الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الآلهة لا تكذب/ بقلم: د. سامر العاصي

2020-01-22 11:47:25 AM
الآلهة لا تكذب/ بقلم: د. سامر العاصي
د. سامر العاصي

 

من المعروف طبيا، أن كعب، أو وتر أخيل، الذي يقع عند أسفل الساق من الخلف، هو أقوى وتر عضلي في جسم الإنسان، وبه تتصل عضلتا الساق التوأمتين، مع عظمة "راحة الرجل، أو "عظمة العقب"، وهو الوتر الوحيد الذي يستطيع تحمل ضغط يصل إلى 350 كغم. أما المقاتل اليوناني الشهير، أخيل، الذي ارتبط اسمه بهذا الوتر، وذاع صيته في الأرض كلها قبل أكثر من 3200 عام، فقد كان نصفه بشري (أبوه الملك بيلوس)، ونصفه الآخر آلهي (أمه ذيتيس-ملكة الحوريات)، أما جده فهو الآلهة نريوس (رب المحيطات). 

تقول الأسطورة، إن زيوس (رب الآلهات كلها)، هام في حب ذيتيس وكاد يتزوجها، ولكن الآلهات الثلاثة، العارفات بما تخبئه الأقدار، أشرن عليه، بأن عرشه الأبدي، سيزول إن هو تزوج من حبيبته، وأنها يجب أن تتزوج من مخلوق آدمي، كي تُغفر له ذنوب حبه الخطاء.

وأمر زيوس، انقاذا لعرشه، بأن تتزوج حبيبته المسكينة، من ملك مدينة "فيتيا"، الملك بليوس، البشري، الآدمي. 

وأشفقت باقي الآلهات على (ذيتيس)، التي تزوجت من ملكِ، وانجبت منه طفلا اسمته أخيل. وأشارت الآلهات عليها، بأن تغسل طفلها الرضيع في مياه النهر المقدس "ستيكس"، الذي سيجعل من جلده درعا حصينا ومانعا لكل أسنان الرماح والسهام والسيوف. ووقفت ذيتيس عند ضفة النهر الغاضب، ثم قامت بغمس طفلها في مياه النهر المقدس، بعد أن أمسكت إحدى رجليه بإحكام شديد، تماما عند الوتر العضلي القوي، أو عند العقب، كي لا تجرفه أمواج المياه الغاضبة. فكان هذا المكان، هو المكان الوحيد في جسم أخيل، الذي لم يغمره الماء المقدس، ليصبح بذلك نقطة ضعفه. وعلمت كل الآلهات بما حدث مع الطفل. 

ثم أخذته أمه، إلى كهنة المعبد، الذين أخبروها بأن آلهة النهر المقدس، أخبرتهم بأن كعب أخيل ظل بشريا، ليكشفوا لها طالع الولد، بأنه لن يقتل في أي من المعارك، التي ستجري على الأرض اليونانية، بل سيكون موته بسهم مسموم عند أسوار طروادة (تقع طروادة، على الطرف الشرقي من بحر إيجه الذي يفصل بين اليونان وتركيا، وتحديدا في أقصى غرب تركيا الآسيوي). واحتفظت الأم وحدها، بالسر الذي لم يعرفه أي من البشر.

وكبر أخيل، وأصبح شابا مقاتلا، يحسب له في المعارك والقتال ألف حساب، حتى ذاع صيته، بأنه بطلٌ لا يهزم ولا يقتل. 

ومرت السنين، في بلاد الإغريق واليونان، بسلام وأمان، بعد أن ربطت معاهدات الوئام والسلام، بين أكبر وأعظم مدينتين في الكون آنذاك وهما، اسبارطة في الغرب، وطروادة في الشرق. وفي إحدى السنين، أرسل ملك طروادة بريام، ابنه الأمير باريس، الذي وجده بعد ضياع وغياب "قصري"، دام لعشرين عاما، (وتلك رواية أخرى)، في زيارة إلى صديقه ملك اسبارطة، الملك ملنوس، الذي كان قد تزوج أجمل بنات الأغريق واليونان، فاتنة الحسن والجمال "هيلين"، التي سحرت بجمالها جميع ملوك وأمراء الأرض كلها. 

