"العض".. أسلوب جديد يتّبعه تنظيم "داعش" لفرض بعض مما يطلق عليها تسمية "تعاليمه الشرعية"، ويتجسد هذا الأسلوب بقيام عضوة "متخصصة" في التنظيم بـ"عض" من تخالفن ارتداء النقاب أو اللباس الشرعي المحدد.
ففي مدينة الموصل المعقل الرئيس لتنظيم "داعش" في العراق، قد تتعرض من تخالف بعدم ارتداء النقاب لأخطر "عضة" قد تواجهها في حياتها من قبل سيدة روسية الجنسية استعان بها التنظيم مؤخراً لتطبيق تشريعاته بخصوص تطبيق ارتداء "اللباس الشرعي" للنساء.
وأثارت في الآونة الأخيرة هذه المرأة الروسية التي تنتمي لـ"داعش" مخاوف نساء الموصل (شمال) ثاني كبريات مدن العراق بعد أن فرض التنظيم مؤخراً "العضة" عقوبة على المخالفات منهن بعدم ارتداء كامل اللباس الشرعي.
"العضاضة" كما يسميها سكان الموصل، تجوب شوارع المدينة ذات الغالبية السنية برفقة أفراد مما يسمى بجهاز "الحسبة" المسؤول عن تطبيق تشريعات "داعش"، وتقوم بتطبيق عقوبة "العض" بحق النساء اللاتي قد تكون إحداهن
نسيت أو سهت عن ارتداء النقاب أو انكشف جزء صغير من جسدها من تحت الملابس ما يعرضها للعقوبة.
وتواظب نساء الموصل بناء على أوامر وتعاليم "داعش" على ارتداء النقاب واللباس الشرعي والذي هو عبارة عن عباءة عريضة سوداء اللون طويلة وخالية من أي تطريزات أو زينة، وذلك خشية من بطش التنظيم وتجنبا لعقوباته التي
يراها سكان المدينة التي خرجت من قبضة الحكومة العراقية في يونيو/حزيران الماضي بأنها "ظالمة ولا تمت للإنسانية بصلة".
"نتفحص ونتأكد من ارتداء النقاب واللباس الشرعي الطويل ونخشى ظهور أي بقعة من اللباس العادي تحته، ونتلفت وراءنا أثناء المشي في الشوارع خشية مواجهة أفراد الحسبة وبرفقتهم العضاضة الروسية"، بهذا ابتدأت أم أحمد السيدة الأربعينية من سكان الموصل كلامها لتصف لمراسل "الأناضول" الإجراءات التي تتبعها مع بناتها الثلاث حين ينوين الخروج للتبضع في أسواق المدينة.
وتضيف "أم احمد" قائلة: "نخشى الداعشية الروسية التي عادة ما تكون برفقة عناصر الحسبة في الأسواق، والتي تترقب مع أولئك العناصر مشاهدة أي مخالفة بسيطة في ارتداء النقاب أو اللباس الشرعي لتقوم هذه المرأة بعض المخالفة عضة قوية من أي مكان تطاله من جسدها".
ولا تشغل الحروب وجبهات القتال التي يخوضها "داعش" حول الموصل وعلى محاور عدة مع قوات البيشمركة (جيش إقليم شمال العراق) والقوات العراقية، التنظيم عن متابعة تطبيق تشريعاته في المدينة التي يعدها عاصمة لـ"دولة الخلافة" التي أعلنها على مناطق سيطرته في كل من سوريا والعراق نهاية يونيو/حزيران الماضي.
فيما تقول خديجة التي لقبت نفسها بـ"أم تحسين" بغرض عدم كشف اسمها الصريح خوفاً من عقوبة "داعش"، إن "المخاوف من العض لا تقتصر على السيدة الروسية التي تعرف فقط من كلامها باللغة الروسية كونها منقبة أيضاً، وإنما هناك نسوة عراقيات أيضاً يرافقن عناصر الحسبة للقيام بعض النساء المخالفات لتشريعاته".
أم تحسين وهي من سكان الموصل ويبلغ عمرها 39 عاماً، أضافت بأن عناصر الحسبة التابعين لـ"داعش" يخيّرون النسوة المخالفات في الشارع إما بالجلد (لم تحدد عدد الجلدات المفروضة) أو العض من قبل "العضاضات" اللاتي يكن مرافقات لهم.
وأشارت إلى أن "العضاضات" يقمن بعض المخالفات أحياناً من وجوههن بقوة الأمر الذي يترك على وجه أو جسد المرأة أثراً قد يستغرق زواله أياماً إن لم يكن أسابيع.
يقول أنس الحطاب وهو اسم مستعار اتخذه طبيب ما يزال يعمل في مستشفى الموصل العام، خوفاً من عقاب "داعش"، بأن المستشفى بدأ منذ أسابيع باستقبال حالات "عض" أصيبت بها بعض نسوة المدينة.
وأضاف الحطاب في تصريحه لـ"الأناضول"، أنه خلال الاسبوع الماضي لوحده استقبل المستشفى الذي يعمل فيه، 13 سيدة مصابة بالعض قلن إنهن تعرضن لعضة من إحدى عناصر "داعش" النسائية اللاتي يرافقن عناصر الحسبة في شوارع الموصل والسبب "مخالفة اللباس الشرعي".
وأضاف الحطاب أن "الإصابات كانت في أنحاء مختلفة من أجساد المصابات، وبعض العضات كانت قوية إلى درجة أنها بحاجة لعدة أيام ومن الممكن أسابيع لكي تزول آثارها إن لم تترك ندبات تستمر لفترة طويلة إذا تسببت بضرر كبير في البشرة أو اللحم الذي تحتها".
ويسيطر تنظيم "داعش" على كامل مستشفيات الموصل وخصوصا المجمع الطبي الذي يضم كبريات مستشفيات المدينة، ويعمل فيها أطباء أجبرهم التنظيم على مزاولة اعمالهم في ظل منعهم من الخروج من المدينة وإلا واجهوا عقوبات قد تصل إلى الإعدام لأنهم يتوانون عن خدمة "المسلمين".
ولا تعتبر الموصل المدينة أو المنطقة الوحيدة اللاتي يطبق فيها "داعش" تعاليمه الشرعية وما يتعلق أيضاً بفرض ارتداء اللباس الشرعي على النساء حيث يطبق تلك التعاليم في مناطق أخرى من العراق وسوريا التي يسيطر منذ أكثر من عام على مناطق ومدن كاملة في شرقها وشمالها.
وفي 10 يونيو/ حزيران 2014، سيطر تنظيم داعش على مدينة الموصل مركز محافظة نينوى، قبل أن يوسع سيطرته على مساحات واسعة في شمال وغرب وشرق العراق، وكذلك شمال وشرق سوريا، وأعلن في نفس الشهر، قيام ما أسماها "دولة الخلافة".
وتعمل القوات العراقية وميليشيات موالية لها وقوات البيشمركة الكردية على استعادة السيطرة على المناطق التي سيطر عليها "داعش" في العراق، وذلك بدعم جوي من التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، الذي يشن غارات جوية على مواقع التنظيم في كل من سوريا والعراق.