الجمعة  01 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

مالكو وعمال الأنفاق بين مطرقة الفقر وسندان البطالة

عدد الأنفاق التي تعمل حالياً لا يتجاوز %5 من عدد الأنفاق سابقاً

2014-01-08 00:00:00
مالكو وعمال الأنفاق بين مطرقة الفقر وسندان البطالة
صورة ارشيفية

غزة- حامد جاد 

بعضهم أضطر لفسخ خطوبته وصرف النظر عن مشروع زواجه الذي عاش حلم تحقيقه لأكثر من عام وآخر بات وجهاً مألوفاً لدى أقسام الشرطة بعد أن عجز عن سداد ديونه وأثقلته كثرة الشكاوى المقدمة ضده، ومن أسعفه الحظ عاد ليعمل مجدداً في مهنته القديمة بدخل محدود بالكاد يلبي الحد الأدنى من متطلبات إعالة أسرته.

نماذج مختلفة ضمتها شريحة اجتماعية واسعة اعتمدت على مدار خمس سنوات مضت بشكل مباشر وغير مباشر على فرص العمل التي أتاحتها الأنفاق الممتدة  في جوف الأراضي الحدودية الفاصلة بين جنوب قطاع غزة والأراضي المصرية إلى أن انقلب حالها رأسا على عقب بعد أن تم تدمير وإغلاق غالبية هذه الأنفاق في الثلاثين من حزيران الماضي.

عائلة المواطن موسى أبو جزر “أبو ياسين”  42 عاماً طاولتها التبعات المترتبة على إغلاق الأنفاق ولم ينج من هذه الأزمة أي فرد من أفراد أسرته كل بقدر مستوى اعتماده على هذا المصدر من الرزق فرب الأسرة أبو ياسين كان يعيل أسرته من ناتج تجارته برؤوس الماشية والأغنام التي كان يتم تهريبها عبر الأنفاق وإبنه الأكبر ياسين كان يعمل في نقل البضائع المهربة، أما شقيقه الأصغر محمد 17 عاماً، فكان لديه عربة كارو يستخدمها في نقل أكياس الاسمنت وحصى البناء.

ويصف أبو ياسين ما آل إليه وضعه المعيشي خلال الأشهر الخمسة الماضية من تدهور بقوله: «لم أعش على مدار حياتي وضعاً أسوأ مما نحن فيه ولولا أن جيراني ساعدوني بتمديد خط كهرباء لما تمكنت من إيصال الكهرباء لمنزلي نتيجة الديون المتراكمة علي وعدم قدرتي على دفع فاتورة الكهرباء فلم يمر علي وقت أسوأ من الوقت الحالي فلقد كنت وأبنائي نعتمد كلياً على عملنا في الأنفاق، فالبنسبة لي كنت أعمل في تجارة الأغنام والماشية التي كان يتم تهريبها عبر الأنفاق ولم تكن تجارتي هذه تتجاوز خمسة أو ستة رؤوس من الأغنام في الأسبوع الواحد حيث كنت ابتاعها من التاجر الرئيسي الذي يصل إليه عشرات رؤوس الأغنام والخراف ومن ثم أقوم ببيعها في سوق مدينة غزة حيث تكون الأسعار هناك مجزية مقارنة مع سوق الأغنام في مدينة رفح كونها مدينة حدودية ويعمل فيها الكثير من تجار الأغنام وكنت أحقق ربحاً بمعدل 300 دولار أسبوعياً».   

وتابع “أما ابني البكر ياسين 19 عاماً فكان يعمل في نقل البضائع التي تصل عبر الأنفاق ويتقاضى 100 شيكل يومياً ومنذ أن أغلقت الأنفاق قبل خمسة أشهر تغير وضعه إلى أسوأ حال حتى أنه اضطر مؤخراً إلى فسخ خطبته بعد أن كان من المفترض أن يتزوج  في مطلع العام الحالي ولكن نتيجة لعدم توفر مصدر رزق له لن يكون بإمكانه استكمال متطلبات زواجه من تأثيث غرفة نوم له وباقي تكاليف الزواج كما لن يكون بمقدوره إعالة زوجته في ظل تردي الوضع المالي والمعيشي للأسرة”. 

