السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

وعندكم البقية/ بقلم: غسان عنبتاوي

2020-01-26 08:03:54 AM
وعندكم البقية/ بقلم: غسان عنبتاوي
غسان عنبتاوي

 

شغلتنا صفقة القرن وموعد إعلانها، وعكّر صفوة مزاجنا كل تنبؤات مضمونها، واحتدم الحوار بين النخب السياسية ومجموع المحللين السياسيين ومن يتابعهم من كتاب و"مناضلي الفيسبوك" حول من معها فلسطينيا أو عربيا ومن ضدها، ومن يطبقها بالسر ومن بالعلن منهم. 

وأمام هذا الانشغال الكبير، لم ينجز شيء على الأرض للتحضير لمواجهة هذه الصفقة ولا في وضع سيناريوهات المواجهة والمقاومة لها باختلاف مضمونها، ولم تعقد الندوات لتهيئة الجمهور وتوعيتهم بمخاطر الصفقة وما ستؤول إليه أحوال الناس بناء عليها، ولم تقرع الطبول ولا المزامير إيذانا بالتعبئة الجماهيرية والثقافية والفكرية أو غيرها، ولم يتم تهيئة الساحة الداخلية لمواجهتها سوى، والحق يقال، بإطلاق حزمة من الشجب والرفض من صفوة السياسيين والقيادات الذين استخدموا مصطلحات وصفية لهذه الصفقة وهذا المشروع التصفوي بحق قضيتنا وشعبنا ووجودنا على أرض أجدادنا وآبائنا ولم يرتق حديثهم للوصول إلى طرح خطة محكمة لمواجهة ما سيتعرض له شعبنا من تهجير وأرضنا من قضم وسلب ومصادرنا الطبيعية للمصادرة. 

صفقة القرن هذه هي نتيجة وليست سببا إن أمعنا التحليل، فهي نتاج ما تمخض عنه اتفاق أوسلو وملحقاته ومن غياب التوازن في تنفيذ الالتزامات على طرفي الاتفاق.

التزمت القيادة الفلسطينية بتنفيذ كل ما عليها من التزامات سيقت ضمن هذا الاتفاق، فيما بقي الطرف الآخر الموقع معه في حل من تنفيذ التزاماته. بل وتمادى في عدم التزامه حتى باتت هذه الاتفاقيات تشكل عقبة وعائقا لحياتنا وفرضت علينا واقعا تشوهت فيه المفاهيم والقيم واختلطت الأدوار وخسرنا على كافة الصعد نتاج ما اتبعناه من نهج سياسي وميداني في إدارة ملفات الصراع.

لجأنا للرأي العام العالمي ولقوة الحق والمنطق، فما كان إلا أن خسرنا هذا الرأي العام العالمي بالرغم من كل ما قمنا به من السير في تلك الطرق التي رسمت لنا وزينت في أعيننا بأنها ستؤدي إلى إقامة الدولة وإلى التحرر من نير الاحتلال، لكنها للأسف لم تفض إلا إلى المزيد من الاشتراطات علينا، حتى أصبح الفدائي إرهابيا، وأصبح السلاح في يده عبثيا وأصبحت الخيانة وجهة نظر، والفوضى حرية للتعبير بل وربيعا سيزهر. 

وبنظرة سريعة لحالنا الداخلي، سنرى أننا لسنا بخير، وأننا تشرذمنا بما فيه الكفاية ولم يعد هناك أي معنى حقيقي وجودي لأحزاب متفرقة يمينية أو يسارية أو إسلامية في ظل هذه الهجمة التي طالت الجميع بلا استثناء. 

الكل أخفق، ربما بنسب متفاوتة، ولكن لا أحد بمنأى عن دائرة اللوم، وعلى الجميع أن يقف وقفة نقدية مع ذاته ومع شعبه وأن يعمد أثناء عملية جرد الحساب لنبذ الذاتية لصالح القضية ولصالح تعديل المسار بهدف المراكمة نحو الهدف. 

في ظل ما نواجه، أرى لزاما علينا أن نعيد تعريف مشروعنا الوطني بعيدا عن الشعارات الرنانة وبعيدا عن التنمر على الآخر وأن نعيد النظر في أدوات مواجهة الهجمة الشرسة، كل ذلك متوحدين في جبهة وطنية عريضة تكون كفيلة بمواجهة ما سيعلن في صفقة العصر، رديفة وعد بلفور المشؤوم، والتي تأتي استكمالا لسرقة حقوقنا وإنكاراً لحقنا في الوجود. 

صفقة القرن أو كما وصفت بأنها احتيال القرن، بوشر بتطبيقها واكتملت بعض فصولها وبقي القليل على بعضها الآخر ليكتمل، قبل إماطة اللثام من على خشبة المسرح لأداء المشهد الأخير أمام حشد الجمهور في ختام فصولها.

ترامب سيقول ما عنده في سرد تفاصيل صفقته اللعينة ولكن، ومن باب التفاؤل بإرادة شعبنا وعزيمته ورفضه للذل والمهانة ومعه كل شرفاء العالم، سيكون حتما عندنا البقية لما ستكون عليه خاتمة الرواية فهل سنجبر صاحبها على إعادة صياغة فصولها صاغرا؟ 

أيام معدودة ستفصلنا عن معرفة ما عند شعبنا من الخبر اليقين.