دوافع الممكن. إذن ما جدوى هذه السياسة راهنا؟ ما دام أنها أضاعت بوصلتها، ودمرت كينونتها. دجالو سياسة العالم، يفكرون اليوم فقط بوخز سجية غرائزهم البدائية واللامتناهية، افتقدوا تماما غشاء جماجمهم، وأضحت مجرد قوالب، موضوعة لاختبار مفعول المساحيق وقياسات  الأقنعة.  

(5)

من يحكم اليوم العالم؟ آلهة الشر؛ مهندسو النهايات؛ مصاصو الدماء؛ عتاة التفاهة والضحالة؛ سماسرة الحقارة؛ عاشقو الاستحمام في المستنقعات النتنة والبرك الآسنة؛ بدماء المقهورين والمستضعفين. يتنفسون حربا؛ يقتاتون كراهية؛ يكتسون شرا؛ ألبسوا العالم ظلمة ودروبا تائهة؛ بغير شرارة ضوء. فإلى أين يؤول هذا العالم؟ لم يعد حقا بالسؤال المصيري؛ الأهم، بل مجرد ورقة يانصيب تافهة؛ يقامر على الظفر بها قهقهة وتسلية، شرذمة أفَّاقين آل إليهم واحسرتاه! قدر هذا العالم. عالم تعرى تماما؛ فقد صوابه؛ انكشفت عوراته؛ سقطت آخر أوراق التوت، وافتقد الأمل إلى الأمل.    

(6) 

من يحكم اليوم العالم؟ نسير على غير هدى؛ يبتلعنا الخراب. فقط آثار أقدام همجية؛ لفقريات وزواحف سامة بصدد التهام كل شيء؛ غير مبقية على ممكن واحد في هذا العالم؛ يمكنه إضفاء معنى. أي عالم هذا؟ مبنى بلا معنى؛ أود القول بلا معنى ولا مبنى. صار الجميع يدمن لعبة الفخاخ ضد الجميع؛ والكل بصدد الانهيار كلية فوق رؤوسنا جميعا. ارحموا أيها الأوغاد، أجسادنا؛ عظامنا؛ أرواحنا؛ أحلامنا؛ ضحكاتنا؛ آهاتنا؛ أمزجتنا؛ رغباتنا؛ تطلعاتنا واشمئزازنا… ارحموا رغبة هذا العالم الأصيلة؛ أن يكون حقا لنفسه ولنا. العالم لنا؛ الأرض فؤادنا وحضننا الأمومي، تكتنفنا جميعا، فلماذا صبّ لعنات؟ تجرف البدايات والنهايات، تبعث بالجحيم صوب الجحيم؛ حيث تقذفنا السماء نيرانا وآلاما وتخرج البحار من دواخلها، كائنات مشوهة أقرب جدا من فصيلة الزومبي؛ وأبعد قدر ما يكون البعد، عن تلك الأنواع البحرية الأليفة التي رسختها ذاكرة العالم، عندما امتلك اليسير من احترامه لنفسه.  

(7) 

من يحكم العالم اليوم؟ هوية بلا هوية؛ أرض بلا سماء؛ سماء بلا غد؛ غد بلا أفق؛ أفق بلا رؤيا؛ رؤيا بلا بصيرة؛ بصيرة بلا تبصر؛ تبصر بلا خيال؛ خيال بلا جمال؛ جمال بلا عمق؛ عمق بلا ذاكرة؛ ذاكرة بلا إبداع؛ إبداع ربما بلا جدوى؛ قياسا لعالم تسوده أخيرا خراتيت صناعة الجريمة؛ بشتى أشكالها.