وأوضح أبو جزر أن ابنه الآخر محمد 17 عاماً كان يعمل على عربة كارو في نقل حصى البناء الذي كان يتم تهريبه عبر الأنفاق ومع إغلاقها توقف كليا عن العمل واضطر إلى بيع عربته لينضم بذلك إلى شقيقه ياسين مبيناً أن الأخير يمضي أوقاته برفقة أقرانه في لعب الورق “الشدة” ويأتيه كل يوم بمشكلة ومشاجرات يتورط بها نتيجة حالة الفراغ التي يعيشها.

ولفت أبو جزر إلى واقع الحياة التي يعيشها ورفاقه ممن كانوا يشاركونه العمل في المهن المرتبطة بتجارة الأنفاق واصفاً أوضاعهم المعيشية بعد تعطلهم عن ممارسة أعمالهم بالأشد سوءاً من وضعه.

 وأشار إلى أن أحد التجار الذين استدان منهم  مبلغاً من المال توجه مؤخراً بشكوى للشرطة إثر عدم تمكنه من سداد قيمة هذا الدين البالغ قيمته مائة دينار مبيناً أنه منذ أن توقف عن عمله ترتبت عليه ديون بقيمة ثلاثة آلاف دينار تعود لأشخاص مختلفين منهم الأقارب والأصدقاء ومن بينهم من اشتكاه أكثر من مرة للشرطة كي يسترد ديونه.  

وأعرب أبو جزر عن أمله في الحصول على فرصة عمل بقوله: “يا ليت هناك عملا أقضي به معظم وقتي بدلاً من إضاعة معظم أوقات النهار برفقة أصدقائي المتعطلين عن العمل مثلي فلقد مل كل واحد منا الآخر من كثرة شكوانا لبعضنا البعض عن الحالة المزرية التي وصلنا إليها فليس أمامنا سوى الحديث عن همومنا وهموم أبنائنا لقد اشتكى أحد أصدقائي من حالة العوز التي وصل إليها إلى حد أنه لم يعد يمتلك ثمن علبة السجائر فهذا حالنا منذ أن أغلقت الأنفاق” .

ولم يكن وضع مالكي الأنفاق أفضل حالاً ممن كانوا يعملون فيها، المواطن رفيق ارميلات اعتبر أن معاناته  بدأت مع حملة هدم وإغلاق الأنفاق التي نفذها الجيش المصري في شهر حزيران الماضي وتفاقمت أوضاعه المعيشية في شهر تموز الماضي عندما تم هدم النفق الذي كان يمتلكه مؤكداً أن العامل ومالك النفق تضررا جراء هدم الأنفاق كل بقدر اعتماده على هذا المصدر في تسيير أموره المعيشية.

وقال: “أنا كصاحب نفق كان يعمل لدي 25 عاملاً في نقل البضائع التي كان يتم توريدها من الجانب المصري عبر النفق مثل الاسمنت والحديد والمواد الغذائية فغالبية العمال متعطلون عن العمل وقلة قليلة منهم ممن استطاعوا استئناف حياتهم المهنية وتمكنوا من الحصول على فرصة عمل بديلة بأجر زهيد لايصل إلى ربع قيمة الدخل الذي كان يحققه مقابل عمله في النفق أما ملاك الأنفاق فتباينت فداحة المصيبة التي ألمت بكل واحد منهم فالمستجدون على هذه المهنة ممن شيدوا أنفاقاً جديدة أو اشتروا أنفاقاً قائمة فكانت مصيبتهم أعظم ممن مضى على استفادتهم من أنفاقهم سنوات طويلة”.  

وتابع “أنا متزوج ولدي ابنتان وأوضاعي المعيشية تزداد سوءاً يوماً بعد يوم حيث اضطررت بعد سبع سنوات من العمل في الأنفاق إلى العودة مجدداً إلى العمل في الزراعة ولعل ما أسعفني امتلاك أسرتي لمساحة من الأرض قمت منذ شهرين بزراعة مساحة منها  بمحصول البازيلاء ولكن الدخل الذي كنت أحققه في الشهر من وراء تشغيل النفق كان يصل لنحو ألفي  دولار بينما العمل في الزراعة بالكاد يحقق لي مئتي دولار شهريا أما غالبية ملاك الأنفاق فجلهم الأعظم تعطلوا عن العمل ولا يجد معظمهم  فرصة عمل في أي مجالات أخرى مثل من كانوا يعملون لديهم”.

