الحدث: جميل عليان
ما إن أصدرت كل من إيطاليا وإسبانيا تحذيراً لشركاتهما من مغبة التعامل تجارياً مع شركات ومحلات تجارية في المستوطنات الإسرائيلية المقامة على الأرض الفلسطينية، حتى سارعت الخارجية الإسرائيلية إلى طمأنة نفسها بالقول: هذا تكراراً لموقف معروف.
ورغم إن تحذيرات المقاطعة التي دشنتها بريطانيا وسارت فرنسا علي خطاها تخلو من صيغة التحذير أو التهديد بفرض عقوبات من الدول الأوروبية على مؤسساتها التجارية، إلا أن أكثر من مسؤول أوروبي أشار إلى أن القارة الأوروبية بدأت تفقد صبرها بسبب استمرار بناء المستوطنات.
لكن المقاطعة المحلية والدولية لمنتجات استهلاكية تصنع وتزرع في المستوطنات الاسرائيلية تبدو تسير ببطء، بساق واحدة، إذ أن الفلسطينيين ذاتهم، الذين يدفعون ثمن احتلال المستوطنات لأرضهم، لم ينجحوا نجاحا كبيرا حتى الآن، في التوقف عن شراء المنتجات الاسرائيلية.
إذا طلبت قارورة ماء من وسط نابلس، قد تتناول بدون أن تدرك، صنف من تصنيع إسرائيلي، إما على أطراف المدينة، قد تشتري بطيخة غير معروفة المصدر.
وقد تكون قادمة من المستوطنات الإسرائيلية، نقلها تجار إلى السوق الفلسطينية، بعيدا عن أعين الضابطة الجمركية. لكن بضع عشرات من الشبان، يبذلون مثل نشطاء آخرون في دول أوروبية، جهودا متواصلة، لحث الجمهور الفلسطيني على مزيد من اليقظة من البضاعة التي تنتج في مصانع إسرائيلية.
يقول خالد منصور وهو وجه معروف في المدن الفلسطينية، يتولى مجموعات شبابية تطوعية، تحث على مقاطعة البضاعة الاسرائيلية" لن نيأس. هناك نتائج لكنها ليست كافية".
وبعد ساعات من انتهاء نشاط في المدينة يكتب على موقع التواصل الاجتماعي: غدا السبت الساعة 11 صباحا سنكون في قلقيلية عند ميدان الشهيد أبو علي اياد .. لنواصل حملتنا الرمضانية لمقاطعة البضائع الاسرائيلية ودعم المنتج الوطني الفلسطيني .. وشعارنا: الافطار الحلال مش من صنع الاحتلال.
لكن المقاطعة التي أخذت أشكالا رسمية وأخرى شعبية لم تعط حتى الآن نتائج حلم بها الفلسطينيون في بداية الحملة.
يؤكد القائمون على حملات المقاطعة، ان العملية مستمرة، لكنها لم تؤد الى انهيار اقتصاد المستوطنات، الذي خسر لكنه مازال يتوسع.
وقال منصور" لا اقول اننا نظفنا الاسواق، لكن على الاقل توقف المؤسسات عن تقديم التبوزينا والمياه المعدنية الاسرائيلية".
ولم يكن هدف الداعون للمقاطعة فقط عملية تنظيف جزئية، فالمقاطعة التي دعت اليها ايضا اوساط دولية كثيرة، هدفت للضغط على اسرائيل للتوقف عن الاستيطان.
فقد أاراد الضاغطون تطبيق نموذج مشابه لما جرى في جنوب افريقيا التي حكمها نظام الفصل العنصري الابيض قبل انهياره تحت ضغط المقاطعة الدولية.
بالنسبة لمنصور، وهو من اليسار الفلسطيني التقليدي المتشدد تجاه قضايا العلاقات مع اسرائيل، فان التغيير في الوعي يحتاج الى جهود اكثر حتى تتم عملية المقاطعة على أصولها.
وقال" نريد تضافر الجهود من الكل لبناء وعي من اجل انجاح حملات المقاطعة. نجحنا الى حد ما في مجال مقاطعة اللحوم والمرتديلا، لكن لم يتغير الحال فيما يتعلق بالخضار والفواكه".
ويرتبط الاقتصاد الفلسطيني بروابط وثيقة بالاقتصاد الإسرائيلي، ولا يمكن لأي مواد مستوردة تصل إلى الضفة الغربية الوصول إلى المستهلك إلا عبر المعابر والموانئ التي تسيطر عليها إسرائيل.
