الحدث- جهاد الدين البدوي
نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، مقالاً للباحث في معهد الشرق الأوسط خالد الجندي قال فيه، إن مبادرة البيض هي جزء من البرامج الضارة السياسية التي يجب أن تكون بمثابة مبادرة دبلوماسية ذات مصداقية، والهدف منها ليس السلام، بل التطبيع الدائم لحكم "إسرائيل" العسكري على ملايين الفلسطينيين.
يورد الكاتب في افتتاحية مقالته: "يعرف أحد البرمجيات الخبيثة التي تستهدف الكمبيوتر باسم حصان طروادة، والتي تعمل مثل الاسم التاريخي، لا يمكنه سوى تنفيذ مهمته الأساسية عن طريق خداع المستخدم لقبوله. في عالم أجهزة الكمبيوتر، يعد حصان طروادة برنامجًا ضارًا يهدف إلى تضليل المستخدمين حول نواياه الحقيقية. وينطبق الشيء نفسه على خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، التي تم الكشف عنها رسمياً في البيت الأبيض يوم الثلاثاء".
يضيف الكاتب: بعد عامين من التأخير والتكهنات التي لا نهاية لها، وقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى جانب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وأعلن أخيراً ما أطلق عليه بـ "صفقة القرن" في حفل أقيم في البيت الأبيض. حيث لم يتم دعوة الزعماء الفلسطينيين لحضور الإعلان عن الصفقة، وهم الذين رفضوا بالفعل الصفقة ورفضوا التعامل مع إدارة ترامب منذ اعترافها بالقدس كعاصمة "لإسرائيل" في ديسمبر 2017.
يتابع الكاتب: للوهلة الأولى يظهر أن الخطة لديها قدر من المعقولية، فهي تتحدث عن "حل واقعي قائم على دولتين" للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ويتعهد باستثمارات ليس لها مثيل بقيمة 50 مليار دولار، بل ويذكر كلمتين "رأس المال الفلسطيني والقدس" في الجملة نفسها. ومع ذلك، وبعيداً عن الغطاء الرقيق من المقبولية، فهناك برنامج أكثر غدراً تم تصميمه للتخلص من حل الدولتين الحقيقي، مع تطبيع الاحتلال والضم الإسرائيلي الدائمين ضمن واقع دولة واحدة بحكم الأمر الواقع. فبغلافها اللامع، والحديث عن حل الدولتين، والوعود باستثمارات بمليارات الدولارات، فإن صفقة ترامب للسلام ليست أكثر من مجرد قطعة من البرمجيات الخبيثة السياسية التي تنكر كمبادرة دبلوماسية ذات مصداقية. والهدف ليس إحلال السلام بل تطبيع الوضع الراهن، بما في ذلك حكم "إسرائيل" العسكري لملايين الفلسطينيين، وجعله دائما.
وعلى الرغم من حديثها عن "التنازلات" من "كلا الجانبين"، فإن الخطة تلبي قائمة طويلة من المطالب الإسرائيلية اليمينية حول جميع القضايا الأساسية في الصراع تقريباً - من القدس غير المقسمة إلى ضم الأراضي المحتلة إلى تصفية حقوق الفلسطينيين اللاجئين. وعلى الرغم من أن الخطة تزعم أنها "واقعية" و"قائمة على الحقائق"، إلا أنها غارقة في المراجعة التاريخية والسياسية.
ينوه الكاتب إلى أنه بالنسبة للمبتدئين، فلا توجد إشارة واحدة إلى الاحتلال الإسرائيلي. وفي الواقع، سخر نتنياهو من فكرة "إسرائيل" كقوة محتلة – وهي مسألة عليها إجماع دولي طويل الأمد - واعتبارها "الكذبة الكبيرة". فيما تقترح الخطة في الغالب تعديلات تجميلية على الوضع الراهن مع إزالة جميع القضايا التي يهتم بها الفلسطينيون أكثر - القدس واللاجئون والسيادة الحقيقية - عن الطاولة. وستبقى القدس، التي ربما تكون أكثر قضايا الوضع الدائم حساسية وإثارة للجدل، غير مقسمة وتحت سيادة إسرائيلية دائمة.
