أكثر ما نحتاج إليه في المرحلة الأسوأ التي نعيشها، هي قيادةٌ لديها عقل، وهذا العقل موجود في رأس، ولهذا الرأس عينان يمكن أن تريا الواقع كما هو، دون أن تكون لديها قناعة بأن فرضية الحسن إبن الهيثم عالم البصريات العربي الأشهر، هي نظرية صحيحة، بأننا نرى الواقع مقلوباً ثم يقوم الدماغ بتعديل مجال الرؤية، فنبصر الواقع معتدلاً. الاعتدال، في ظل عداوة، وعلاقة قوي بضعيف، واحتلال بمحتل، مستعمر بمستعمر، وسلام شفاف كثوبِ الغانية، لا نرى منه سوى سوء عورتنا، لا يمكن ُ وصفه إلا من خلال أن ثلاثي: طابخ السم (الولايات المتحدة)، والنافخ في الكير (الإسرائيلي)، وقائد البعير (السلطة الفلسطينية)، يتحكمون في تاريخ شعبٍ ضحى وما زال يضحي في سبيلِ حريته.
إن من أولويات عمل مدراء مكاتب القيادات الفلسطينية، هي التذكير اليومي بالواقع، تماماً مثل التذكير بجدول المواعيد واللقاءات والاجتماعات الرسمية وغير الرسمية، ومثل التذكير بحبة الدواء للأمراض التي يعانون منها بعد تجاوزهم السن القانوني لتولي مناصبهم: انقسام وطني وسياسي، اعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، الاعتراف بالسيادة على الجولان، مؤشرات على ضم المستوطنات، سياسات اقتصادية متخبطة، وضع مالي على حافة الانهيار، فقدان الشرعية السياسية، أسرى يملؤون السجون، شهداء بالجملة، وصم المقاومة بالإرهاب، حل المجلس التشريعي، واستبداله بزمرة، لا تتجاوز أصابع اليد الثلاثة ممن لا امتداد شعبي لهم، في عملية صناعة القرار، ملاحقة الصحفيين، تهميش القضاة، السيطرة على الجامعات، وتحضير وصفة متجددة دائما للإرهاب الفكري والشخصي.
التمترس عند خط الوسط، في كرة القدم، مع كشف المرمى، ودون لاعبي دفاع، ودون أن يكون هنالك قلب هجوم يسدد الأهداف، لا يمكن أن يفهم إلا أنه مباراة ودية في زمن حّكَمٍ غير نزيه، يُسدد الأهداف في مرمى خصمنا بدلاً عنه، فإما أن يتم تجديد الدماء بإدخال لاعبين جدد إلى الملعب عبر الانتخابات، وإما أن يعلن الفريق الحالي انسحابه من اللعبة.