وما إن وصل الأمير الجميل باريس، إلى اسبارطة"، حتى التقت عيناه بعيني هيلين، ووقع كل منهما في حب الآخر، وهو ما كانت آلهة الجمال "أفروديت"، قد وعدت به باريس، عندما رأته أول مرة. أما آلهة معبد طروادة، التي قرأت طالع باريس، يوم مولده، فقد قالت، بأن دمار طروادة، وتشريد شعبها سيكون بسبب هذا المولود الذي خرج من رحم أمه، كما تخرج البراكين من فوهة جبالها. 

ولأن الآلهة لا تكذب، فقد اتفق المحبان أن يبحرا نحو طروادة، قبل أن يعود الملك ملنوس، إلى قصره. 

وما إن عاد الزوج المخدوع، وعلم بهروب زوجته مع ضيفه الوضيع، حتى اتحدت كل ممالك وأمراء اليونان، في جيش واحد عظيم. وبدأت طبول الحرب تُسمع، والجيوش تُجمع، وأشرعة السفن تُشرع. وجاءت عرافة الحرب إلى قادة الجيوش اليونانية، عند الشاطئ، تخبرهم بأنهم لن ينتصروا إلا إذا كان أخيل، على رأس الجيوش والمقاتلين، وأن النصر والغلبة ستكون لهم بعد أن يموت أخيل عند أسوار طروادة. ولأن أم أخيل، والآلهات كلها، كانت تعلم أن أخيل سوف يموت عند أسوار تلك المدينة، قاموا بإرساله إلى جزيرة النساء "سيكاروس"، التي تقع وسط المحيطات، بعد أن ألبسوه ملابس النساء ليعيش هناك مع بنات الجزيرة هربا من قدره المكتوب. ولأن الآلهة لا تكذب، فقد عثر أحد ملوك اسبارطة على أخيل، الذي سرعان ما لبى نداء الوطن وهو في غاية البهجة والسرور. وركب أخيل السفن مبحرا مع مقاتليه الأبطال للقاء قدره المحتوم عند أسوار طروادة.

واستمرت المعارك والمبارزات، وحصار المدينة عشر سنوات، لم يستطع خلالها أي من الطرفين تحقيق أي نصر حاسم على الطرف الآخر. وجاء اليوم الذي التقى فيه أقوى مقاتلي طروادة، الأمير هكتور شقيق باريس، مع عدوه الشهير أخيل، الذي لم يهزمه أي بشري حتى الآن. وبدأت المبارزة بين البطلين، واجتمعت كل الآلهات لتشاهد ما سيفعله القدر اليوم، وبدأت الأمطار تنزل من السماء وكأنها تبكي أحد هؤلاء الأبطال الذي لا بد أن يلقى مصرعه، وكانت ضربات سيوفهما تٌطلق نارا ورعودا في السماء. وفي النهاية، استطاع أخيل، أن يقتل البطل الطروادي هكتور، ويجر جثته خلف عربته، أمام أسوار طروادة، وأمام أعين أبيه وأعين باريس. 

ولأن الآلهة لا تكذب، فقد أخبرت إحدى الآلهات باريس، الذي عُرفَ عنه المهارةَ في ضربِ السهام، بأن مقتل أخيل، يكمن في إصابته بسهمه المسموم، إن هو أصابه في كعب رجله اليمنى. وفي اللحظة التي رسمها القدر، رمى باريس بسهمه نحو كعب أخيل ليصيبه في مقتل، تماما كما وعدت الآلهة ليموت البطل أخيل. وعندها استقر رأي قادة الجيوش الغازية، بالتظاهر بالانسحاب بحرا، وبعمل حصان خشبي، يختبئ فيه أقوى المقاتلين الإسبارطيين، كي يفتحوا أبواب المدينة ليلا للجيوش التي ظنها الطرواديون أنها انسحبت!. 

وبعد أن رأى الطرواديون إقلاع السفن الغازية، أعلنوا الاحتفال والنصر على المعتدين. وفي الليل الحالك الظلام، وبعد أن سكر الطرواديون من نشوة النصر الذي ظهر لهم بأنه النصر المبين، خرج جند اسبارطة الأقوياء من حصانهم الخشبي وفتحوا أبواب المدينة لتصبح طروادة مستباحة لكل الجنود الاسبارطيين.

ترى، هل ضُربنا في كعوبنا بسهم أوسلو، لتوضع في مدننا وقرانا أحصنة كحصان طروادة؟ أم أن هناك روايات أخرى للهزائم والنكسات؟