وأوضح ارميلات أنه كان يعمل في تجارة الأنفاق منذ سبع سنوات منها السنوات الأربع الأخيرة كصاحب نفق مشغل للعمال وليس عاملاً، منوهاً إلى أن الدخل الذي يحققه من عمله في الزراعة بالكاد يمكنه من تلبية الحد الأدنى لاحتياجات أسرته.

ولفت إلى أنه بات يواجه صعوبة في تزويد السيارة التي يمتلكها بالوقود بشكل منتظم نظراً لارتفاع سعر الوقود الإسرائيلي، بينما في السابق لم يكن يكترث بسعر الوقود المصري الذي كان التاجر المصري يورده إليه بسعر رمزي وأحياناً كهدية مقابل تعاملاته التجارية مع من يوردون له البضائع .

ونوه إلى عدم مقدرته على فتح أو شق طريق آخر للنفق الذي يمتلكه حيث أن نهاية النفق بعد أن تم تدميره تطل على منطقة خالية من البيوت والأشجار، وبالتالي سيضطر كي ينفذ إلى منطقة مشجرة إلى حفر مسافة كيلو متر ما يعني المسافة نفسها للنفق وبالتالي سيكلفه هذا الأمر مبالغ كبيرة. 

وبين ان الأنفاق التي تعمل حاليا لا تتجاوز نسبة %5 من إجمالي عدد الأنفاق التي كانت تعمل بالسابق حيث يقتصر عمل الأنفاق المتبقية على نقل الأدوية والسجائر وبعض المواد التموينية البسيطة موضحاً أن الأدوية يتم تهريبها حسب طلب بعض الأطباء وأصحاب الصيدليات.

وختم ارميلات حديثه بالقول: «الوضع المعيشي الذي يمر به أصحاب الأنفاق المهدمة أشبه بالموت البطيء حتى مالك النفق الذي استطاع في السابق أن يجمع  مبالغ كبيرة من خلال عمله في الأنفاق على مدار السنوات الماضية لا يستطيع الآن استثمار هذه الأموال في أي مشروع استثماري بسبب حالة الكساد التي تعيشها سوق غزة، وبالتالي فهو يعتاش حالياً من مدخراته”.

ويشارك المواطن أبو أحمد الذي يمتلك بقالة خاوية من البضائع المهربة التي اعتمد على مدار السنوات الماضية على تسويقها ارميلات الرأي في حالة الكساد التي تمر بها أسواق قطاع غزة مشيراً إلى أن نشاطه التجاري أصيب بشلل تام خلال الاشهر الماضية إثر إغلاق الأنفاق التي كانت مصدراً رئيساً للبضائع والسلع المختلفة التي يسوقها.

ويقول أبو أحمد: “أعداد كبيرة من مواطني قطاع غزة بمن فيهم أصحاب محال البقالة والسوبر ماركت كانوا يأتون لبقالتي طلباً للبضائع التي أقوم بتسويقها ومن أبرزها التحف المصرية من المجسمات الفرعونية والأدوات الكهربائية والمشروبات الغازية والعديد من السلع الاستهلاكية الأخرى رخيصة الثمن التي كنت أبتاعها من التجار المصريين موردي البضائع  عبر الأنفاق”.

وأوضح أن موقع بقالته القريب من منطقة الأنفاق ساهم إلى حد كبير في رواج تجارته وفتح أمامه لسنوات طويلة مصدرا مهما لإقامة علاقات مع تجار التجزئة الذين كانوا يقصدونه لتوفير طلبياتهم من البضائع والسلع المختلفة التي يستطيع الحصول عليها بسهولة وخلال بضعة ساعات نتيجة لعلاقاته المباشرة مع أصحاب الأنفاق من جيرانه ومعارفه من سكان مدينة رفح.

وأكد أبو أحمد الذي لم يخل حديثه من الحسرة على ما وصفه “بأيام العز” أن حال التجار الذين كانوا يعتاشون من تجارة البضائع المصرية التي يوردونها للباعة أصحاب البسطات المتمركزة  في سوق النجمة وسط مدينة رفح يعد أشد سوءاً من وضعه منوهاً إلى أن العشرات من صغار التجار فقدوا خلال الأشهر الماضية مصدر رزقهم