لستُ محلِّلًا سياسيًا، ولكن ما هو عارمٌ فوق سطح السياسة، إعادة صياغة للأشياء وفقًا لمصالح وغايات إسرائيلية أمريكية. غايات أمريكية كثيرة، أهمها، برأيي، تتمثل في إرضاء اللوبي الصهيوني، وترويج وعرض عضلات سياسية من قبل الرئيس الأمريكي أمام شعبه؛ لاختياره في دورة انتخابية جديدة، بصفته (حلّال مشاكل). أما الغايات الإسرائيلية وهي أيضًا كثيرة، أهمها، برأيي، استثمار غاية الرئيس الأمريكي المتعلقة بالانتخابات لصالح إسرائيل، وتنشيط اللوبي الصهيوني، وهذا يفسّر مدى ذكاء وهيمنة إسرائيل على البيت الأبيض (والأشقر)، فعن طريق الاستثمار والتنشيط يمكن لإسرائيل التخلص من الوجود الفلسطيني؛ تحقيقًا ووصولًا إلى الهدف الأسمى، مفهوم "يهودية الدولة"، والذي يعني أنَّ إسرائيل تكون (نقيّة) عندما تُختزَل باليهود فقط. كما أن المفهوم هذا يُعرّي إسرائيل من المسؤوليات التي تقع على عاتقها بالشأن الفلسطيني، كذلك يعزز من سبل (الحماية) الديموغرافية، ويزيد من قدرة إسرائيل على تملّك الأرض والأمكنة المقدسة، ومحاولة أيضًا لرسم خارطة فلسطينية؛ من أجل حصر القضية بالخارطة، وتثبيت أمر المكان والوجود الإسرائيلي ماديًا ومعنويًا..إلخ...
بيد أن الخطابَ الذي تم فيه الإعلان عن "صفقة القرن" مسرحيٌّ وهزلي إلى حدٍ كبير، وأن الرئيسيْن لا يمكن وصفهما إلا بالمهرِّجَيْن؛ فمن البديهي جدًا ألّا يوافق الجانب الإسرائيلي على شيء إلا إذا كان منتفعًا بدرجة كبيرة. فكان الخطابُ تهريجًا!
في الماضي لم يكن للصهاينة أيُّ حيّزٍِ في فلسطين، وكانوا حينها، يطالبون بنسبة أكبر من أصحاب المكان، فما بالكم الآن وقد أصبح لديهم حيّز! وهذا الحيّز، بالتأكيد، غير شرعي فلسطينيًا، ولكنه في نهاية الأمر يعد حيّز وجودي معترف به أمريكيًا بالدرجة الأولى..
بالنسبة لي، كمواطن فلسطيني حُر إلى حدٍّ ما، كمستقلّ حزبيًا، كناقد لما أراه إعوجاجًا في صفوف الأحزاب والحركات والسلطة، بالنسبة لي، لا أرى، في هذا الوقت تحديدًا، أيَّ حاجة لأن نفتح بابَ الخلافات والتناقضات السياسية بين الأطر والسلطة، خصوصًا إذا تم تغيير الدور الوظيفي للسلطة، يجب علينا أن نؤجّل فتح باب الاختلافات، حتى بين المثقفين أنفسهم، والسياسين والنقّاد؛ لأن الأمر لا يحتمل، فبرأيي، علينا كمواطنين فلسطينيين يؤمنون بعدالة قضيّتهم، وبأحقيتهم في الوجود، علينا أن نقف بالقرب من قياداتنا الفلسطينية أجمع، وأن نساندها، وألا نفتعل شرارات سياسية تناقضية بين الأطر، لأن في ذلك طيشًا يعود على القضية بالتّمزق أكثر فأكثر..
أظن أن هذا الوقت بالتحديد، لا يحتاج إلى حلول دبلوماسية ركيكة، أو لا يحتاج إلى الندب أمام مجلس الأمن والدول العربية والأوروبية، بل تصبح الحلول أكثر منطقيّة إذا بدأت بتغيير دور السلطة الوظيفي المتعلق بالتنسيق الأمني وحماية المواطن الإسرائيلي، وتصبح أكثر عقلانية إذا بدأت بتفكيك السلطة وبناء فضاء سياسي جديد، أو تعزيز دور منظمة التحرير بجميع ألوانها، وترميم بنيانها من جديد، كذلك هذا يقوّي كتف الوحدة ويعززها.