وتشير الأرقام إلى أن حجم واردات الفلسطينيين من المنتجات الإسرائيلية نحو 3.5 مليارات دولار أميركي سنوياً فيما يقدر حجم واردات الفلسطينيين من منتجات المستوطنات بنحو 500 مليون دولار أميركي سنوياً.
وأظهر تقرير حديث لسلطة النقد أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمشروبات الخفيفة، وأسعار المشروبات الروحية والتبغ، وأسعار خدمات السكن كان لها دور رئيسي في وصول معدل التضخم إلى هذا المستوى خلال الربع الأول من العام 2014.
كما أشار التقرير إلى أن مستويات الأسعار في فلسطين أعلى من مستوياتها عالميا، سواء كانت السلع مستوردة أم محلية.
ويقر خبراء اقتصاد فلسطينيون ببطء مسيرة المقاطعة على الصعيد المحلي، مشيرين الى سلسلة من العوامل التي جعلت الحركة الشعبية الفلسطينية التي تعتبر المحرك الاساس للمقاطعة، جنبا الى جنب مع اجراءات حكومية، ضعيفة نسبيا.
وقال د.هيثم دراغمه وهو خبير في التخطيط الإداري والاقتصادي لصحيفة الحدث ان ثقافة المقاطعة لم تصل بعد الى المستوى المطلوب. مشيرا الى ان نجاح حملات المقاطعة بحاجة الى درجة اعلى من الانتماء للمنتج المحلي او المنتج غير الاسرائيلي.
لكنه اشار في الوقت نفسه الى ان المسؤولية الكبيرة في نجاح المقاطعة تقع على عاتق الحكومات الفلسطينية، التي عليها كما يقول فرض بدائل بجودة مناسبة واسعار معقولة.
يردد المعنى ذاته خبراء اخرون. الا ان دراغمة يرى ان الحكومة الفلسطينية المطالبة بإجراءات من شأنها تشجيع المنتج المحلي، لا تستطيع السيطرة على المعابر والحدود التي يتم من خلال ادخال بضائع اسرائيلية من داخل اسرائيل او من المستوطنات.
في الأسابيع الماضية حدثت جلبة كبيرة في الأراضي الفلسطينية تتعلق بدخول كميات كبيره من البطيخ الإسرائيلي ما أدى إلى تراجع نصيب المحلي بشكل كبير في الأسواق.
وأضاف، أن الإجراءات القانونية لم تسعف الفلسطينيين بشكل كبير، إذ أن المهربين والمتلاعبين في الأسواق يفلتون من العقاب بسبب القوانين المعمول بها في البلد.
وفيما ترتبط المقاطعة في الأراضي الفلسطينية بجهد شعبي وآخر منظم وتبدو في الظاهر عملية مستمرة ومتدحرجة، إلا أنها تبدو أكثر تسببا للقلق بالنسبة لإسرائيل على المستوى الدولي، إذ تعتمد الكثير من المستوطنات الزراعية على الأسواق الخارجية لتوريد منتجاتها.
لذلك يظهر رد الفعل الإسرائيلي على حملات المقاطعة الخارجية أكثر حدة منه إذا تعلق الأمر بحملات المقاطعة المحلية.
وفي هذا السياق يقول المحلل السياسي جهاد حرب لصحيفة الحدث" صحيح أن المقاطعة مستمرة ببطء لكنها ستنجح (..) المشوار طويل والموقف الأوروبي منسجم مع الدليل الأوربي الذي صدر حول المستوطنات".
بالنسبة لحرب فإن مواقف الدول الأوربية، قد تكون بداية لموقف أوروبي واحد أكثر صرامة، رغم محاولات اللوبي اليهودي في تلك البلدان التخفيف من حركة المقاطعة الشعبية أو الرسمية الأوروبية.
وقال" ما جرى خلال الفترة الماضية كان تطورا مهما، لذلك يجب على الفلسطينيين استخدام الدبلوماسية الشعبية لدفع الأوروبيين على اتخاذ المزيد من الاجراءات ضد المستوطنات".
لكن حرب يشير كما غيره من المراقبين إلى ضرورة تجذر حالة وعي شعبية فلسطينية تجاه كل ما يأتي من منتجات اسرائيلية، وبحسب رأيه فان الوعي يحتاج الى اجراءات عامة شعبية وحكومية عبر الشعور بان كل تخسره المستوطنات يصب في خانة ربح الفلسطينيين.
وقال" على المواطن ان يعمل بشكل فردي وعائلي وعلى الحكومة ان ايجاد سياسات تشجع على استهلاك المنتج المحلي او الاستيراد من الخارج".