يرى الكاتب بأن محور الخطة هو إقامة ما يسمى بدولة فلسطينية على ما يقرب 70% من مساحة الضفة الغربية ولكنها دولة مجردة من أي سيادة ذات معنى. وستبقى المستوطنات الإسرائيلية البالغ عددها نحو 120 مستوطنة، إلى جانب 650000 مستوطن إسرائيلي يعيشون الآن في جميع أنحاء الضفة الغربية التي تحتلها "إسرائيل"، تحت السيطرة الإسرائيلية الدائمة، شأنها في ذلك شأن كامل غور الأردن - مما يطوق تماماً دولة فلسطينية مفترضة مع "أراض إسرائيلية" ملحقة. إن رؤية ترامب هي في الواقع وصفة للاحتلال الإسرائيلي إلى أجل غير مسمى - وهو نوع من البانتوستانات الفلسطينية المحيطة "بإسرائيل" وتحت رحمتها بالكامل.
يتابع الكاتب: وستظل حدود فلسطين ومجالها الجوي ومياهها الإقليمية تحت سيطرة "إسرائيل"، في حين ستُجرد حكومتها من القدرة على الدخول في المعاهدات. وسوف يكون التواصل الإقليمي مخصصاً "لإسرائيل" ومستوطناتها، في حين لن يحصل الفلسطينيون إلا على "تواصل النقل" من خلال شبكة "حديثة" من الجسور والطرق والأنفاق.
علاوة على ذلك، فإن ظهور هذا الكيان الفلسطيني المطوق والمفكك سيخضع نفسه لشروط عديدة، بما في ذلك مجموعة من الإصلاحات القانونية والسياسية والمالية والأمنية، مثل نزع سلاح حماس وفرض تهدئة في غزة – مع ترك القرار النهائي بشأن ما إذا كانت الشروط قد استوفيت "لإسرائيل".
يتضمن أحد العناصر الأكثر إثارة للقلق في خطة ترامب اقتراحاً بمبادلة أراض في الداخل المحتل والتي يسكنها فلسطينيون مع الدولة الفلسطينية -هذه الفكرة دافع عنها الأصوليون العنصريون في أقصى اليمين الإسرائيلي، الذين يسعون إلى خفض عدد العرب غير اليهود الذين يعيشون في "إسرائيل".
وستبقى القدس، التي ربما تكون أكثر قضايا الوضع النهائي حساسية وإثارة للجدل، غير مقسمة وتحت سيادة إسرائيلية دائمة. فيما سيسمح للفلسطينيين بإقامة عاصمة بالقرب من مدينة القدس "يمكن تسميتها القدس أو اسم آخر تحدده دولة فلسطين".
كما أن الخطة أيضاً تُخرج قضية اللاجئين الفلسطينيين، بمن فيهم أولئك الذين طردوا من ديارهم أثناء تأسيس "إسرائيل" في عام 1948، وذريتهم عن الطاولة. وفي حين أن مفاوضات السلام السابقة - بما في ذلك خطة معايير كلينتون لعام 2000 ومفاوضات أنابوليس في الفترة 2007-2008 - نصت على عودة رمزية على الأقل لبعض اللاجئين، فإن خطة ترامب تنص صراحة على أنه "لن يكون هناك حق في العودة، أو استيعاب أي لاجئ فلسطيني في دولة إسرائيل". وبدلاً من ذلك، سيختار اللاجئون الفلسطينيون الاندماج في بلدانهم المضيفة الحالية، أو إعادة التوطين في بلدان ثالثة، أو الاندماج في الكيان الفلسطيني المؤسس حديثاً.
يشير الكاتب إلى أن فرص موافقة الفلسطينيين على التفاوض على أساس رؤية ترامب معدومة. فالرئيس الفلسطيني محمود عباس رفض الخطة بغضب ووصفها بأنها "مؤامرة" ستُنقل في نهاية المطاف إلى "مزبلة التاريخ" بينما يهدد بإحالة المسألة إلى محكمة العدل الدولية.
يعتقد الكاتب بأنه وربما تم تصميم الخطة لانتزاع كلمة "لا" فلسطينية، والتي يمكن استخدامها بعد ذلك كذريعة للضم "الإسرائيلي". وفي غضون ساعات من الكشف عن الخطة، أعلن نتنياهو أن عملية بسط السيادة الإسرائيلية على المناطق غير المخصصة للكيان الفلسطيني سيتم تناولها من خلال الكنيست -البرلمان الإسرائيلي- في غضون أيام. فيما سارع سفير ترامب لدى إسرائيل، ديفيد فريدمان، إلى تقديم دعم غير مشروط لأي ضم من هذا القبيل.
يؤكد الكاتب بأن هذه ليست المبادرة الأولى التي ترعاها الولايات المتحدة والتي تميل إلى حد كبير لصالح "إسرائيل"- على الرغم من أنه ربما لم تكن في الماضي متحيزة بوقاحة مثل هذه المبادرة. غير أن الإدارات السابقة قد تشدقت على الأقل بالمبادئ والقواعد الدولية الأساسية، أي بالدعوة إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي والإصرار على حق نظري على الأقل في تقرير المصير للفلسطينيين.
وعلى النقيض من ذلك، تخلص ترامب بشكل منهجي وصريح من جميع المبادئ الأساسية التي كانت أساس عملية السلام لأكثر من نصف قرن، وكانت الحافز الرئيس للفلسطينيين للانخراط في عملية دبلوماسية بأقصى حد لها مع خصمها الأقوى، "إسرائيل".
ووفقاً للكاتب فقد بدأ هذا التجاهل للسوابق والمبادئ بقرار كانون الأول/ديسمبر 2017 الاعتراف بالقدس عاصمة "لإسرائيل"، وقلب 70 عاماً من السياسة الأمريكية وتحدى إجماعاً دولياً طويل الأمد، أعقبه قرار بالاعتراف بسيادة "بإسرائيل" على مرتفعات الجولان، وأخيراً إعلان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أن المستوطنات "الإسرائيلية" لن تعتبر غير قانونية.
وسيعتمد ما إذا كانت خطة ترامب ستكتسب زخماً على كيفية تلقيها من قبل الجهات السياسية الفاعلة الرئيسة على الصعيدين الدولي والداخل. وقد أدلى قادة المملكة العربية السعودية ومصر، الحريصين على إرضاء إدارة ترامب، بتصريحات إيجابية حول الخطة، كما هو الحال بالنسبة لرئيس وزراء المملكة المتحدة بوريس جونسون وقادة العالم الآخرين، على الرغم من أنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كان القادة العرب والأوروبيون سيكونوا مستعدين لتجاوز المجاملات الدبلوماسية وتبني رؤية ترامب بنشاط. وبالفعل، وقد وصف العديد من الديمقراطيين في الكونغرس والمرشحين الديمقراطيين للرئاسة، فضلاً عن العديد من الجماعات المؤيدة للسلام، خطة ترامب بأنها مهزلة.
يضف الكاتب بأنه سيجد بعض المراقبين أنه من المغري اغتنام الدعوة الواضحة للخطة إلى حل الدولتين أو القول بأن قادة المنطقة يجب أن يعطوا الخطة فرصة أو على الأقل أن يحاولوا البناء على بعض عناصرها الإيجابية. ولكن القيام بذلك، سواء كان ذلك من السذاجة أو اللامبالاة أو البخيل، لن يسمح إلا لفيروس خطة ترامب بإصابة النظام البيئي الدبلوماسي في المنطقة في الوقت الذي يحطم فيه أي احتمال للسلام على أساس حل حقيقي قائم على وجود دولتين.
يختتم الكاتب مقالته بالقول: إن التهديد الحقيقي للسلام ليس فيما إذا كانت خطة ترامب ستفشل أم لا، بل فيما إذا كانت ستنجح أم لا. كما هو الحال مع فيروس حصان طروادة، فإن أضمن طريقة لتجنب العدوى هي عدم قبول البرنامج في المقام الأول".